عقوبات أفريقية على مالي: بحث عن وسيلة لإيلام العسكر

11 يناير 2022
تعد مالي من أفقر دول العالم (جويل ساغي/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، المؤلفة من 15 دولة، وبدعم من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، أول من أمس الأحد، فرض عقوبات قاسية وحصاراً خانقاً على مالي، لم تفرضه سوى لبضعة أسابيع إثر الانقلاب العسكري الأول في هذا البلد، الذي أطاح الرئيس إبراهيم بو بكر كيتا، في أغسطس/ آب 2020.

وجاءت إعادة فرض العقوبات، وتشديدها، رداً على ما وصفه مسؤولون في المجموعة، بـ"نكتة" الاقتراح الجديد الذي قدّمه عسكر مالي، بشأن جدولة المرحلة الانتقالية، وانتهائها بانتخابات رئاسية في عام 2025. واعتبرت المجموعة الأفريقية، التي ظلّت تدير مفاوضات مع عسكر مالي بقيادة الرئيس النيجيري الأسبق، غودلاك جوناثان، أن الاقتراح يعني جعل الشعب المالي رهينة لحكم العسكر لأربع سنوات إضافية، وجعل مصداقيتها على المحك، على الرغم من التحديات التي قد يفرزها عزل مالي عن محيطها.

وكان عسكر مالي قد تعهدوا إثر انقلابهم الثاني في شهر مايو/أيار الماضي، والذي أطاح بشخصية كانت إلى حدّ ما مطمئنة للمجموعة الأفريقية، وهو الرئيس المعين من قبلهم باه نداو، بإجراء انتخابات في البلاد ونقل السلطة إلى حكومة مدنية في فبراير/شباط المقبل. لكن التسويف والمماطلة التي ظهرت من قبلهم خلال إدارة عملية التفاوض، دفعا المجموعة الأفريقية الاقتصادية إلى التلويح برزمة قاسية من العقوبات منذ فترة، علماً أن الدول الغربية كانت قد آثرت التراجع إلى الخلف في عملية التفاوض هذه، وتسليم المهمة لـ"إيكواس".

علّقت "إيكواس" التجارة مع مالي باستثناء السلع الأساسية وأغلقت الحدود الجوية والبرّية معها

ويحمل القرار العقابي، تداعيات على المجموعة الاقتصادية، وعلى مالي، على حد سواء، إذ يهدد بفقدان "إيكواس" دولة من دولها، بعد موريتانيا، وبتراخي العسكر في مالي في مسألة حماية الحدود مع ما يعني ذلك من تفلت للإرهاب العابر له. ويأتي ذلك علماً أن شهراً من العقوبات كانت قد فرضت على مالي إثر الانقلاب على كيتا، تفاوتت التقديرات بشأن نجاحها أو تأثيرها المباشر على المجموعة الانقلابية ذاتها.

وفي مالي، من شأن العقوبات الجديدة حرمان الحكومة العسكرية من الاستفادة من أموال للدولة الغنية بالمعادن سيجري تجميدها، وهو ما لم يكن قد طاولها في السابق، علماً أن دولتين، هما الصين وروسيا، تبدوان مستعدتين لملء فراغ فرنسي في مالي يسير تدريجياً، ومن ضمنه عقود قد تكون مربحة للعسكر. في الغضون، فإن عملية التفاوض بين الطرفين، لم يعلن عن إغلاقها، ما يسمح بالحديث بعد عن فرصة ممكنة للتوصل إلى اتفاق وسط بينهما، يحول دون عزل مالي بالكامل عن محيطها، خصوصاً في ظلّ التحديات الأمنية التي تفرض التعاون المشترك.

"إيكواس" تعاقب عسكر مالي

وقرّر قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ورؤساء الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، خلال اجتماع استثنائي لهم عقد أول من أمس الأحد في العاصمة الغانية أكرا، إغلاق الحدود مع مالي، وفرض حصار على هذا البلد، بسبب نية المجلس العسكري البقاء في السلطة لسنوات عدة أخرى.

واتخذ المجتمعون حزمة إجراءات عقابية اقتصادية ودبلوماسية قاسية ضد مالي، بسبب عدم احترام المجلس العسكري الموعد النهائي لإجراء الانتخابات في فبراير المقبل لإعادة المدنيين إلى السلطة.

وقررت المجموعة الاقتصادية تعليق التجارة مع مالي باستثناء السلع الأساسية، وقطع المساعدات المالية، وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، بالإضافة إلى استدعاء سفرائها لدى هذا البلد.

وأكدت دخول العقوبات حيز التنفيذ فوراً، وأنها لن تُرفع إلا تدريجياً عندما تقدم السلطات المالية جدولاً زمنياً "مقبولاً"، وعندما يُلاحَظ إحراز تقدم مُرضٍ في تنفيذه. ووفق القرار، فإن العقوبات التجارية لن تنطبق على مواد أساسية مثل المستحضرات الصيدلانية والإمدادات والمعدات الطبية لمحاربة كورونا، كما استبعدت منها المشتقات البترولية والكهرباء.

وترى "إيكواس" أن اقتراح المجلس العسكري في مالي إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2026 "غير مقبول إطلاقاً"، لأن ذلك "يعني أن حكومة عسكرية انتقالية غير شرعية ستأخذ الشعب المالي رهينة خلال السنوات الخمس المقبلة".

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول رفيع المستوى في المجموعة قوله إن قرارات قادة "إيكواس" جاءت تأييداً لإجراءات اتخذها اجتماع للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا وسبق اجتماعهم مباشرة.

وتعد العقوبات الجديدة ضد مالي أكثر صرامة من تلك التي فرضت بعد الانقلاب الأول في أغسطس/آب 2020، والتي كان تأثيرها واضحاً في هذا البلد الذي يعتبر من أفقر دول العالم ولا منفذ له على البحر. وفي تهديد مبطن رداً على ضغط عسكري محتمل، فعّلت المجموعة الاقتصادية جاهزية قواتها، معلنة أنها "ستكون على أهبة الاستعداد لأي احتمال".

ردّ من المجلس العسكري في مالي

وأثارت الإجراءات العقابية الجديدة لـ"إيكواس" رد فعل قوي و"دهشة" من المجلس العسكري الحاكم في مالي، الذي أعلن الاحتفاظ بالحق في إعادة النظر في عضوية مالي في "إيكواس" وفي الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا.

واستدعت باماكو أمس الإثنين، سفراءها من بلدان المجموعة. ودان المجلس العسكري في بيان متلفز تلاه المتحدث باسم الحكومة العقيد عبد الله مايغا، "بشدة" العقوبات "غير المشروعة" التي فرضتها دول غرب أفريقيا على مالي، معرباً عن أسف حكومته "لتحول منظمات إقليمية فرعية إلى أداة في يد قوى من خارج المنطقة لها مخططات مبيتة".

وندّد المجلس "بالطابع غير الإنساني لهذه الإجراءات التي تؤثر على السكان الذين يعانون أساسا كثيرا جراء الأزمتين الأمنية والصحية"، معلناً بدوره إغلاق حدوده البرية والجوية مع دول "إيكواس".

ومنذ انقلاب أغسطس 2020، ثم مايو الماضي الذي كرّس الكولونيل أسيمي غويتا رئيساً للسلطات "الانتقالية"، تدفع "إيكواس" من أجل عودة المدنيين إلى الحكم في أقرب الآجال. ووصف مسؤول غاني كبير لـ"فرانس برس"، اقتراح العسكر في مالي بعملية انتقالية لأربع سنوات بأنه "نكتة".

أعلن المجلس العسكري الاحتفاظ بالحق في إعادة النظر في عضوية مالي في إيكواس

وفي مؤشر إلى أهمية التحديات بالنسبة إلى المجموعة الاقتصادية الأفريقية، فإن اجتماع الأحد كان الثامن الذي يعقده قادة دول غرب أفريقيا لمناقشة الوضع في مالي (والوضع في غينيا بعد انقلاب آخر في سبتمبر/أيلول 2021) منذ أغسطس 2020، تضاف إليه الاجتماعات العادية.

وسبق أن فرضت "إيكواس" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تجميداً للأصول المالية وحظر سفر على 150 شخصية تعوق في رأيها الانتخابات. وكان رئيس الوزراء شوغيل كوكالا مايغا أرفع شخصية مدرجة في قائمة تلك العقوبات التي ضمّت أيضاً 27 وزيراً من الحكومة الانتقالية، وجميع أعضاء "المجلس الوطني الانتقالي" البالغ عددهم 121 عضواً، والذي يعمل بمثابة برلمان مؤقت، من دون أن يرد في القائمة اسم الكولونيل أسيمي غويتا.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، عدّل الاتحاد الأوروبي نظام عقوباته، ليتمكن من فرض عقوبات على القادة العسكريين في مالي بشكل أحادي، دون الإعلان عنها إلى حدّ الآن.

وكانت "إيكواس" قد علّقت في أغسطس 2020 عضوية مالي في كل هيئات القرار فيها، وهو تدبير لا يزال سارياً، وأغلقت أيضاً كل الحدود البرية والجوية معها، وفرضت حظراً على المبادلات المالية والتجارية معها، مع استثناء المنتجات الأساسية. لكن وقع هذا الحظر كان شديداً على مالي في خضمّ فترة تفشي الوباء، ما دفع "إيكواس" إلى رفع العقوبات بعد شهر ونصف شهر.

يذكر أن "إيكواس" هي اتحاد اقتصادي إقليمي، مكون من 15 دولة واقعة في غرب أفريقيا، هي غينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون ونيجيريا والرأس الأخضر وغامبيا وبنين وبوركينا فاسو وغانا والنيجر وتوغو وساحل العاج، وذلك بعد انسحاب موريتانيا من المجموعة عام 2000.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)