غارة الحدود السورية العراقية: أميركا لا تهادن "الحشد الشعبي"

29 يونيو 2021
استهدف القصف الأميركي 3 مواقع للمليشيات (Getty)
+ الخط -

أظهر الهجوم الثاني من نوعه منذ مطلع العام الحالي، والذي شنته مقاتلات أميركية، فجر أمس الاثنين، على مواقع حدودية داخل العراق وسورية، مستهدفة مقرات لمليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أحد أبرز الفصائل العراقية المدعومة من طهران، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تهادن "الحشد الشعبي"، وهو ما وضعه البنتاغون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في إطار رسالة مهمة وقوية إلى الفصائل المدعومة من إيران.

ووفقاً لبيان أصدرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، فجر أمس الاثنين، فإن طائرات أميركية من طراز "أف 15" و"أف 16"، نفّذت "ضربات جوية ضرورية ومدروسة، ضد فصائل مسلحة مدعومة من إيران في العراق وسورية". وتحدّث البيان عن أن الهجمات كانت بإذن من الرئيس الأميركي جو بايدن، في أعقاب الهجمات على المصالح الأميركية في العراق، مضيفاً أن الضربات استهدفت "منشآت تشغيلية ومستودعات للأسلحة في موقعين في سورية وموقع في العراق". وأشار إلى أن المنشآت المستهدفة كانت تستخدمها فصائل مسلحة مدعومة من إيران، من بينها "كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء". وقال مسؤول دفاعي أميركي، لوكالة "رويترز"، إن إحدى المنشآت المستهدفة استخدمت لإطلاق الطائرات المسيّرة واستعادتها.

اعتبر بلينكن أن الضربات تمثل رسالة "قوية" لردع المليشيات

وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، في بيان، "بالنظر إلى سلسلة الهجمات المستمرة التي تشنها جماعات مدعومة من إيران، والتي تستهدف المصالح الأميركية في العراق، وجّه الرئيس بمزيد من العمل العسكري لتعطيل وردع هجمات كهذه". وأوضح أن المنشآت، التي استهدفتها الضربات "تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران تشارك في هجمات بطائرات بلا طيار ضد أفراد ومنشآت أميركية في العراق". وأعلن أن الضربات تشكل "عملاً ضرورياً ومناسباً ومدروساً للحد من مخاطر التصعيد، ولكن أيضاً من أجل بعث رسالة ردع واضحة لا لبس فيها". وشدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في روما أمس الإثنين، على أن الضربات التي استهدفت المليشيات يجب أن تمثّل رسالة "قوية" لردع الفصائل المدعومة من إيران عن مواصلة استهداف القوات الأميركية. وقال "تبعث خطوة الدفاع عن النفس هذه للقيام بما يلزم لمنع أي هجمات أخرى برسالة مهمة وقوية" إلى الفصائل المستهدفة، مؤكداً اتخاذ بلاده إجراء ضرورياً ومناسباً ومدروساً بالضربات الجوية.

ووفقاً لمصادر عراقية مقربة من فصائل مسلحة في "الحشد الشعبي" في بغداد، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن القصف استهدف ثلاثة مواقع، اثنين منها داخل منطقة الهري السورية الحدودية مع العراق، استهدف أحدهما منزلاً تتخذه "كتائب سيد الشهداء" مقراً لها، بينما استهدفت الغارة الثالثة مبنى حكومياً مهجوراً داخل الأراضي العراقية، تتخذه "كتائب حزب الله" مقراً لها، أسفر عن خسائر مادية فقط.

وأكدت المصادر أن القتلى سقطوا داخل الأراضي السورية، وهم 4 مسلحين عراقيي الجنسية سيتم تشييعهم بشكل جماعي، صباح اليوم الثلاثاء، من وسط منطقة الجادرية ببغداد، حيث يقع مقر "الحشد الشعبي" الرئيسي، ومن المقرر أن يحضر سياسيون إلى جانب زعامات في مليشيات عراقية عدة التشييع. وكشفت المصادر أن هناك قتلى آخرين بالضربة الأميركية من جنسيات غير عراقية، لم يتم الإعلان عنهم في البيان الذي أصدره "الحشد الشعبي"، وكذلك "كتائب سيد الشهداء". وكان "الحشد" شدد، في بيانه، على أن النقاط المستهدفة "لا تضم أية مخازن أو ما شابه خلافاً للادعاءات الأميركية". وأضاف "نؤكد احتفاظنا بالحق القانوني للرد على هذه الاعتداءات ومحاسبة مرتكبيها على الأراضي العراقية".

وعقب الهجمات، اتخذت القوات العراقية إجراءات أمنية مشددة في محيط قاعدتي عين الأسد غربي الأنبار، وفيكتوريا غربي بغداد، وفقاً لعقيد في الجيش العراقي قال، لـ"العربي الجديد"، إن "قاعدة عين الأسد ومعسكر فيكتوريا والمنطقة الخضراء وقاعدة بلد (محافظة صلاح الدين)، إضافة إلى قاعدة حرير في أربيل، مرشحة لأن تكون أماكن للرد الذي توعدت به الفصائل المسلحة على الهجوم الأميركي"، لافتاً إلى أنه تم نشر وحدات من الجيش، في محيط تلك المناطق، تحسباً لأي هجمات صاروخية أو طائرات مسيّرة.

وأصدرت ما تُعرف بـ"تنسيقية المقاومة العراقية"، التي تضم عدة فصائل مسلحة مدعومة من إيران، أبرزها "كتائب حزب الله"، و"كتائب سيد الشهداء" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء" و"البدلاء" وفصائل أخرى، بياناً مشتركاً توعدت فيه بالرد على الهجوم وبشكل سريع. وقال عضو بارز في مليشيا "عصائب أهل الحق"، لـ"العربي الجديد"، إنه تقرر خلال اجتماع لمن وصفهم بـ"فصائل المقاومة الإسلامية" في العراق "الرد على الغارات الأميركية"، مشيراً إلى أنه "سيكون ضد قواعد الاحتلال". وتوعد زعيم "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، في بيان، بالرد، متحدثاً عن أن الهجوم الأميركي كان من فوق الأراضي الأردنية والسعودية. كما تحدث عن أنهم يواصلون ما أسماه "درب قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وعماد مغنية"، معتبراً أنهم كانوا ينوون منح هدنة رابعة مع زيارة مراقبة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، لكن الضربة الأميركية أنهت ذلك.

ودانت الحكومة العراقية، بعد اجتماع طارئ برئاسة الكاظمي، الغارات الأميركية، معلنة، في بيان، أنها "ستدرس كل الخيارات القانونية" لمنع تكرارها. وكان الكاظمي وصف الضربات بأنها "انتهاك سافر لسيادة العراق". وقال، في بيان، "يجدد العراق رفضه أن يكون ساحة لتصفية الحسابات، ويتمسك بحقه في السيادة على أراضيه ومنع استخدامها كساحة لردود الفعل والاعتداءات"، داعياً إلى "التهدئة وتجنب التصعيد بكل أشكاله". ودان بيان للمتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء، اللواء يحيى رسول، الهجمات. وقال إن بلاده ترفض التحول إلى "ساحة تصفية حسابات". فيما أصدرت وزارة الخارجية بياناً قالت فيه، إن العراق يدين الهجوم الجوي الذي طاول موقعاً على الحدود العراقية السورية، وترفض أن يكون العراق طرفاً في أي صراع أو مواجهة على أراضيه، متعهدة بفتح تحقيق في الهجوم، بما "يكفل الحق السيادي في ذلك، ومنعاً لأي تصعيد يخل بأمن العراق".

عادل الكرعاوي: العدوان سيترك أبواب المواجهة مفتوحة

في السياق ذاته، قال المتحدث باسم مليشيا "أنصار الله الأوفياء"، عادل الكرعاوي، إحدى الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، لـ"العربي الجديد"، إن "الهجوم الأميركي أنهى ونسف كل الوساطات لغرض التهدئة بين فصائل المقاومة والولايات المتحدة. وهذا العدوان سيترك أبواب المواجهة مفتوحة" وفقاً لقوله. وأعلن أن "المقاومة سيكون لها رد، وهذا الرد سيكون مختلفاً، والفصائل لديها إمكانيات عسكرية وقتالية عالية الدقة". وأضاف: "فصائل المقاومة العراقية ترفض أي وساطة سياسية وحكومية للتهدئة مع الولايات المتحدة الأميركية، والسكوت عن هكذا عدوان من دون رد عسكري من قبل المقاومة، سوف يدفع واشنطن إلى ارتكاب المزيد من الأعمال الاجرامية بحق العراقيين، وسوف تستمر في خرق السيادة الوطنية".

إلى ذلك، قال النائب عن تحالف "الفتح" محمد البلداوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الولايات المتحدة تسعى إلى إشعال الفوضى الأمنية في العراق، من خلال شن هجمات ضد الحشد الشعبي، فهي تعرف أن هكذا أعمال لا تمر من دون رد عليها من قبل فصائل". واعتبر أن الهجوم الأميركي يهدف إلى "خلق الفوضى وإشعال حرب، حتى لا تكون هناك انتخابات برلمانية مبكرة في العراق، بسبب الوضع الأمني غير المستقر. كما تريد إيجاد فرص جديدة لبقاء قواتها لفترة أطول في العراق، وعدم تطبيق قرار البرلمان العراقي"، وفقاً لقوله.

وحول التطور، قال الخبير بالشأن الأمني والسياسي العراقي مجاهد الطائي، إنه "إلى جانب استيعاب واشنطن خطر الطائرات المسيرة واستمرار هجماتها، فإن الضربة الأميركية الجديدة غير بعيدة عن أجواء محادثات فيينا، إذ تضغط الأطراف على بعضها في ساحات الصراع للتأثير على القرار النهائي، خاصة من طرف إيران، التي تشعر أن ضغوط اللوبي الصهيوني في واشنطن مؤثرة أكثر على القرار الأميركي في الملف النووي من تأثير هجمات المليشيات الداعمة لها في العراق، والتي ستزداد كلما شعرت إيران بالخسارة". وتوقع الطائي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "يكون العراق أمام صيف ساخن، سياسياً وعسكرياً، يبدأ بالتصعيد بين واشنطن وحلفاء طهران، مروراً بالانتخابات، ووصولاً إلى بوادر عودة الاحتجاجات الشعبية في البلاد مع تردّي واقع الخدمات، خاصة الكهرباء وشح المياه وتفاقم الفقر والبطالة وتراجع قيمة الدينار".

واعتبر أن "كل السيناريوهات مطروحة فيما يتعلق بما ستترتب عليه الضربة الأميركية الجديدة في المنطقة الحدودية العراقية السورية، التي تحولت إلى أكبر نقطة تجمع للمليشيات في المنطقة". واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، أن الهجمات تظهر "الغطرسة" الأميركية، وسير واشنطن في "الاتجاه الخاطئ". واتهم خطيب زادة، في مؤتمره الصحافي، الولايات المتحدة الأميركية، بإثارة التوترات في المنطقة وزعزعة أمنها، داعياً إياها إلى "تصحيح أخطائها ووقف التدخلات" في المنطقة.

المساهمون