عسكرة حراك السويداء مستبعدة رغم سقوط أول قتلاه

01 مارس 2024
من تشييع قتيل السويداء أمس الخميس (العربي الجديد)
+ الخط -

يفتح مقتل متظاهر في الحراك السلمي في محافظة السويداء السورية برصاص عناصر أمنية أول من أمس الأربعاء، الباب أمام تساؤلات عن تطور الأحداث في المحافظة التي حرص المتظاهرون فيها منذ بدء حراكهم في أغسطس/آب الماضي على الحفاظ على سلميته، وسط مخاوف من دفع النظام حراك السويداء نحو العنف.

وعلى الرغم من أن الأوضاع في المحافظة تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات، فإن قراءات ترى أن النظام ليس مستعداً للدخول في صدام مباشر مع أهالي المحافظة، خصوصاً أنه حرص على عدم التدخل عسكرياً ضد المتظاهرين في كل الحراكات التي شهدتها السويداء، كي يُبقي الدروز السوريون على هامش الصراع في سورية. كذلك فإن وجهاء المحافظة يشددون على ضرورة الحفاظ على الطابع السلمي للحراك، لمنع إعطاء أي مبرر للنظام يستغله للفتك بالمتظاهرين.

تشييع أول قتيل في حراك السويداء السلمي

ريان معروف: ليست لدى النظام الرغبة بالدخول في صدام مباشر مع أهالي السويداء

وشيّع الآلاف من أهالي محافظة السويداء جنوب سورية، أمس الخميس، جثمان جواد الباروكي، الذي قضى يوم الأربعاء برصاص قوى الأمن في تظاهرة سلمية احتجاجية، أمام مركز لـ"التسويات" الأمنية افتتحه النظام.

وغصّت ساحة "سمارة" في مدينة السويداء، بآلاف المشيعين لـ"شهيد الواجب"، وحضر التشييع شيخا عقل الطائفة الدرزية، يوسف جربوع وحمود الحناوي، وعدد من الفعاليات الدينية والاجتماعية، وتيارات سياسية من قوى المعارضة المدنية، والمئات من أبناء المدينة.

وكانت مدينة السويداء قد شهدت مساء الأربعاء توتراً واسع النطاق عقب مقتل الباروكي، حيث هاجم مسلحون مجهولون مراكز وحواجز أمنية، وثكنات عسكرية، ومقرات لحزب البعث في مدينة السويداء، وامتدت الهجمات إلى مدينة شهبا في ريف السويداء الشمالي، حيث استهدف المسلحون حاجزاً أمنياً قرب شهبا. واخترقت إحدى القذائف الصاروخية شقة سكنية في مدينة السويداء، ما أدى إلى أضرار فادحة داخل الشقة الكائنة في الطابق الرابع، بالقرب من "صالة السابع من نيسان".

ويشكّل مقتل أول متظاهر في حراك السويداء بإطلاق نار من قبل الأجهزة الأمنية الأربعاء منعرجاً مهماً في مسيرة هذا الحراك السلمي الذي تشهده المحافظة ذات الغالبية الدرزية من السكان منذ منتصف العام الماضي. وفي أول رد فعل له، وصف الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، جواد الباروكي بـ"شهيد الواجب"، مؤكداً "ضرورة الحفاظ على المسار السلمي للحراك".

وحرص النظام على تعامل مختلف مع هذا الحراك، إذ لم يلجأ إلى العنف للقضاء عليه كما فعل في بقية المحافظات السورية، وهو يدرك الخصوصية التي تتميز بها هذه المحافظة، وعجزه عن إلحاق التهم الجاهزة لديه بالمتظاهرين من قبيل الارتباط بـ"جماعات إرهابية مسلحة".

وتعمّد النظام عدم التدخل أمنياً وعسكرياً لردع المتظاهرين في حراكات السويداء كي يُبقي الدروز السوريين على هامش الصراع في سورية، خصوصاً أن هذا النظام لطالما حاول تصدير صورة للخارج على أنه حامي الأقليات في سورية. وعلى الرغم من دخوله شهره السابع، يحافظ حراك السويداء السلمي على زخمه، ما يربك حسابات النظام، خصوصاً أن الحراك دخل دائرة اهتمام الولايات المتحدة ودول أوروبية.

فشل ورقتي "البعث" و"داعش"

وحاول النظام استخدام ورقة حزب "البعث" لمحاصرة الحراك، إلا أن المتظاهرين سرعان ما أغلقوا كل المراكز الحزبية في المحافظة، وهو ما شكل ضربة كبيرة لمساعي النظام الذي يحاول الضغط على سكان المحافظة محدودة الموارد من خلال الخدمات التي يقدمها للسكان.

ولم يفتح النظام أي باب حوار مع المتظاهرين في الحراك الحالي، أو ما سبقه من حركات احتجاج شهدتها المحافظة، واكتفى بإرسال التهديدات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عبر أشخاص مرتبطين بأجهزته الأمنية، وعبر فعاليات محلية لم تستطع محاصرة هذا الحراك الذي بدأ لأسباب اقتصادية ومعيشية، ولكن سرعان ما تبنّى شعارات الثورة السورية الأولى، خصوصاً لجهة إسقاط النظام وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالملف السوري وفي مقدمتها القرار 2254 الصادر أواخر عام 2015.

وحاول النظام رفع ورقة تنظيم "داعش" أمام المتظاهرين السلميين في السويداء مذكّرا بالهجوم الذي شنّه التنظيم على ريفها الشرقي في منتصف عام 2018، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في قرى عدة.

واتهمت فعاليات في حينه النظام بتسهيل دخول عناصر التنظيم إلى المنطقة لارتكاب مذبحة تكون بمثابة "رسالة" لسكان السويداء في حال انضمامهم للثورة السورية.

ورأى مدير تحرير موقع "السويداء 24" الإخباري السوري المعارض، ريان معروف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "كان بالإمكان تدارك ما حصل يوم الأربعاء من أحداث مؤسفة أودت بحياة أحد المتظاهرين، سواء من النظام أو من قوى المعارضة المنظمة للحراك السلمي".

وأعرب معروف عن اعتقاده بأنه "ليست لدى النظام الرغبة بالدخول في صدام مباشر مع أهالي السويداء"، وسياسته طيلة أشهر الحراك السلمي فيها مؤشرات على ذلك". وتابع: "أكثر ما حاول النظام فعله هو ضرب المجتمع ببعضه، من خلال دعم بعض المليشيات المتورطة بالجريمة المنظمة".

وأشار مدير تحرير موقع "السويداء 24" إلى أن "هناك اعتقاداً راسخاً لدى غالبية المنظمين والمشاركين في الحراك السلمي أن العنف لا يولد سوى العنف"، مضيفاً: "ثمة رغبة بمواصلة العمل السلمي والمدني وعدم الانجراف نحو دوامة العنف".

ورأى أن الأوضاع في السويداء "مفتوحة على احتمالات كثيرة"، مضيفاً: "الأمور متعلقة بردود الأفعال من الشارع المعارض، ومن النظام، ومن الفصائل المسلحة".

اختبار لردّ الفعل

محمد سالم: يجد النظام في حرب غزة فرصة ليقوم بتصعيد دون أن يكون هناك رد فعل كبير

من جهته، رأى مدير وحدة الدراسات في مركز "أبعاد" محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام "بدأ بالتحوّل التدريجي إلى مسار العنف في طريقة تعاطيه مع الحراك السلمي في محافظة السويداء"، مضيفاً أن "حادث الأربعاء كان اختبارا لرد فعل المجتمعين المحلي والدولي".

وتابع: الاهتمام الإقليمي والدولي ينصبّ حالياً على ما يجري في قطاع غزة ومحاولات التهدئة هناك ومن ثم يجد النظام أن لديه فرصة ليقوم بتصعيد في السويداء من دون أن يكون هناك رد فعل كبير في حال استخدام العنف كطريقة تعاط مع الحراك الثوري السلمي". لكنه أعرب عن اعتقاده بأن "المسار لن يمضي باتجاه عنف واسع وكبير كما حدث في بقية المحافظات السورية في السنوات الأولى من الثورة".

المساهمون