في الذكرى العاشرة لقتل معتصمي ميدان رابعة العدوية من أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في مصر على يد رجال الأمن والجيش، أعاد الفيلم الوثائقي "ذكريات مذبحة"، الذي وثق أحداث فض الاعتصام بمدينة نصر شرقي القاهرة، في 14 أغسطس/آب 2013، إحياء السجال بين النظام المصري، وجماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد عرضه في لندن.
وتضمّن فيلم "ذكريات المذبحة" الذي تم عرضه في المسرح التابع للأكاديمية البريطانية للأفلام وفنون التلفزيون (BAFTA)، شهادات حصرية للناجين من فض اعتصام رابعة العدوية، وشهود عيان على ما جرى فيها، ومن بينهم كريغ سامرز، رئيس الأمن السابق في قناة "سكاي نيوز" البريطانية، ومصعب الشامي، مصور وكالة "أسوشييتد برس"، وديفيد كيركباتريك، مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في القاهرة في تلك الفترة.
ولم يحي الفيلم الوثائقي المثير للجدل، السجال بين جماعة الإخوان والنظام المصري فقط، لكنه أيضاً أعاد تكرار الاتهامات من جانب الدولة المصرية وأجهزتها لبريطانيا بدعم جماعة الإخوان وتبني مواقف عدائية ضد مصر.
فيلم عن رابعة
في السياق، رأى مؤسس "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، بهي الدين حسن، أنه لا بد من يوم ترد فيه المظالم، ويحاسب فيه القتلة، من أجل "تعايش سلمي" في المجتمع.
وقال حسن في حديث لـ"العربي الجديد" إن "كل مسؤول عن اتخاذ قرار مذبحة رابعة، أو كل من شارك في إدارتها، سيحاسب قضائياً وسياسياً يوماً ما. ليس فقط من أجل سيادة القانون، ولكن أيضاً من أجل إعادة الاعتبار للحوار العقلاني والتعايش السلمي بين مختلف الآراء والعقائد".
وأضاف حسن أنه "من الضروري لكل سياسي أو كاتب برر ارتكاب مذبحة رابعة، أن يعتذر علناً أو يتوارى بعيداً عن العمل العام"، مؤكداً أن "نظام الحكم في مصر، لم ينجح محلياً ولا دولياً في ترويج سرديته عن المذبحة، وذلك بفضل دور المنظمات الحقوقية المستقلة المصرية والدولية".
بهي الدين حسن: أغلبية رموز المعارضة غير الإسلامية، لم تتخذ موقفاً علنياً واضحاً ضد المذبحة
وأشار الحقوقي المصري إلى أن "أغلبية رموز المعارضة غير الإسلامية، لم تتخذ موقفاً علنياً واضحاً ضد المذبحة"، قائلاً إن هذا "كان مصدر صدمة للرأي العام المصري والدولي، فيما ركزت المعارضة الإسلامية على جانب المظلومية المباشرة التي تتعلق بضحاياها، لكنها عجزت عن أن تضعها في سياق أخلاقي وسياسي أشمل يجذب دعم قطاعات أوسع من الرأي العام المصري والدولي".
وتعقيباً على السجال الذي أحياه الفيلم، قال مدير "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، خلف بيومي في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن النظام المصري، بذل مجهوداً ضخماً لتمويل روايته عن رابعة في الداخل والخارج، واستعان بمنظومة إعلامية ضخمة، وعدد من النخب التي روجت لروايته حول عدم سلمية الاعتصام، ونجح نسبياً في الداخل، لفترة زمنية لكنها لم تدم طويلاً".
وأضاف أن "إحجام الناس عن المشاركة في انتخابات الرئاسة عام 2014، مؤشر على ذلك". وتابع بيومي أنه "في الوقت ذاته، فإن النظام المصري فشل تماماً خارجياً، ولم تستطع منظومته الإعلامية وبعثاته الخارجية، محو الصورة السيئة عن مجزرة رابعة، ولعل المواقف الرسمية وأشهرها موقف الاتحاد الأفريقي، تؤيد ذلك. أما المعارضة، فلم تسمح لها الظروف بالداخل لعرض رؤيتها بسبب العصا الأمنية الغليظة، لكنها خارجياً، استطاعت أن تجعل روايتها هي الأكثر قبولاً لدى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية".
من جهته، كتب الإعلامي المصري أسامة جاويش في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك"، بعد إدارته الجلسة النقاشية التي أعقبت عرض الفيلم، أن "نظام (الرئيس عبد الفتاح) السيسي، حاول مع إعلامه وسفارته في لندن، أن يمنعوا عرض الفيلم الوثائقي العالمي ذكريات مذبحة وبذلوا في ذلك كل السبل".
وكتب أن هناك "فارقاً جوهرياً بشأن الرواية التي يقدمها الفيلم هذه المرة. الخوف الشديد الذي بدا عليهم هذه المرة ينبع من أنها المرة الأولى التي تتحول رابعة إلى قضية دولية، تخاطب جمهوراً آخر بلغة مختلفة. ضيوف الفيلم جلهم من غير المصريين، وصناع الفيلم كذلك، حتى غالبية المتحدثين في الندوة التي أعقبت العرض الخاص ليسوا من مصر أيضاً وهذا يزعج النظام في مصر كثيراً".
لكن دبلوماسياً بريطانياً في القاهرة نفى في حديث لـ"العربي الجديد" تلقي سفارة بلاده في القاهرة أية مطالب رسمية من الدولة المصرية، بشأن منع الفيلم. وكشف في المقابل عن تلقي بلاده طلباً عبر الأطر الرسمية، لتنظيم فعالية داعمة للنظام المصري في لندن، في 14 أغسطس الحالي" (اليوم الاثنين).
محمد سودان: لو أن للنظام المصري رواية حقيقية فليأت ويعرضها بحرية
محاولات لمنع عرض الفيلم
وفي مقابل ذلك، اعتبر محمد سودان، مسؤول العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي السابق لجماعة الإخوان)، في حديث لـ"العربي الجديد": "كانت هناك محاولات غير رسمية لمنع عرض الفيلم والتشويش عليه"، مشيراً إلى أن "مصطفى رجب، رئيس البيت المصري في لندن، والذي تحركه السفارة، حاول تشتيت مشاهدة الفيلم، ووقف في القاعة ووجه الشتائم أمام أعين الجميع، للقائمين على الفيلم وساهم بتوزيع منشورات مضادة للفيلم أمام قاعة العرض".
وبشأن الرواية التي عرضها الفيلم، قال سودان إنه "وثق الأحداث من صور ومقاطع حقيقية وليست تمثيلية وهو ما يعزز صحة الرواية"، مشدداً على أن "النظام المصري لو يملك رواية حقيقية، فليأت ويعرضها بحرية كما فعل القائمون على عرض الفيلم".
وذكّر سودان أن "هناك مسارات قضائية لا تزال موجودة بعدد من الدول، منها كندا وفرنسا، من أجل إسقاط الحصانة عن القائمين بالمذبحة كما حدث في بريطانيا عام 2014، حين تم إسقاط الحصانة بحكم قضائي عن 14 من المسؤولين عن قرار المذبحة وقتها، باستثناء السيسي".
وفي الذكرى العاشرة، لا يزال العدد النهائي والأكيد للضحايا غير معروف. وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في عام 2014، أن 1150 مواطناً قتلوا، قبل أن تورد في تقرير آخر في عام 2015 أن 817 مواطناً قُتلوا. أما مستشفى رابعة العدوية الميداني، فأحصى 2200 قتيل، بينما ذكر الإخوان المسلمين أن 2600 شخص قُتلوا.