استمع إلى الملخص
- الجالية العربية والمسلمة في فرنسا تواجه تمييزًا وتحاملًا متزايدًا، مع تصاعد الهجمات ضد المساجد والمدافن الإسلامية، وتعرض أفرادها لانتهاكات بسبب انتمائهم العرقي والديني.
- قادة المجتمع المسلم في فرنسا يحثون على المشاركة الفعالة في الانتخابات لمواجهة صعود اليمين المتطرف، مع ميل الناخبين المسلمين نحو الأحزاب اليسارية ووجود نسبة عالية من الامتناع عن التصويت.
لم يعد وصول اليمين المتطرف عبر حزب التجمع الوطني إلى الحكم في فرنسا مجرد فرضية، بل أصبح إمكانية مرجحة على ضوء ما آلت إليه انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت في التاسع من يونيو/ حزيران الحالي، من نتائج وضعت هذا الحزب في المرتبة الأولى بين القوى السياسية الفرنسية مع ما يزيد عن 30%، وهي النسبة نفسها التي تعطيها استطلاعات الرأي له في الانتخابات البرلمانية الفرنسية المقررة في 30 يونيو الحالي و7 يوليو/تموز المقبل.
فإذا تمكن "التجمع" من تحقيق رهانه والفوز بغالبية مطلقة في الانتخابات، سيكون الرئيس إيمانويل ماكرون مضطراً بموجب الدستور إلى إسناد رئاسة الحكومة لرئيس حزب التجمع الوطني، جوردان بارديلا، وتكليفه تأليف حكومة، في أول صيغة تعايش من نوعها في فرنسا. هذه الإمكانية تثير مخاوف عدة على صعيد الوضع السياسي والاقتصادي. لكن الخوف الأكبر يتناول الوضع الاجتماعي والتبعات التي ستترتب على تولي اليمين المتطرف للحكومة بالنسبة إلى الجالية ذات الأصول العربية والمسلمة التي يقدر عدد أفرادها بنحو ستة ملايين شخص.
معاناة الجالية العربية والمسلمة
عانت الجالية العربية والمسلمة من تحولها إلى ما يشبه كبش فداء لمجمل ما يواجهه المجتمع الفرنسي من مشكلات
هذه الجالية عانت على مدى السنوات الماضية من تحولها إلى ما يشبه كبش فداء لمجمل ما يواجهه المجتمع الفرنسي من مشكلات، وفي طليعتها الإخلال بالأمن وبعدها تصاعد التيار الإسلامي الأصولي وما واكبه من خلط بين الإسلام والإسلام السياسي في الوسطين الإعلامي والسياسي. وبلغ هذا الخلط أوجه في أعقاب الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها مناطق فرنسية عدة، خصوصاً باريس في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ما غذى الشعور لدى كل عربي ومسلم بأنه متهم ضمناً بالإرهاب ما لم يثبت العكس.
ونجم عن ذلك تجاوزات متعددة وانتهاكات استهدفت مساجد ومدافن للمسلمين، كما استهدفت أفراداً لمجرد انتمائهم إلى الجالية العربية، بالرغم من الإدانات العلنية والواضحة للإرهاب التي صدرت عن مسؤولي الجالية ووجوهها البارزة، وبالرغم من دعواتهم المتكررة إلى التمييز بين الدين الإسلامي والتطرف.
وازداد هذا الخلط تفاقماً في أعقاب الهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفرض على الجالية العربية والمسلمة حالة من الانكفاء والتقوقع، في ظل الموقف الفرنسي الرسمي الذي ركز على إدانة الهجوم بصفته "إرهابياً"، وعلى ضرورة مساندة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بكافة السبل" في وجه أعدائها. وبدا كأنه بات من المتوجب على العربي والمسلم في فرنسا أن يدين "حماس" باعتبارها حركة إرهابية، ويدين هجومها للحصول على صك براءة يجنبه تهمة تأييد الإرهاب التي ألصقت بها تهمة معاداة السامية التي يعاقب عليها القانون الفرنسي ويجعلها مرادفاً لمعاداة الصهيونية والسياسات الإسرائيلية.
كابوس اختراق اليمين المتطرف
وسط هذه الأجواء المتوترة، جاء الاختراق الانتخابي لليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية ليحول الكابوس إلى واقع، إذ لطالما توجس العرب والمسلمون في فرنسا من اليمين المتطرف الذي يشكل التحامل على المهاجرين عموماً، وذوي الأصول العربية منهم خصوصاً، بنداً رئيسياً في أيديولوجيته. هذا التطور دفع مسؤولي الجالية المسلمة إلى رفع الصوت وحث المسلمين على العدول عن الانكفاء والإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع سعياً إلى تدارك احتمال حصول اليمين المتطرف على غالبية برلمانية مطلقة.
إمام مسجد باريس: الظرف لم يعد مؤاتياً للإحجام عن السياسة وصناديق الاقتراع
وكان إمام مسجد باريس شمس الدين حافظ لفت، في نداء صدر عنه قبل أيام، إلى ضرورة مشاركة الناخبين المسلمين في الاستحقاقات الانتخابية لأن هذه المشاركة "ضرورة قصوى تتيح لنا تأكيد مكانتنا في المجتمع الفرنسي الذي نشكل جزءاً منه". واعتبر أن الظرف لم يعد مؤاتياً للإحجام عن السياسة وعن صناديق الاقتراع للتعبير عن خيبة الأمل حيال السياسيين ووعودهم الفارغة، معتبراً أن المشاركة النشطة في الحياة السياسية ضرورية، مبدياً أسفه لصعود اليمين المتطرف ونجاحه في تحويل المسلم إلى "رمز معادٍ وهجين وغير مطابق للهوية الوطنية التي يفترض أنها تعبر عن التجانس".
دعوات للاقتراع
كما سُمعت أصوات شخصيات مسلمة أخرى حثت بدورها على عدم الإحجام عن الاقتراع، ومنهم إمام مدينة بوردو طارق أوبرو الذي دان، أخيراً، تحول الإسلام في الإعلام الفرنسي إلى رديف لاجتياح تتعرض له فرنسا "من قبل شعوب وديانة". وشجب امتناع العديد من المسلمين عن الإدلاء بأصواتهم، باعتباره دليل جهل وإنكار للواقع.
وأشار استطلاع أجراه معهد "ايفوب"، ونشر أخيراً، إلى أن غالبية الناخبين المسلمين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأوروبية اختاروا حزب فرنسا غير الخاضعة اليساري الراديكالي، بما يدعو إلى الاعتقاد أن اقتراعهم في الانتخابات الفرنسية المقبلة سيكون لصالح مرشحي "الجبهة الشعبية الجديدة" التي انضوت في إطارها مجمل القوى اليسارية بما فيها "فرنسا غير الخاضعة" بقيادة جان لوك ميلانشون، الذي جعل من دعم غزة ورفض العدوان الإسرائيلي عليها شعاراً انتخابياً رئيسياً في حملته.
الاستطلاع نفسه أظهر وجود معدل قياسي للممتنعين عن التصويت في صفوف الناخبين المسلمين يقدر بنحو 59%. في غضون ذلك يسود فرنسا تخوف جدي حيال إفلات التطرف اليميني من أي ضوابط وتأجيج العداء حيال المسلمين، وكذلك مظاهر الرفض حيالهم على غرار ما شهدته مدينة ليون الفرنسية قبل أيام، حيث تظاهر عدد من مناصري أقصى اليمين المتطرف مرددين شعارات تدعو إلى ترحيل المسلمين عن أوروبا.