يعيش أبناء العشائر البدوية في الجنوب السوري أزمة مركبة، بين الأوضاع المأساوية التي خلفتها آلة الحرب السورية، وبين اتهام هذه العشائر باحتواء تجارة المخدرات التي أصبحت ملفا بارزا يطرح على طاولة تعزيز العلاقات بين النظام السوري ودول عربية، أبرزها الأردن، المتضرر الأكبر من ملف المخدرات.
في ريف درعا جنوبي سورية، حيث انطلقت شرارة الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد قبل أكثر من عقد من الزمن، طرأت تطورات دفعت العشائر للاجتماع بحثا عن مواجهة اتهامها من قبل النظام بتجارة المخدرات، وكذلك مناقشة أوضاع هذه العشائر.
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع الذي عقد، الثلاثاء، على أطراف مدينة الحراك بريف درعا الشرقي، ناقش الأوضاع العامة للبدو في محافظتي درعا والسويداء، خاصة بعد مرور سنوات على نزوح العديد منهم ضمن هاتين المحافظتين، وبعد محاولات ترحيل، واتهامات تطاول البعض من أبنائهم بالتخريب والاتجار بالمخدرات والسلاح وأعمال الخطف والفدية.
وخلص الاجتماع إلى تشكيل لجنة لحل القضايا المتعلقة بأبناء العشائر والتواصل مع كافة الأطراف الأهلية والرسمية التابعة للنظام السوري من أجل تذليل التوصل لحلول سلمية وقانونية.
وقالت المصادر نقلاً عن ممثلي العشائر، إنهم قرروا رفع الغطاء عن "كل من تسول له نفسه الإخلال بأمن الوطن والمواطنين من أي جهة كانت".
وقال شهاب المحص من أحد أبناء العشائر المجتمعة لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع عقد بعد عدد من المضايقات والاتهامات التي يتعرض لها أبناء البدو من سكان بلدات اللجاة في محافظتي درعا والسويداء، على إثر الاتهامات التي طاولت العشائر بالاتّجار بالمخدرات وتهريبها للأردن، في أعقاب مقتل مرعي الرمثان بغارة جوية أردنية على منزله قبل يومين.
وكان منزل مرعي الرمثان، المتهم بتجارة المخدرات في قرية الشعاب جنوب شرقي محافظة السويداء، قد تعرض، الإثنين، لقصف جوي أدى إلى مقتله مع زوجته وأطفاله الستة.
وقال المحص إن "معظم الأعمال المخلة بالقانون والأعراف والتقاليد تقوم بها عصابات مشتركة من كافة الأطياف والشرائح في الجنوب السوري، والجميع يعلم أن الرمثان وغيره من تجار المخدرات لهم شركاء في درعا والسويداء ودمشق، يؤمنون المخدرات وطرق الوصول، ونعلم أسماءهم ولمن يتبعون".
وأضاف: "لو أرادت الجهات الرسمية لواجهت هذه المشكلة قبل أشهر من الآن، وقبل أن نتحمل عواقبها، عندما ألقت القبض على الرمثان وأطلقت سراحه بحجة تشابه في الأسماء كما ادعى في اتصال مع شبكة أخبار السويداء 24".
وعانى أبناء عشائر البدو أزمات النزوح منذ بداية الحرب السورية وهدمت منازلهم في العديد من الأماكن والبلدات، خاصة في مناطق اللجاة المركز الأكبر لتواجدهم على مسافة 50 كم بين محافظتي درعا والسويداء، واستقر العديد منهم بعد النزوح في المناطق الوعرة بين بلدات "داما والمسيكة وجدل وصور وعاسم والمجيدل" التي سيطر عليها حزب الله اللبناني والفصائل الرديفة له، مما اضطر العديد منهم للتعامل مع الحزب كقوّة مسيطرة في المنطقة حفاظا على حياتهم، وعلى إثر ذلك باتت تنُسب إليهم اتهامات بتجارة المخدرات والسلاح والمشاركة بأعمال الخطف.
وفي عام 2018، اجتاحت قوات النظام السوري بمساعدة الطيران الروسي مناطق العشائر البدوية في ريفي درعا والسويداء، وهدمت عددا من قراها، ما أدخل أبناء العشائر في مأساة إنسانية يعيشون آثارها حتى اليوم، حيث قضى العديد منهم خاصة النساء والأطفال، إثر الجوع والعطش وبسبب العصابات، ومخلفات الحرب.
وفي 22 مايو/أيار 2022، احتجزت عصابة تابعة للأمن العسكري التابع للنظام، 20 مواطنا معظمهم من أبناء عشائر البدو في بلدة عتيل شمال السويداء، ما أدى إلى نشوب صدامات استمرت لأيام بين عشائر البدو والمكون الآخر في المحافظة، أسفرت عن مقتل عدد من المواطنين من الجهتين، قبل أن يتدخل الوجهاء ورجال الدين لحل المشكلة وإطلاق سراح المحتجزين من الطرفين في غياب أي دور للجهات الأمنية.
يقول الناشط المدني هاني عزام لـ"العربي الجديد": "بين حين وآخر تطل علينا أنباء لخلافات واشتباكات مسلحة بين مكوّن عشائر البدو والمكون "الدرزي" وغالبا ما افتعلت إحدى العصابات أو الفصائل التابعة للنظام هذه الاشتباكات بهدف زرع الشقاق والفرقة بين الطرفين وإبقاء المنطقة في حالة تفتت واقتتال دائم".
وأشار إلى أن "التجييش يطاول الطرفين دون ذنب، خصوصاً بعض الأهالي من عشائر البدو الذين تحملوا وزر النزوح وهدم المنازل". وقال إن "الأزمة لا تحل إلا بقرار جماعي وبوجود سلطة وطنية تُعيد الناس إلى بيوتها وأرزاقها وتساهم في إعمار ما تهدم".
وأضاف أن "اجتماع العشائر أمس، وقراراتها شكلت خطوة إيجابية في طريق حل المشاكل العالقة وتخفيف حدة التوتر، في ظل خطر استهدافها من قبل الجهات الرسمية وجرها إلى موقع الاتهام بعد الغارة الجوية على منزل تاجر المخدرات الرمثان".
وتابع: "من المؤسف أن تتناول معظم وسائل الإعلام خبر قتل تاجر مخدرات وتمر على مقتل ستة أطفال أعمارهم تقل عن 12 عاما دون أن تتحمل الدولتان المُتفقتان على هذا القتل أي مسؤولية أخلاقية على الأقل".
من ناحية أخرى؛ يتهم بعض أبناء العشائر أطرافا من النظام والموالين له بمحاولة إقحام أبناء العشائر في الصراعات الدائرة، وشيطنتهم.