غارات حمص... المدنيون ضحايا تبدل استراتيجيات الاستهداف الإسرائيلي

08 فبراير 2024
قوات أمنية تابعة للنظام تتفقد الدمار بعد الضربة مساء الثلاثاء (أسوشييتد برس)
+ الخط -

استهدف قصف صاروخي إسرائيلي، في وقت متأخر من مساء أول من أمس الثلاثاء، مدينة حمص، وسط سورية، ما أدى إلى مقتل مدنيين وعسكريين. ووصل عدد القتلى جراء غارات حمص الإسرائيلية، والتي طاولت كما يبدو مبنىً سكنياً في حي الحمرا بمدينة حمص، القريب من مقر فرع أمن الدولة التابع للنظام السوري، إلى 10، بحسب آخر حصيلة لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان"، عصر أمس، من بينهم 6 مدنيين بالإضافة إلى مقتل مقاتلين اثنين لـ"حزب الله" اللبناني، مع انهيار المبنى بالكامل. وأوضح المرصد أن من بين القتلى "3 طلاب جامعيين وامرأة، فيما لم يتم التعرف إلى هوية جثتين بعد". وكان مدير صحة محافظة حمص، التابعة لوزارة الصحة في حكومة النظام، مسلم الأتاسي، أشار صباح أمس، إلى أن حصيلة للقصف بلغت 7 قتلى و13 جريحاً.

استنفار للنظام بعد غارات حمص

ووفقاً لمصادر "المرصد السوري"، فإن "قبو البناء كان يسكنه 3 طلاب جامعيين قتلوا في الاستهداف، والطابق الأول كانت تقطنه سيدة وابنها وهي صاحبة البناء، والطابق الثالث كان يقطنه أشخاص استأجروا الطابق، وهم من جنسية غير سورية، لا يعلم إن كانوا مستشارين إيرانيين أم لبنانيين أم من جنسيات أخرى".

انتقلت إسرائيل بعد 7 أكتوبر من استهداف شحنات الأسلحة إلى استهداف الأشخاص الذين لهم دور في التخطيط والتنسيق بين مجموعات إيران

بدورها أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، مقتل مدنيين، وقالت إن عددهم وصل إلى تسعة، مع إصابة 11 شخصاً، بينهم امرأة وابنها في شارع الحمرا جرّاء دمار المبنى والشظايا الناجمة عن القصف، مضيفة أن المبنى أصيب بصاروخ شديد الانفجار أدى إلى انهياره فوق ساكنيه بالكامل.

وقالت مصادر "العربي الجديد" في المنطقة إن البناء المستهدف بغارات حمص يقع على بعد 400 متر فقط من مقر فرع أمن الدولة التابع للنظام، وهو أحد أكبر الفروع الأمنية في المدينة، تليه مجموعة من المنشآت العسكرية الأخرى في شمال غربي المدينة على رأسها الكلية الحربية التي شهدت قصفاً مجهولاً في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام ومدنيين كانوا يحضرون حفل تخريج مجموعة من الضباط.

كما استهدفت غارات حمص، ليل أول من أمس، منطقة الأوراس وقرب الملعب البلدي وقرب مبنى الخدمات الفنية، ومواقع بالقرب من مصفاة حمص شمال غربي المدينة، ومواقع في منطقة القصير بريف حمص الجنوبي الخاضع فعلياً لسيطرة "حزب الله".

وقالت وزارة الدفاع التابعة للنظام في بيان إن "العدو الإسرائيلي شنّ عدواناً جوياً من اتجاه شمال طرابلس (شمال لبنان) مستهدفاً عدداً من النقاط في مدينة حمص وريفها، وقد تصدّت وسائط دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها، وأسفر العدوان عن استشهاد وإصابة عدد من المدنيين"، فيما بثّ التلفزيون الرسمي التابع للنظام لقطات تظهر عناصر إغاثة يبحثون بين أنقاض ما يبدو أنه المبنى المنهار نتيجة القصف ويخلون شخصاً على نقّالة.

وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فقد شهدت المنطقة استنفاراً كاملاً لكافة الفروع الأمنية المحيطة بها وهي فرع الأمن السياسي وفرع الأمن العسكري وفرع أمن الدولة، وقوات النظام المتمركزة في مبنى حزب البعث، وحضر محافظ النظام في المدينة نمير خلوف إلى موقع المبنى المنهار.

وأوضحت مصادر "العربي الجديد" أن أبرز المليشيات المرتبطة بإيران في تلك المنطقة، هي مليشيا "الرضوان"، التي تتمركز بشكل رئيسي شمال غرب المدينة، في قرية المزرعة ومحيطها، وكان لها الدور البارز في حصار حي الوعر سابقاً.

ومنذ 7 أكتوبر الماضي، أحصت مراكز دراسات ومراصد سورية، حوالي 26 استهدافاً إسرائيلياً في سورية، معظمها ضد مليشيات إيران وقادتها وخبرائها من الحرس الثوري. ورغم أن تلك الضربات أوقعت مدنيين بين قتلى وجرحى، إلى أنها في الأساس موجهة نحو الخبراء والمستشارين العسكريين والأمنيين الذين يتبعون للحرس الإيراني أو "حزب الله".

إسرائيل تلاحق "المستشارين" بعد 7 أكتوبر

ويلاحظ حول الضربات الإسرائيلية الأخيرة في سورية، تغير نمطها لجهة المواقع والأهداف الموجهة إليها، لاسيما بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر الماضي. فبعدما كانت تلك الضربات تستهدف مواقع وأهدافا ذات طبيعة عسكرية من نقاط وأماكن انتشار للمليشيات الإيرانية ومعامل تصنيع وتطوير للأسلحة، في الغالب على أطراف المدن، باتت اليوم موجهة نحو الأشخاص في المواقع والأبنية، وتلك ضربات باتت طبيعتها ونمطها أمنيا نظراً لاستهدافها الخبراء الأمنيين لإيران والحرس الثوري، الذين يتواجدون في سورية تحت مسمى "المستشارين العسكريين".

وكانت أبرز الضربات التي استهدفت المستشارين الإيرانيين في سورية، تلك التي استهدفت مبنى في العاصمة السورية دمشق في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، ما أدى إلى مقتل خمسة من قادة "الحرس"، وما سبقها من اغتيال القيادي البارز في الحرس الثوري رضي موسوي أيضاً بضربة جوية إسرائيلية، إضافة إلى استهداف مستشار إيراني (سعيد عليدادي) في 2 فبراير/شباط الحالي بحي السيدة زينب، جنوب دمشق. ويمكن قراءة الضربات التي تلقتها مدينة حمص، وسط البلاد، ليل الثلاثاء – الأربعاء، ضمن ذات الإطار.

وتعليقاً على هذه الاستهدافات، رأى الباحث وائل علوان، المختص بملف الضربات الإسرائيلية في مركز "جسور للدراسات"، أن إسرائيل اتجهت بعد 7 أكتوبر إلى نوع جديد من الأهداف، في إشارة إلى المستشارين الإيرانيين أو القادة من الفصائل الفلسطينية أو قادة المليشيات المرتبطة بإيران، وهم الأشخاص الذين لهم دور كبير في التخطيط والتنسيق بين المجموعات، ومنها المجموعات متعددة الجنسيات، التي تشكل هوية المشروع الإيراني في المنطقة.

وأضاف علوان لـ"العربي الجديد"، أن "المكاتب الأمنية والشخصيات التي استهدفت أخيراً، لها دور كبير في هندسة العلاقة بين أطراف هذا المشروع (الإيراني)، بالإضافة إلى دورها في التنسيق مع الأجهزة الأمنية السورية"، منوهاً إلى أن "إسرائيل يبدو أنها شعرت بضرورة التخلص من هؤلاء، وإزالة الأسباب التي أدت إلى نجاح عملية طوفان الأقصى، وألا يتكرر مثل هذا الخطر في الجبهة الشمالية لإسرائيل".

وأوضح علوان، أنه "في السابق كانت السياسة الإسرائيلية في توجيه الضربات داخل سورية، تقوم على عدم التصعيد بشكل كبير، وضرب الأهداف التي تشكل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي في سورية، وأكثر تلك الأهداف يدور حول منظومات الدفاع الجوي ومنظومات توجيه الصواريخ والرادارات وأنظمة التشويش، بالإضافة إلى بعض مراكز البحوث العلمية التي تطور الأسلحة والتقنيات العسكرية الإيرانية، أما في الضربات الأخيرة، فالأمر مختلف بنسبة كبيرة"، بحسب رأيه.

تريد إسرائيل إيصال رسالة مفادها أن حرب غزة لم تُقَلِّم أظافرها

واتفق الباحث في الشأن العسكري وجماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، مع الباحث علوان، مشيراً إلى "تغير نمط الضربات الاسرائيلية ضد المواقع العسكرية الإيرانية في سورية بعد العدوان على غزة بشكل واضح، حيث إن الضربات قبل حرب غزة كانت مقتصرة على أهداف ذات أهمية منخفضة أو متوسطة تتميز في غالبها بكونها شحنات أسلحة أو مواقع عسكرية مخصصة للتدريب أو تخزين أسلحة، لكن مع بدء الحرب انتهجت اسرائيل نمطاً أكثر عدوانية تجاه التواجد الإيراني في سورية حيث استهدفت 3 مستشارين عسكريين في دمشق وريفها ومستودعات مهمة في حمص وريفها".

وأضاف فرهود لـ"العربي الجديد"، أن "ارتفاع مستوى العدوانية والجديّة في الهجمات الإسرائيلية يأتي من عدة دوافع، أولها أضعاف قدرة ايران ووكلائها على إيصال التقنية النوعية العسكرية إلى حزب الله في لبنان وجنوب سورية، وثانيها تضييق حركة المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية، في إطار السعي لمنعهم من استخدام الأراضي السورية كمنطلق لتوجيه تهديدات لإسرائيل، وثالثها إيصال رسالة اسرائيلية مفادها أن حرب غزة لم تُقَلِّم أظافر الإسرائيليين وأنهم قادرون على العمل والتواجد في جغرافيا الإقليم بقوة في سبيل حماية وجودهم".

وفي الوقت الذي تأتي فيه تلك الضربات، مع تغييرات أمنية في الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ووسط اتهامات إيرانية (غير رسمية) بتعاون بين مسؤولين أمنيين من النظام بتقديم معلومات حول تواجد المستشارين الإيرانيين لإسرائيل، اعتبر فرهود أن "التغييرات الأخيرة في المؤسسة الأمنية العسكرية السورية تأتي لعدد من الاعتبارات، أحدها هو محاولة التحكم بالتغلغل الإيراني داخل المؤسسة الأمنية والاستفادة من نفوذها لتغطية أو تمرير مصالحها على الجغرافيا السورية، يعني من الممكن أن نقرأه على أنه تغيير بهدف إعادة ضبط العلاقة والمنفعة المتبادلة بين الإيرانيين ونظام الأسد".

وعقب الضربة التي استهدفت القادة الخمسة في دمشق الشهر الماضي، نفذت أجهزة أمن النظام عمليات اعتقال طاولت مدنيين وأمنيين صغارا، على مستوى صف ضابط باشتباه تعاونهم في تسريب معلومات عن مكان القادة الإيرانيين.
وأول من أمس الثلاثاء، نقل "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن الاستخبارات العسكرية لدى النظام في محافظة دير الزور شرقي البلاد، حيث الانتشار الإيراني الواسع، اعتقلت قيادياً في المليشيات الإيرانية ونحو 56 من عناصره، إضافة إلى اعتقال 37 من عناصر المسلحين المحليين الموالين للمليشيات الإيرانية، وهروب قيادي آخر باتجاه منطقة محكان في المحافظة وتحصنه مع المليشيات الإيرانية.

وأشار المرصد إلى أن الاعتقالات نفذت بتهمة إعطاء معلومات وإحداثيات لـ"التحالف الدولي"، وذلك على خلفية الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت مواقع المليشيات الإيرانية في دير الزور وريفها قبل أيام.

المساهمون