يحظى الحراك الشعبي المستمر والمتصاعد ضد النظام السوري، خاصة في الجنوب، بتعاطف معظم شرائح الشعب السوري، والقوى السياسية، بما فيها تلك الموجودة داخل سورية، وفي مقدمتها "هيئة التنسيق الوطنية" التي شاركت بفاعلية في مجمل الاجتماعات والمداولات السياسية المرتبطة بالبحث عن حل سياسي للأزمة السورية المستعصية منذ عام 2011، والتي ما زال النظام يعتقل العديد من قادتها.
وفي هذا الحوار مع أحمد عسراوي الأمين العام لحزب "الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي" (أحد أحزاب هيئة التنسيق) ورئيس مكتب العلاقات الخارجية في الهيئة، ينتقد أساليب النظام في التعامل مع أية مطالب جماهرية والمتمثلة في استخدام العنف أو تقديم الوعود الزائفة، دون أن يطور من أساليبه خلال الـ12 عاما الماضية، برغم ما تخللها من سفك للدماء وتدمير للبلاد، ومن تدخلات خارجية.
يرى عسرواي الموجود في دمشق في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أنه لا بد قبل الحديث عن الحراك المستجد والمتجدد على الساحة السورية انطلاقاً من حوران العروبة سهلاً وجبلاً (المنطقة الجنوبية من سورية)، أن نستذكر الأسباب الموجبة للثورة السورية عام 2011 التي انطلقت متجاوبة مع حراك الربيع العربي آنذاك.
ويستعرض أبرز التطورات منذ ذلك الوقت بالقول: "انطلقت الثورة من درعا، وعمت كل الساحة السورية دون استثناء معلنة مطالبها المحقة باستعادة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية للشعب السوري. وفي السياق رفعت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي منذ اليوم الأول لتأسيسها ثلاثيتها المعروفة (لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي) وذلك بعد تثبيتها لموقف مكوناتها المعلن قبل تأسيسها بلا لنظام الفساد والاستبداد، ونعم للتغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل خطوة للانتقال السياسي".
وتابع "لكن النظام اختار الحل الأمني العسكري في مواجهة المطالب المحقة والمشروعة للشعب السوري، وزج بالمعتقلات الكثير من السوريين، من بينهم قادة من هيئة التنسيق الوطنية كرجاء الناصر، وعبد العزيز الخير، وإياس عياش، المنادين بالحل السياسي، فرفعت أسقف المطالب من التغيير الوطني الديمقراطي إلى إسقاط النظام بكافة رموزه ومرتكزاته".
وشدد على أنه "مع تدويل الملف السوري، صدر بيان جنيف لعام 2012، وتلاه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 لعام 2013، وتدخل الروس عسكرياً في سورية، ومن ثم تشكلت الهيئة العليا للمفاوضات وصدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، وصولا إلى انطلاق الاجتماعات التفاوضية المتعددة الهلامية دون نتائج مفيدة".
وأردف: "ثم تشكلت هيئة التفاوض السورية التي لم تستطع إنجاز أي من مهامها الفعلية. وأقول بوضوح لأن أصحاب القرار في النظام لا يريدون التقدم بالعملية السياسية التفاوضية أي خطوة باتجاه الأمام كونهم لا يعترفون بأي من حقوق الشعب السوري".
وتابع عسراوي وهو عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، وعضو اللجنة الدستورية بهيئتيها الموسعة والمصغرة: "الروس حاولوا الخروج من المأزق، فعقدوا مع بدايات العام 2018، ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني السوري أو مؤتمر سوتشي بمشاركة كثيفة من النظام وأنصاره مع مشاركة بعض المعارضين بصفاتهم الشخصية، وصولا إلى تشكيل اللجنة الدستورية التي باشرت عملها بعد مرور ما يقارب العامين على تأسيسها، وخلال أربع سنوات من الاجتماعات، لم تتقدم خطوة واحدة أيضا".
تراكم 12 عاماً من الفشل!
ويرى عسراوي أنه بين ربيع 2011 وأواخر 2023، لم يتحقق أي مطلب من مطالب الشعب الثائر، "بل ازدادت الأمور السياسية سوءاً، فقد هجر ما يقارب نصف الشعب السوري، واستشهد وغيب واعتقل مئات الآلاف من السوريين إن لم يكن أكثر، وازداد الوضع الاقتصادي على المواطنين السوريين تعقيداً، أينما كان موقفهم في صف المعارضة أم النظام، ليس بسبب الحصار الاقتصادي فقط، بل لتغول أصحاب القرار في النظام والمتعاونين معهم على المال العام والخاص، لدرجة لم يعد بإمكان المواطن العادي تحمل تبعاته".
ويعتقد عسراوي أن الثورة السورية تعيد اليوم انطلاقتها من جديد، من الجنوب السوري، سهلاً وجبلاً، وتتوسع بتأييد ومشاركة بعض المواقع الأخرى في الساحة السورية ووفق الإمكانيات التنفيذية، حيث "غالبية الشعب السوري مؤيدة للمطالب الاقتصادية المرفوعة وأكثر من نصفه مؤيد للمطالب السياسية"، وفق ما يرى عسراوي.
النظام لم يستخلص العبر
وحول طريقة تعامل النظام مع الموجة الجديدة من الاحتجاجات، وهل في جعبته أي جديد أم أنه يتبع الأساليب السابقة نفسها في التعامل مع الاحتجاجات، قال عسراوي:" المشكلة الأساسية أن النظام حتى اللحظة لا يعترف بحق الشعب السوري بالحياة الحرة والكريمة، ولا بالمساواة بين السوريين \في الحقوق والواجبات، ويعمل الآن كما عمل سابقاً على نظرية الاحتواء ولا يتعامل بجدية مع أي من أنواع الحلول".
وعن توقعاته لمآل هذه الاحتجاجات، ومدى تأثيرها في المسار السياسي السوري المجمد، رأى عسراوي أن "الهبة الجماهيرية الجديدة سيكون لها أثر إيجابي على مسيرة العملية السياسية التفاوضية، ولن يستطيع النظام بكل جبروته تجاوزها، مع أنه حاول وسيتابع المحاولات بتقديم الوعود التي تعودنا على أنه لا يلتزم بها، ولن يتوانى عن استخدام العنف في المناطق التي يستطيع استخدامه فيها".
ولفت إلى أن "النظام أغلق مشروع اللقاءات الثلاثية التي تحولت الى رباعية (روسيا، تركيا، إيران والنظام السوري) والتي لنا تحفظاتنا حيالها، وهو يماطل أيضا بالوصول إلى حل وفق المبادرة الأردنية التي تحولت إلى عربية بعد بياني عمان وجدة".
موقف هيئة التنسيق
وحول موقف هيئة التنسيق والتي مقرها في دمشق، مما يجري من احتجاجات، قال عسرواي: "نحن في هيئة التنسيق الوطنية أصدرنا بيانات تؤيد الحراك الشعبي، واعتبرنا أنه مشروع للدفاع عن حياة الناس ولقمة عيشهم، وهو نتيجة طبيعية لعجز السلطة عن الإصلاح كنتيجة من نتائج بنية النظام القائمة على الاستبداد والفساد".
ويضيف: "في موقع آخر قلنا إنه لا بد من عملية تجسير بين الوضع الاقتصادي الذي يطحن الناس وبين التغيير السياسي الجذري القائم على التنفيذ الكامل لخريطة الطريق للقرار الدولي 2254، تمهيداً للانتقال إلى الدولة الديمقراطية التداولية التي تحمي وتصون حقوق المواطنة"، مشيراً الى أن العديد من أعضاء الهيئة والحزب يشاركون في كل الفعاليات الشعبية الاحتجاجية على مستوى كل المناطق.