اعتبر زعيم الأغلبية السابقة في مجلس الشيوخ الأميركي، الجمهوري ميتش ماكونيل، في وقت سابق، أن التصويت في المجلس، لا سيما من أعضاء حزبه، على عزل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في قضية اقتحام الكونغرس، هو مسألة ترتبط بـ"الاحتكام لضميرهم". إلا أن هؤلاء، اليوم، يبدون أكثر تحفظاً للمضي في هذه الخطوة، بعدما أصبحت رسمياً في ملعبهم. وليس التحفظ الجمهوري، الذي بدأ يزداد مع بدء مرحلة العدّ العكسي لمحاكمة ترامب الثانية، بعدما أصبح "رئيساً سابقاً" (حصلت المحاكمة الأولى خلال ولايته)، هو فقط نتيجة فتور القضية، التي تعود إلى اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني الحالي، والذي يتهم الأخير بالتحريض عليه. لكن السبب الرئيسي للاتجاه إلى تبرئة ترامب من قبل أكثرية أعضاء "الشيوخ" الجمهوريين، للمرة الثانية، هو الحفاظ على ديمومة الحزب وتماسكه، وكذلك توجيه بعض التقدير لإرث ترامب، الذي خدم الجمهوريين في مفاصل عدة، قدّم لهم خلالها أكثر مما كانوا يتوقعونه. بالإضافة إلى ذلك، فإن أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ ممّن يقولون إن محاكمة رئيس سابق ليست من صلاحية المجلس، يعتبرون أنهم ليسوا مستعدين لتقديم خدمة مجانية للديمقراطيين، والظهور بمظهر الموافق على نظريتهم، وهي أن عزل ترامب هو بداية المسار الصحيح لمداواة البلاد، أو ترميم الخلل الذي يصيبها. ويأتي ذلك على الرغم من خشية كثيرين من الجمهوريين، لا سيما في الكونغرس، من إمكانية أن يؤدي عدم عزل ترامب إلى ترشحه مرة جديدة للرئاسة. لكن موقع "بوليتيكو" ذكر أن عدداً كبيراً من المانحين للحزب، حذّر قادته من أن وقوفهم مع عزل ترامب، سيشكل تهديداً قوياً للحزب، لا سيما لجهة انشقاقه والإسراع في بروز حزب ثالث. أما إمكانية العزل شعبياً، فمن شأنها تأجيج غضب اليمين الشعبي، لا سيما اليمين المتطرف، والذي يشعر بالإحباط الشديد حالياً، ومدى انعكاس ذلك على الحزب المحافظ نفسه.
يحتاج عزل ترامب إلى تصويت 17 سيناتوراً جمهورياً
وأصبح دونالد ترامب رسمياً أمس الإثنين، أول رئيس أميركي يواجه محاكمة عزل بعد انتهاء ولايته، بعدما أضحت محاكمته الثانية في قضية "التحريض على التمرد" المرتبطة باقتحام مناصريه مبنى الكونغرس، في يد مجلس الشيوخ، إثر إحالتها من مجلس النواب الذي كان أقرّها في 13 يناير الحالي، بأغلبية مريحة. ويحتاج عزل ترامب إلى تصويت ثلثي أعضاء المجلس، الذي بات يمتلك فيه الديمقراطيون أغلبية بسيطة، 51 صوتاً (منها صوت لنائبة الرئيس كامالا هاريس)، مقابل 49 من أصل 100، إثر انتخابات الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وفعلياً، يحتاج الديمقراطيون إلى تصويت 17 سيناتوراً جمهورياً إلى جانبهم، أي مع إدانة ترامب التي ستفضي إلى عزله، والقضاء على أي طموح رئاسي مستقبلي له. وبحسب زعيم الأغلبية الديمقراطية في "الشيوخ" تشاك شومر، فإن المحاكمة لن تبدأ قبل 8 فبراير/شباط المقبل، وستكون عادلة، وسريعة. وقال شومر إنّ الحزبين سيباشران تقديم مطالعاتهما في الأسبوع الذي يبدأ في 8 فبراير، مؤكداً أنه بحث مع زعيم الغالبية الجمهورية ميتش ماكونيل الجدول الزمني ومدة الجلسات. وأضاف شومر في مؤتمر صحافي أول من أمس: "ستكون محاكمة عادلة، لكنها ستمضي بوتيرة سريعة نسبياً. ينبغي ألا تستغرق وقتاً أكثر من اللازم، لأن لدينا الكثير لنفعله غيرها".
وقدّم الديمقراطيون في مجلس النواب أمس لائحة الاتهام إلى مجلس الشيوخ، في مشهد "احتفالي"، لإضفاء صبغة تاريخية على هذا الحدث، بعدما فشلوا في تمريره ضد ترامب خلال ولايته في فبراير الماضي، في قضية الضغط على أوكرانيا بملف التسليح، أو ما عرف بـ"أوكرانيا غيت". وبعد تسليم اللائحة، يؤدي أعضاء مجلس الشيوخ الذين سيقومون بمهام هيئة محلفين في هذه المحاكمة، اليمين، اليوم الثلاثاء.
وكانت مشاهد العنف التي رافقت اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول في 6 يناير، قد أثارت صدمة في أميركا والعالم، ودفعت بالعديد من الجمهوريين إلى التنديد بسلوك الملياردير الشعبوي. لكن إدانته في مجلس الشيوخ في هذه المرحلة تبدو غير مرجحة، لأنه لا يزال يحظى بتأييد العديد من أعضاء المجلس. وقال السيناتور الجمهوري البارز وعضو لجنة الاستخبارات، ماركو روبيو، أول من أمس الأحد، لقناة "فوكس نيوز"، إنه يعتقد "أنها محاكمة غبية وستأتي بنتائج عكسية". وأضاف روبيو: "لدينا حالياً نيران مشتعلة في البلاد، والأمر أشبه بصبّ الزيت على النار". واعتبر أعضاء جمهوريون آخرون في المجلس أنه من غير الدستوري محاكمة رئيس سابق من أجل عزله، وهم يسعون لإيجاد سبيل لمنع حصول المحاكمة، لكن عدداً قليلاً جداً من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يدافع عن هذا الإجراء. ومن بين هؤلاء الجمهوريين الرافضين لمحاكمة ترامب وعزله، السيناتور توم كوتون، من أركنساس، الذي قال أول من أمس، إنه "كلما تحدثت مع أعضاء جمهوريين آخرين في مجلس الشيوخ، بدأوا في دعم" تلك الحجة، معرباً عن اعتقاده بأن "كُثراً من الأميركيين سيعتقدون أنه من الغريب أن يقضي مجلس الشيوخ وقته في محاولة إدانة وعزل رجل ترك منصبه قبل أسبوع". أما من أبرز الجمهوريين الذين قد يؤيدون عزل ترامب، السيناتور ميت رومني، الذي رأى في حديث لـ"سي أن أن"، أول من أمس، أنه "إذا أردنا توحيد صفوف البلاد، فمن المهم الاعتراف بأن المسؤولية والحقيقة والعدالة هي أمور ضرورية"، ملمحاً إلى إمكانية أن يدين قطب العقارات السابق. وكان رومني السيناتور الجمهوري الوحيد الذي صوّت لإدانة ترامب في "أوكرانيا غيت".
لن تبدأ المحاكمة قبل الأسبوع الثاني من فبراير المقبل
من جهتهم، يؤكد الديمقراطيون أن الأيام الإضافية حتى 8 فبراير، ستسمح بتوفير مزيد من الأدلة على أعمال الشغب التي قام بها أنصار ترامب. وأعرب السيناتور الديمقراطي عن ولاية ديلاور، كريس كونز، في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس" أول من أمس، عن أمله في أن الوضوح المتزايد بشأن تفاصيل ما حدث "سيبين لزملائي وللشعب الأميركي أننا بحاجة لبعض المساءلة". وتساءل كونز كيف يمكن لزملائه الذين كانوا في مبنى الكابيتول في ذلك اليوم أن يروا التمرد على أنه ليس سوى "انتهاك مذهل" لتقاليد الانتقال السلمي للسلطة، مضيفاً أنها "لحظة حاسمة في التاريخ الأميركي، وعلينا أن نتمعن فيها وننظر إليها بجدية". ويرفض الديمقراطيون حجة عدم دستورية محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ لأنه أصبح رئيساً سابقاً، مشيرين إلى قضية مماثلة في 1876 لعزل وزير الحرب وليام بلكناب، الذي كان قد استقال بالفعل. ويقول الديمقراطيون إن المحاسبة على الاقتحام الأول للكابيتول منذ حرب عام 1812، ضرورية لعدم تكرار ذلك.