على أربع جبهات

29 نوفمبر 2023
عناصر من "حماس" في مدينة غزة، الأحد الماضي (الأناضول)
+ الخط -

كل طلقة تطلقها المقاومة، خلال المواجهة القائمة مع الاحتلال الإسرائيلي، تضرب في أكثر من جبهة، إذ دائماً ما يكون للمجهود العسكري معنى ومؤدى سياسي، لذلك يصبح مفهوماً كيف ولماذا تقود المقاومة حربها دفاعاً على أكثر من جبهة واتجاه.

دافعت المقاومة عن الشعب الفلسطيني وحقه في تحرير الأرض والأسرى وإقامة الدولة، لكنها كانت تدافع في الوقت نفسه عن الشعوب العربية المقهورة. لقد أعادت تأهيل الحراك النضالي ضد المشروع الصهيوني الذي يريد ابتلاع المنطقة العربية، وضد عملائه القائمين بالإنابة عنه سياسياً وثقافياً واقتصادياً، بعد فترة انكسرت فيها العزائم وضعفت فيها الهمم السياسية والشعبية للتغيير.

وساعدت المقاومة في إعادة رسم علاقة هذه الشعوب مع القضية الفلسطينية، لتفعيل كل أشكال المقاومة بما فيها المقاطعة الاقتصادية والثقافية.

دافعت المقاومة عن مصر، عندما أحبطت مشروع التهجير إلى سيناء، ونسفت المخطط الذي كان معداً لإفراغ قطاع غزة، وهو مخطط قديم بالأساس، والأهم من كل ذلك هو إحباط مشروع قناة بن غوريون التي كان عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط.

وهو مشروع يمكن أن يمثل حصاراً لمصر ويقلل من أهمية قناة السويس ويعطلها، ويخنق المصريين أكثر مما تخنقهم سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويفاقم الأزمة الاقتصادية في هذا البلد على المدى المنظور.

ليس كل ما تريده إسرائيل وأميركا هو الذي يحصل بالضرورة، وقائع التاريخ السياسي الحديث أثبتت ذلك. قبل أيام أقر الرئيس الأميركي جو بايدن، أن من جملة أسباب ودوافع المقاومة لإطلاق "طوفان الأقصى"، هو تقدم مسار التطبيع مع السعودية، وهو تقدير ليس مختلفاً بشأنه، وهذا يعني أن المقاومة تدافع أيضاً عن دول التطبيع، وتمنحها حائط صد وكل الأسباب الأخلاقية لمراجعة المواقف، والظرف السياسي المناسب والفرصة المواتية للتراجع عن هذا الخيار الخاطئ، الذي يؤدي إلى مزيد من التغلغل الإسرائيلي في الفضاء العربي، وفي المقابل إلى مزيد من تصفية القضية الفلسطينية.

تدافع المقاومة وهي تخوض هذه المواجهة، عن الحرية والديمقراطية في المجتمعات الغربية، وهي أسمى القيم التي تمركزت في التنشئة والثقافة السياسية لهذه المجتمعات التي اكتشفت في لحظة تجلٍّ عنيفة، أن ديمقراطياتها مهددة ومصادرة بحيل متعددة، كقوانين معاداة السامية، وأن حكوماتها معتقلة داخل الغيتو الإسرائيلي، وأن إعلامها وصحافتها مسجونان في كانتونات الخرافة الصهيونية، لذلك وجدت هذه المجتمعات الفرصة مناسبة لتحرير أجيالها القادمة من هذه السردية الكاذبة.