عودة واشنطن وطهران إلى فيينا ترجح التوصل إلى اتفاق اضطراري

29 نوفمبر 2021
تستأنف مفاوضات فيينا النووية اليوم الاثنين (الأناضول)
+ الخط -

بعد خمسة أشهر ونيف من لعبة العض على الأصابع بين طهران وواشنطن، تستأنف اليوم الاثنين مفاوضات النووي الإيراني في فيينا.
تخلّل هذه المدة الكثير من الشد والجذب والاتصالات بالواسطة والمساومات والتلويح بالخيارات غير الدبلوماسية. لكن تبيّن أنها كلها كانت لتحسين الشروط والموقع التفاوضي، بدليل أن خطاب التشدد والتصعيد المتبادل حرص الجانبان باستمرار على ضبطه عند حدود تكفل ترك خط الرجعة مفتوحاً. وكأن كلاهما بقي مدركاً الحقيقة العنيدة بأنه مضطر في النهاية للعودة إلى الطاولة لأن البديل كلفته هائلة ولا بدّ من اجتنابها. 
الشروط المسبقة تبدو، حسب التقديرات والمتابعات، وكأنها جرى نقلها إلى الطاولة أو صرف النظر عن بعضها؛ منها طلب إيران حصولها قبل العودة على ضمانة بأن واشنطن لن تنسحب من أي اتفاق يتم التوصل إليه بحيث لا يتكرر خروجها كما فعلت في 2018.  
ويذكر أن السناتور الجمهوري تيد كروز قد حذّر من أن أي اتفاق تعقده إدارة بايدن مع إيران "سيمزقه أول رئيس جمهوري قادم". وكلامه يعكس إلى حد بعيد أجواء الجمهوريين في الكونغرس

كذلك مطلب فريق التفاوض الإيراني الجديد بأن تبدأ المفاوضات من الأول وصرف النظر عن حصيلة الجولات الست الماضية. غير أن واشنطن رفضت هذا الطرح وكذلك روسيا بلسان سفيرها لدى المنظمة الدولية في فيينا ميكايل يوليانوف في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. لكن طهران ردت في 17 أكتوبر الفائت بأن المفاوضات قد لا تستأنف من نهاية الجولة السادسة في يونيو/حزيران الماضي، لأنها "انتهت بخلافات وليس بتوافق"، وبالتالي لا بد من الرجوع إليها لحلها قبل الانتقال إلى الجولة السابعة. 
من جهتها، خففت إدارة بايدن في الآونة الأخيرة من تشديدها على شرط "عودة إيران إلى الامتثال لاتفاق 2015". وتزامن ذلك مع تزايد الحديث في واشنطن عن ترجيح فكرة "الحل المؤقت" الممكن أن يقوم على مقايضة" رفع بعض العقوبات عن طهران، مثل تلك التي تستهدف قطاع الطاقة، مقابل تراجع إيران عن خطوات تخصيب اليورانيوم الذي صار بحوزتها منه حوالي 120 كيلوغراماً مخصّبة بدرجة 20%.
الهوة حالياً واسعة جداً بين واشنطن وطهران وبما يحول دون العودة إلى الامتثال لاتفاق 2015، وبالتالي، يكون من الأجدر لهما اتخاذ خطوات تدريجية في هذا الاتجاه، يقول صاموئيل هايكي الباحث في "مركز رصد الاسلحة النووية ومنع انتشارها". بهذه الصيغة، يمكن للإدارة الأميركية شراء الوقت والزعم بأنها ضربت عصفورين بحجر: أوقفت التخصيب، وبالتالي جمّدت المشروع النووي الإيراني ولو إلى حين. ومن ناحية ثانية، أنها أبقت على معظم العقوبات على إيران.

ومع أنه دون ذلك عقبات وتنازلات قد لا يكون من السهل على البيت الأبيض تسويقها في الكونغرس كما في المنطقة، إلا أن تحركات الإدارة في الآونة الأخيرة تشي بأنها ليست بعيدة عن مثل هذا السيناريو، منها زيارة وزير الدفاع لويد أوستن الأخيرة إلى المنطقة وخطابه في منتدى البحرين، والذي بدا أقرب إلى رسالة "تطمين للشركاء" إزاء تطور دبلوماسي نووي "مفضل" لدى الإدارة، نوّه به في المنتدى ذاته منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت ماغكورك.  
كذلك من المؤشرات، تأكيد المبعوث الخاص روب مالي، أخيراً، أن الفسحة لاختراق ما في المفاوضات "ما زالت متاحة" على الرغم من ضغط الوقت، ولو أن كلامه جاء في سياق تحذير إيران من الاستمرار في لعبة الوقت وتأخير عودتها إلى المفاوضات. 
ويندرج في هذا السياق توصيف نائب وزير خارجية إيران علي باقري كني، في 27 أكتوبر الماضي، محادثاته مع نائب الأمين العام للاتحاد الأوروبي إنريكي مورا بأنها كانت "جدية وبناءة". 
والمعروف أن محادثات طهران مع الأوروبيين لعبت دور المفتاح لباب غرفة المفاوضات في فيينا.   
على هذه الخلفية، تفتتح اليوم الاثنين المفاوضات جلستها السابعة. والاعتقاد بأن المسالة لن تطول قبل أن تتبين معالم وجهتها، على افتراض أنها تجرى بعد التوصل إلى تفاهمات إطار من دون مراهنة على النجاح. في مفاوضات من هذا النوع بين أطراف على هذا القدر من التباعد والتوجس، لا يقوى حتى المتفائلون على استبعاد الفشل. إذا كان من مراهنة فهي على أن الجلوس الاضطراري على الطاولة محكوم في آخر المطاف بالقبول باتفاق ما اضطراري.

المساهمون