عملية الجندي تضرب الثقة الحدودية بين مصر وإسرائيل

14 يونيو 2023
جنديان إسرائيليان على الحدود المصرية، أغسطس 2021 (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

عقب عملية الجندي المصري محمد صلاح، التي أدت لمقتل ثلاثة جنود إسرائيليين في مطلع شهر يونيو/ حزيران الحالي، بدأت تظهر على أرض الواقع تحركات وإجراءات جديدة غير مسبوقة في سبيل منع تكرار الحدث مرة أخرى. وشهدت الأيام الماضية زيارات متبادلة بين وفود أمنية عسكرية بين مصر وإسرائيل، لمناقشة العملية وتداعياتها على العلاقة بين الطرفين، وعلى الوضع الميداني على طول الحدود الفاصلة بين مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وزار القاهرة، الأحد الماضي، قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الجنرال أليعازر تولدانو، ورئيس لواء العلاقات الدولية العميد أفي ديفرين، ورئيس لواء العمليات في شعبة الاستخبارات العميد "ج"، حيث واصلوا التحقيق المشترك مع مسؤولين في الجيش المصري حول العملية.

وفي أعقاب اللقاءات في القاهرة، كشفت إذاعة جيش الاحتلال، أول من أمس الإثنين، عن الإجراءات الجديدة على الحدود المصرية، والتي تتمثل في منع الاقتراب من السياج، وفي حال ورود بلاغ عن أي تحرك غير معتاد لجندي مصري، يتم التعامل معه على أنه هجوم محتمل، ويجب فوراً لبس الخوذة والاستعداد لإطلاق النار.

إجراءات مصرية على الحدود

ومن الجانب المصري، كشفت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، أن قوة عسكرية مشتركة من الجيش المصري ووزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات بدأت حملة تمشيط غير مسبوقة لملاحقة تجار المخدرات والمهربين على طول الحدود بين مصر والاحتلال، وخصوصاً في المنطقة الواقعة بين مثلث الحدود بين قطاع غزة ومصر والاحتلال، وصولاً إلى مناطق جنوب معبر العوجا الذي وقعت بجواره العملية.

مصادر قبلية: بدأت قوات أمنية مصرية حملة تمشيط لملاحقة تجار المخدرات والمهربين على طول الحدود مع الاحتلال

وأشارت المصادر إلى أن قوات الأمن عمدت، خلال الأيام الماضية، لتخريب الأراضي الزراعية التي تستخدم لزراعة المخدرات، ولإحراق كل الأدوات المستخدمة في ذلك، وإزالة أي أماكن اختباء أو نقاط مراقبة للحدود أنشأها المهربون لمتابعة حركة القوات الأمنية والتعرف إلى الأوقات المناسبة للتهريب.

وأوضحت المصادر أنه حضر، خلال الأيام الماضية، عدد من القيادات العسكرية من القاهرة، خصوصاً في جهازي حرس الحدود والأمن المركزي، اللذين ينتشر جزء من قواتهما على طول الحدود مع الاحتلال، فيما شهدت الحدود في الجانب الإسرائيلي حركة نشطة للآليات، وصيانة لنقاط التقاء للقوات المصرية والإسرائيلية في حالات الطوارئ، حيث جرى إغلاقها بشكل محكم. كما تمت إقامة سواتر رملية أمام النقاط العسكرية الإسرائيلية التي تقابلها مواقع عسكرية ونقاط مراقبة مصرية، لحجب الرؤية وتحصين الجنود من رصاص القناصة وخلاف ذلك.

الإسرائيليون يحاولون استغلال الحادث الحدودي

وقال العميد صفوت الزيات، الباحث العسكري، لـ"العربي الجديد": "علينا أن ندرك أن الإسرائيليين يحاولون الآن استغلال هذا الحادث لأقصى درجة ممكنة، للحصول على مزيد من التنازلات من الجانب المصري". وأضاف أن "الأسئلة المطروحة هنا كثيرة، فعلى سبيل المثال: هل يحاولون الحصول من الجانب المصري على اعتراف بعدم تقيدهم باتفاقيات السلام، خصوصاً في ما يخص المنطقة (د)، وهي منطقة في الأراضي المحتلة يمنع فيها وجود تشكيلات قتال رئيسية أو أسلحة ثقيلة بصورة مستمرة؟ وهل يحاولون إجبار الجانب المصري على القبول بالدفع بأسلحة ثقيلة وتشكيلات إسرائيلية ذات فعالية وقدرة قتالية كبيرة للوجود مباشرة على الحدود؟".

وتابع: "هل من المحتمل أن يجادل الإسرائيليون ويفاوضوا من أجل تفريغ المنطقة (ج) من أعداد كبيرة من قوات الشرطة المصرية الموجودة فيها، والدفع بها إلى عمق أكبر داخل الأراضي المصرية، وقبول القاهرة بالاعتماد على أنظمة الاستشعار الإسرائيلية لتبادل المعلومات في المناطق المفرّغة، عوضاً عن وجود أفراد أمن مصريين؟ هذا أمر أيضاً مطروح".

صفوت الزيات: الإسرائيليون حذرون للغاية في القيام بعمل يتجاوز الحدود المصرية بشكل معلن

وقال الزيات إن "الإسرائيليين حذرون للغاية في القيام بعمل يتجاوز الحدود المصرية بشكل معلن، لأنه على الأقل الجانب المصري، ولو ضمنياً، ندد بتصرف عنصر الأمن، وحافظ على معايير كثيرة لمحاولة التقليل من أثر الرواية البطولية التي رُوّجت ولم يمس مصداقيتها حتى الآن، وأصر على أن عنصر الأمن كان يطارد شبكات تهريب مخدرات، ولم يكن يهدف لاختراق الحدود الإسرائيلية وقتل أفراد في القوات الإسرائيلية".

التنسيق بين مصر وإسرائيل لا ينقطع

من جانبه، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة، لـ"العربي الجديد"، إن "التنسيق المشترك المصري الإسرائيلي بخصوص تأمين المعابر الحدودية وخط الحدود يحدث عن كثب وربما على مدار الساعة ولا ينقطع". وأضاف أنه "من المتوقع أن يكون ذلك التنسيق بين الطرفين المصري والإسرائيلي، مباشرة أو بمشاركة من المراقبين الدوليين للقوة المتعددة الجنسيات المنتشرة في سيناء وصحراء النقب".

وتابع سلامة أنه "وفقاً لتداعيات الحادث فإنه من المتوقع أن يتم تعديل قواعد الاشتباك بالنسبة للجنود في المنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل. وبالفعل صدرت تصريحات إسرائيلية، تناقلتها وسائل الإعلام، بخصوص التشديد على ارتداء الخوذ وحمل أسلحة معينة بالنسبة للجنود الإسرائيليين، فضلاً عن عدم الاقتراب من السياج الأمني الذي شيدته إسرائيل وكلفها مئات الملايين من الدولارات".

لكن سلامة أكد أنه "من الأفضل ألا يتم تعديل قواعد الاشتباك، سواء في مصر أو إسرائيل، بشكل انفرادي، ولكن بعد تنسيق مسبق بين الطرفين". وتوقع أن "تكون قواعد الاشتباك المصرية في المنطقة الحدودية (المنطقة ج) قد تم تعديلها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إثر التعديل الثاني للملحق الأمني لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية".

مشكلة أمنية تواجه مصر

من جهته، قال شادي إبراهيم، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية، لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة وفد إسرائيلي على هذا المستوى تؤكد إمكانية وجود إجراءات مستقبلية مشتركة بين الجانبين المصري والإسرائيلي". وأضاف أن "هناك مشكلة أمنية تواجه الجانب المصري حالياً، هي فكرة وجود مجند لا غبار على ملفه الأمني يقوم بهذا الفعل، ولذلك على الأغلب، قد نرى إجراءات مشددة في الفترات المقبلة ومعايير أكثر صرامة على الجنود الذين يخدمون في المناطق الحدودية. وقد تكون هناك إجراءات داخل القوات المسلحة والداخلية المصرية لخضوع الأفراد الذين يخدمون في المناطق الحدودية لدورات تدريبية وتأهيلية معينة، لضمان انضباط الجنود بشكل أكبر".

من جهته، قال أبو محمد المنيعي، وهو أحد وجهاء سيناء الذين عاصروا الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن الانتقام في طبع الاحتلال، إذ إنه لا يمكن القبول بالنتيجة الحالية، حيث رسمت في أذهان المصريين مجدداً صورة المقاتل المصري الفدائي الذي يقتل الجنود الإسرائيليين المحتلين للأرض الفلسطينية، وهم أنفسهم منفذو عمليات الإعدام لمئات الجنود المصريين خلال الحروب السابقة، وبالتالي قد نكون أمام فعل إسرائيلي انتقامي بحق جنودنا على الحدود، لتصبح الكلمة الأخيرة لهم، والصورة في أذهان المصريين والإسرائيليين على حد سواء أن إسرائيل تنتقم لدماء جنودها.

المساهمون