عادت أجواء التصعيد والحشد للمقاتلين والمرتزقة مجدداً إلى المشهد الليبي، في إطار التباين الحاصل أخيراً حول مباحثات الحلّ السياسي التي ترعاها البعثة الأممية، وبعض الأطراف الإقليمية. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر ليبية وسودانية لـ"العربي الجديد" عن عودة عمليات تجنيد المرتزقة مجدداً من جانب قائد مليشيات شرق ليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، خلال الفترة القليلة الماضية. وذكرت أن الشهرين الماضيين شهدا إلحاق نحو ألف مقاتل سوداني بمليشيات شرق ليبيا، بعد اتفاقات جرت أخيراً بين حفتر ومسؤولين عسكريين في السودان، في إشارة إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، برعاية إماراتية.
طلب المصريون من حفتر ضرورة إثبات قدرته على ضبط الوضع الأمني
يأتي هذا في الوقت الذي كشف فيه مصدر مسؤول محسوب على معسكر غرب ليبيا، أن هناك حالة من المناقشات الساخنة المستمرة داخل هذا المعسكر، سببها عدم حسم أسماء محددة لتولي المناصب العليا، في حال تم التوافق على الحل السياسي وإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، ومجلس الوزراء الموحد، ورئاسة مجلس النواب. وأوضح المصدر أن مسألة التقارب التي جرت أخيراً، بين رموز كبرى في غرب ليبيا، والتحالف الداعم لحفتر الذي يضم مصر والإمارات وفرنسا، تسببت في تباينات كبيرة، وتبادل للشكوك، كان أحد أطرافها وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا. مع العلم أن مراقبين رجّحوا أن تكون زيارة باشاغا للقاهرة في الفترة الماضية ربما قد أثارت بعض الاستياء لدى الحليف التركي، خصوصاً أن خصومه رأوا أنه يسعى للحصول على دعم وتزكية من المحور المؤيد لحفتر لتولي رئاسة الحكومة الجديدة. وقال المصدر إن أنقرة ربما تخشى من إقدام أي طرف من حلفائها في غرب ليبيا على التقارب مع المعسكر الداعم لحفتر، بشكل يدفعه لتقديم تنازلات، من بينها أمور مرتبطة بالاتفاقيات البحرية والأمنية الموقعة بين حكومة الوفاق وتركيا، ما يضعف الموقف التركي في شرق المتوسط. وكشف عن توقعات باحتمال دعم تركيا وزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش ومنحه مزيداً من الصلاحيات، من أجل إحداث توازن في القوة، مع صلاحيات وزير الداخلية، المستند إلى دعم وتأييد بعض كتائب مصراتة. وأضاف المصدر أن النمروش ومعه رئيس الأركان محمد الحداد، بمساعدة تركيا، قطعا شوطاً كبيراً في تأهيل قوات الجيش، عبر عمليات التدريب والتطوير التي تشرف عليها أنقرة لرفع مستوى كفاءة القوات.
وتقدمت عملية دمج القوات المساندة للقوات النظامية أيضاً، مع إجراء عمليات تنقيح واسعة لاستبعاد العناصر التي تحوم حولها أية شبهات. وبرز في هذا السياق ما قاله سابقاً المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق، محمد قنونو، لجهة عدم "مزايدة أحد على قواتهم في القضاء على الإرهاب، خصوصاً أن التاريخ يقول إن أبطال الجيش هم من قضى على تنظيم داعش الإرهابي في ملحمة البنيان المرصوص". وشدّد على تمسكهم بـ"إعلان وزارة الدفاع استبعاد المتهمين بارتكاب جرائم حرب وملاحقتهم، ووضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب". واعتبر أن من أجرم بحق الليبيين مكانه قاعات المحاكم، لا قاعات الحوار والتفاوض. وأكد قنونو أن "قواتنا ملتزمة بالهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، لكن حفتر حاول خرقها في أوباري ومستمر في عمليات التحشيد وإقامة المعسكرات ونقل المرتزقة". وجدّد رفض "أي حل يحمل بين سطوره وجود حفتر، ونؤكد ضرورة محاسبته"، موضحاً أنه "يجب التركيز على اتفاقيات التدريب الأمني والعسكري، إذا ما تم الالتزام بوقف إطلاق النار وإحلال السلام في البلاد".
توقعات باحتمال دعم تركيا وزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش ومنحه مزيداً من الصلاحيات
على الجانب الآخر، قالت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد" إن اللقاء الذي جرى مطلع الأسبوع الحالي، بين حفتر ومدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، شهد تشديداً مصرياً بلهجة حاسمة على ضرورة أن يثبت حفتر قدرته على الاستمرار في ضبط الأوضاع الأمنية والعسكرية، لا سيما في المناطق الحدودية. وكان مصدر مصري مطلع قد قال في حديثٍ عقب الزيارة لـ"العربي الجديد" إن اللقاء تناول دراسة أسباب وآثار عملية استهدفت قوات مصرية مساء الخميس بالقرب من الحدود الليبية، ولم يعلن عنها الجيش المصري، فيما يعتبر اختراقاً نادراً للتنسيق المصري الليبي الوثيق منذ عامين للتصدي للجماعات الإرهابية القريبة من تنظيم القاعدة". في المقابل، ذكر بيان ليبي أن اللقاء ناقش كل الملفات الأمنية ذات الاهتمام المُشترك بين البلدين.