"الستار الحديدي" الجديد بين روسيا والغرب.. منافسة محتدمة في القطب الشمالي

22 يوليو 2022
نقطة مراقبة على الحدود النرويجية مع روسيا (أنيكا بيردي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد 5 أشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأ الأوروبيون يستعدون لعودة أجواء "الستار الحديدي"، وهو تعبير أطلقه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل في عام 1946، بعد الحرب العالمية الثانية، الذي أسّس لاحقاً لـ"الحرب الباردة".

فوراء شرق الستار، نشأ في القارة نظام يدور في الفلك السوفييتي، منعزل عن الغرب الذي انتهج طريقاً مختلفاً، قام على الانفتاح والليبرالية في ظل نظام رأسمالي. تلك الأجواء تذكر بما كان سائداً قبل تفكك الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية قبل نحو 30 سنة، وخصوصاً أن سياسات روسيا تُقرأ اليوم باعتبارها "عدوانية".

الدائرة القطبية الشمالية... التنافس بدل التعاون

فخلف أخبار الحرب في أوكرانيا، وأزمات الاقتصاد والطاقة، يرتفع "الستار الحديدي" في الدائرة القطبية الشمالية، وتحديداً عند أقصى شمال النرويج بحدودها مع روسيا. فإلى شمالي الدائرة القطبية بنحو 400 كيلومتر، تتشارك فنلندا والنرويج بحدود جغرافية صعبة مع روسيا. ومنذ 2008، أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يولي اهتماماً بالمنطقة باعتبارها "ساحة معركة مستقبلية مع الغرب"، كما ذهب أخيراً تقرير بريطاني من مركز سيفيتاس.

وحتى قبل غزو أوكرانيا، كانت النرويج تعمل بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، وبقية دول إسكندنافيا، لإعادة تأكيد وجودها على امتداد 190 كيلومتراً من الحدود مع روسيا، غير بعيدة عن شبه جزيرة كولا ومنطقة مورمانسك، المهمة لروسيا تاريخياً، باعتبارها ضمّت أكبر الأساطيل السوفييتية.

أجواء دفء العلاقة بين الجيران، بعد 1991، وخصوصاً في مدينة كيركينيس النرويجية، التي تضم نصباً تذكارياً لنحو ألفي جندي سوفييتي شاركوا بطرد القوات النازية منها في عام 1944، تتبدل إلى الأسوأ، منذ أن بدأ التوتر الروسي- الأطلسي (والنرويج عضو فيه، وليست عضو في الاتحاد الأوروبي) بعد ضم شبه جزيرة القرم، والتدخل في شرق أوكرانيا عام 2014.

استُبدلت صيغ التعاون القطبي الشمالي بتنافس وتسابق للسيطرة على أجزاء حيوية من المنطقة. فالتغيرات المناخية، المؤدية إلى انحسار جليدي باتت تسمح بالإبحار عبر الممر الشرقي للمتجمد الشمالي، الذي ظل منذ القرن السادس عشر محل اهتمام المستكشفين الأوروبيين عبر شمال روسيا وسيبيريا، لربط أوروبا وشرق آسيا. وعادت كيركينيس النرويجية الحدودية إلى مكانتها التي كانت عليها في الحرب الباردة بين الغرب والسوفييت، وتعززت مع الاتفاقيات النرويجية مع الجانب الأميركي في فبراير/شباط الماضي، لاحتضان مزيد من مناورات وتدريبات حلف شمال الأطلسي، والسماح بقواعد أميركية.

الجانب الروسي من جهته، كان سباقاً في تأكيد أهمية الدائرة القطبية الشمالية منذ 2014، فأعاد تشغيل المنشآت العسكرية من فترة الحرب الباردة، حيث يقدر الغربيون تشغيل 50 منشأة، بما في ذلك 13 قاعدة جوية و10 محطات رادار، كانت جميعها أُغلقت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.

تنافس على الموارد الطبيعية الهائلة

طبيعة المنطقة في السياسات الدفاعية الروسية تجعلها إستراتيجية، وخصوصاً أن شبه جزيرة كولا، قرب كيركينيس النرويجية، تضم جزءاً هاماً من السفن الروسية الحاملة لرؤوس نووية.

وتزايد الاهتمام بالدائرة القطبية، وخصوصاً في أقصى شمال إسكندنافيا، ليس بمعزل عن عسكرة أوسع في معظم الدائرة، الممتدة من روسيا وشمال إسكندنافيا، إلى القطب الشمالي نفسه، وصولاً إلى غرينلاند وألاسكا وأجزاء من كندا.

بالطبع، لا يمكن فصل الاهتمام المتزايد عن الانحسار الجليدي، ليضفي بعداً استراتيجياً للتنافس على كميات هائلة من الموارد الطبيعية، ومنها النفط والغاز والزنك والنيكل والرصاص، وغيرها، يضاف إليها الطموح الكبير لتحويل جزء من المتجمد الشمالي كممر تجاري بحري. وكانت التقارير الإسكندنافية والأوروبية توقعت خلال السنوات الماضية، احتدام ذلك التنافس، حيث لم يكن تقرير مركز سيفيتاس بعيداً عن تلك التقارير، حين أكد أخيراً أن المنطقة القطبية الشمالية "ستصبح ساحة معركة جيوسياسية، إذا لم يتخذ الغرب إجراءاته الاحترازية"، وهو ما أكده في تصريحات صحافية، أحد مؤلفي تقرير المركز البريطاني روبرت كلارك.

في كل الأحوال، إذا كان التنافس الروسي-الغربي في المنطقة القطبية يتخذ طابع استعراض قوة ومحاولات تثبيت حدود "سيادة" المتنافسين على البحار والموارد الطبيعية، فإن تنافساً متزامناً يجري على طول "الستار الحديدي". صحيح أن الستار السابق (حتى انهيار جدار برلين 1989) اتخذ طابعاً أيديولوجياً بين أنظمة شيوعية ورأسمالية، ومن خلال ذراعين عسكريتين، "الأطلسي" و"وارسو"، إلا أن السردية الروسية الجديدة على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تعتبر سقوط الاتحاد السوفييتي "أكبر مأساة جيوسياسية في القرن الماضي"، تعطيه بعداً جديداً في العزف على الوتر القومي، وأحياناً باسم "حماية الناطقين بالروسية". وذلك يعني عملياً أن الاتحاد الأوروبي بات في قلب الصراع على جانبي الستار، وخصوصاً أن مجتمعات دول البلطيق السوفيتية سابقاً (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) أصبحت تتأثر بالأقليات الروسية وبما يجري، وتلك قصة أخرى متواصلة بعمق على ما يبدو على امتداد نحو 5 آلاف كيلومتر من أقصى الشمال إلى القوقاز جنوباً.

المساهمون