عمليات الإعدام السرية في العراق: استباق لقانون العفو العام

14 يوليو 2024
عراقيان قبل محاكمة بمحكمة استئناف بغداد الكرخ، 6 يونيو، 2022 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تتصاعد حدة الجدل حيال عمليات الإعدام السرية في العراق والتي تنفذها السلطات في سجن "الحوت" جنوبي البلاد، حيث يجرى إبلاغ ذوي المحكوم عليه بالقدوم لتسلم جثمانه من دائرة الطب العدلي، وهو إجراء غير مسبوق من السلطات، سواء من ناحية عدد من تم تنفيذ الحكم بحقه، أو عملية التنفيذ نفسها والتي تجرى على نحو متواصل ومن دون إعلان. ويعتبر ملف السجناء العراقيين، خصوصاً المحكوم عليهم بالإعدام، من أبرز القضايا التي شكّلت جدلاً سياسياً وشعبياً وإعلامياً واسعاً في البلاد خلال السنوات الماضية، إذ أدين معظمهم وفقاً لمعلومات "المخبر السري"، والاعترافات تحت الإكراه والتعذيب، بحسب منظمات حقوقية وإنسانية عراقية وأجنبية.

ونفّذت السلطات العراقية حكم الإعدام بحق عشرات الأشخاص شنقاً، منذ مطلع العام الحالي، بعد إدانتهم بأحكام قضائية، بتهمة الإرهاب، والانتماء إلى تنظيم داعش، في محاكمات أجريت استناداً إلى اعترافات انتزعت تحت التعذيب أو بوشاية المخبر السري، وأجواء الاحتقان الطائفي. يأتي ذلك وسط تحذيرات دولية من غياب العدالة والشفافية وهيمنة الأحكام الانتقامية في القانون العراقي، وتحديداً في ما يتعلّق بقضايا الإرهاب.

مسؤول في وزارة العدل: أكثر الإعدامات تجرى في سجن الحوت بمدينة الناصرية

ووفقاً لمسؤول في وزارة العدل العراقية فإن "أكثر الإعدامات تجرى في سجن "الحوت" بمدينة الناصرية جنوبي العراق، وبإشراف من وزارة العدل، على شكل دفعات، وكل دفعة تشمل ثمانية محكومين يتم إدخالهم إلى قاعة تنفيذ الإعدام سوية". ويبيّن في حديث لـ"العربي الجديد" أن "آليات الإعدام الأخيرة كانت من خلال توجيهات حكومية بعدم الإعلان عنها، لتجنب الانتقادات السياسية والحقوقية للحكومة، لكنه لا يتماشى مع النصوص القانونية التي تنص على إبلاغ ذوي المحكوم قبل التنفيذ".

عمليات الإعدام السرية في العراق

ويشدّد موظف آخر في دائرة تنفيذ الأحكام بوزارة العدل العراقية، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "الوزارة جهة تنفيذ، والأوراق تصلهم موقعة من مكتب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، والذي يُناط به التوقيع على تنفيذ أحكام الإعدام". أما بشأن عمليات الإعدام السرية في العراق فيضيف أنه "بالنسبة للسرية في تنفيذ بعض أحكام الإعدام فإنها تحدث بناء على توصيات حكومية، ويتم إبلاغ ذوي من ينفَّذ الحكم بحقهم بتسلّم الجثامين من دائرة الطب العدلي باليوم نفسه من تنفيذ حكم الإعدام".

وطالبت منظمة العفو الدولية، نهاية إبريل/ نيسان الماضي، السلطات العراقية بأن توقف فوراً جميع عمليات الإعدام، بعد إعدام ما لا يقل عن 13 رجلاً، في 22 إبريل الماضي، بسجن الناصرية المركزي بمحافظة ذي قار جنوبي البلاد، عقب إدانتهم بتهم الإرهاب والتي وصفتها بأنها "فضفاضة وغامضة". وحول عمليات الإعدام السرية في العراق ذكرت المنظمة، في بيان حينها، أنه "يساورها القلق من احتمال إعدام عدد أكبر من الأشخاص سرّاً، وسط انعدام مثير للقلق للشفافية في ما يتعلق بعمليات الإعدام في العراق في الأشهر الأخيرة". وأوضحت أن "إعدام 13 رجلاً في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023، هي أول عملية إعدام جماعي مسجلة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020". وأضافت أن "عمليات الإعدام التي تُنفذ بعد محاكمات لا تفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، قد ترقى إلى مستوى الحرمان التعسفي من الحياة، ويجب على الحكومة العراقية أن تعلن فوراً وقفاً رسمياً لتنفيذ أحكام الإعدام، وأن تعمل على إلغاء عقوبة الإعدام بالكامل".

ويقع سجن الحوت في مدينة الناصرية، ضمن محافظة ذي قار، جنوبي العراق، ويضمّ نحو 40 ألف معتقل، وهو أكبر السجون العراقية بعد إغلاق سجن أبو غريب. ويلقبه مراقبون بالسجن "سيئ الصيت"، بسبب كثرة الانتهاكات وحالات الوفيات الناجمة عن التعذيب والضرب وسوء التغذية وتفشي الأمراض.

ويبدو أن عمليات الإعدام السرية في العراق متواصلة، إذ يقول عضو مرصد "أفاد" لحقوق الإنسان في العراق، أحمد عبد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "دفعة إعدامات جديدة تم تنفيذها قبل أيام دون الإعلان عنها"، مضيفاً أن السلطات تحرص "على اختيار من تنفذ الحكم بحقهم من مدن متفرقة في كل مرة، حتى لا يظهر العدد الكبير لمن يتم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم". ويكشف عن "مخالفات كبيرة وكثيرة في تنفيذ أحكام الإعدام، أبرزها تنفيذ حكم الإعدام بأشخاص مرضى يعانون من أمراض في الكلى وأخرى تنفسية وجلدية، وآخرين تجاوزوا سن الـ75 سنة، ولم يتم إبلاغ ذويهم إلا عند تنفيذ الحكم، ليتسلموا جثثاً من دائرة الطب العدلي في الناصرية".

وظهرت أخيراً مناشدة لسيدة عراقية تدعو إلى إيقاف تنفيذ حكم الإعدام بابنها. وتذكر، في رسالة صوتية نقلتها وسائل إعلام عراقية، أن لديها "وثائق تؤكد تعرض ابنها للتعذيب". كما تنقل عن مسؤول لم تسمه، بأن رئيس الوزراء العراقية محمد شياع السوداني قال: "أعدموهم... لماذا نبقى نعلف بهم بالسجون". ودعا خطباء مساجد الجمعة، الشهر الماضي، إثر انتشار الرسالة الصوتية، الحكومة إلى إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام، وهي بالآلاف، ومنح المحكومين حق التظلم وحق إعادة محاكمتهم، في ظروف قانونية وعدلية واضحة.

تحريك مشروع قانون العفو العام

وتسبق عمليات الإعدام السرية في العراق هذه، الجهود التي وعدت بها القوى العربية السُّنية جمهورها، خلال الانتخابات الأخيرة (الانتخابات المحلية نهاية العام الماضي)، بالمضي في إقرار قانون العفو العام والذي يتضمن توفير ظروف قانونية لإعادة محاكمة السجناء، لضمان العدالة القضائية. لكن هذا الوعد يواجه عراقيل كثيرة من قبل الأحزاب القريبة من إيران. ومن المرتقب أن يبدأ البرلمان، الأسبوع المقبل، أولى جلسات فصله التشريعي الجديد، وسط دعوات من نواب الكتل العربية السنية لإدراج مشروع قانون العفو العام على جدول أعماله. ويتضمن مشروع القانون بنسخته المعدلة منح حق إعادة محاكمة المدانين وتوكيل محامين لهم، والنظر بتقارير تعرضهم للتعذيب خلال تدوين الاعترافات منهم.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وكان عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي قد أثار سابقاً ملف "التعذيب الممنهج" داخل سجن الحوت جنوبي العراق، بعدما تحدث عمّا سماه "الإبادة الجماعية" داخل السجن، مؤكداً أن السجناء يفكرون بـ"الانتحار" للتخلص من التعذيب. وأكد رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب أرشد الصالحي، في تصريح صحافي أخيراً، أن "أي رئيس للوزراء لا يستطيع حل ملف السجون، على الرغم من أن العراق موقّع على الاتفاقيات الدولية". وأضاف أن العراق "مساءل أمام المجتمع عن الخروقات في سجونه، ونحن خلال زياراتنا للسجون حددنا الكثير من النقاط، لكن عند إثارة الأمر تقف قوى سياسية بوجهنا".

إياد الدليمي: رئيس الجمهورية خضع للضغوط الحزبية لحسم ملفات المعتقلين والمحكومين بالإعدام

من جهته، يشير الخبير في الشأن السياسي العراقي، إياد الدليمي، إلى أن "موقف رئاسة الجمهورية الحالية في ما يتعلق بالتوقيع على مذكرات الإعدام بهذا العدد والكيفية يطرح العديد من التساؤلات، خاصة إذا ما علمنا أن الرئيسين السابقين برهم صالح وفؤاد معصوم أحجما عن التوقيع على تلك المذكرات، لاعتقادهما بأن الكثير من الاعترافات انتزعت تحت التعذيب والتنكيل". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "يبدو أن الرئيس الحالي له رأي مختلف، فهو سرّع عملية التوقيع على تلك المذكرات، رغم أن العديد من المنظمات الحقوقية العراقية والدولية شككت بالاعترافات وتحدثت بصراحة عن أنها انتزعت تحت التعذيب".

ويعتبر الدليمي إلى أن "الرئيس الحالي أثبت أنه ضعيف ويخضع بسرعة للضغوط التي يتعرض لها، وبالتالي فإنه على ما يبدو خضع سريعاً للضغوط الحزبية التي نادت بضرورة التعجيل بحسم ملفات المعتقلين والمحكومين بالإعدام تحديداً دون أي ممانعة". ويوضح أنه "يوجد في العراق نحو ثمانية آلاف محكوم بالإعدام ينتظرون تنفيذ الحكم بحقهم". ويقول إن "رئيس الجمهورية يتحمل المسؤولية قبل غيره لأنه لم يكن قادراً على الممانعة لحين إعادة النظر في محكوميات المئات من المعتقلين الذين نفذت بهم أحكام الإعدام والتي يعرف الجميع أنها جائرة".

المساهمون