على الرغم من ادعاءات إسرائيل بأن "منظومة القبة الحديدية حققت في العدوان على غزة إنجازات هائلة، وتمكنت من اعتراض نسبة كبيرة من الصواريخ الفلسطينية، تصل لغاية 90 في المائة"، إلا أن هذه "الإنجازات" لم تساعد إسرائيل في الترويج لمنظومة القبة الحديدية وبيعها في الأسواق العالمية.
فقد كشف تقرير موسع لصحيفة "ذي مارك" الاقتصادية، أنه "على الرغم من التوقعات العالية، والاهتمام الذي أبدته دول مختلفة، إلا أن ذلك لم يترجم بعد إلى صفقات لبيع الأسلحة من هذه المنظومة للدول الأخرى".
وذكر التقرير أن "أحد الأوجه الأقلّ تغطية إعلامياً في الحروب التي تشنها إسرائيل، هو في واقع الحال استخدام إسرائيل ميادين القتال كميادين تجارب أولية للأسلحة الجديدة التي تطورها. فإذا نجحت الأسلحة الجديدة ميدانياً في تحقيق الغاية منها، يكون ذلك بمثابة أفضل دعاية لتسويقها عالمياً".
واعتبرت الصحيفة أن "هذا الأمر قد ينقلب على إسرائيل، خصوصاً في حال لم يشتر الجيش الإسرائيلي الأسلحة الجديدة التي طوّرتها شركات الأسلحة الإسرائيلية، ما سيحول دون وصولها للأجهزة الأمنية العالمية والأسواق العالمية لأن عدم شرائها سيكون دليلاً على عدم نجاعتها".
ورأت الصحيفة أن "العدوان الأخير على غزة تحت اسم الجرف الصامد، لم يكن استثنائياً أو شاذاً في هذا المضمار. فعلى الرغم من النجاح الذي حققته منظومة القبة الحديدية، في ميادين القتال واعتراض صواريخ المقاومة، فإن سلطة تطوير الأسلحة الإسرائيلية، رفائيل، تواجه صعوبات في تسويق المنظومة في الأسواق العالمية".
وفي السياق، تُبرز الصحيفة رأيين مختلفين. إذ يؤكد تكتّل الصناعيين العسكريين التابعين لوزارة الأمن، أن "العدوان على غزة من شأنه أن يدفع بتسويق الأسلحة الإسرائيلية". في المقابل، تُقلّل الصناعات الجوية الإسرائيلية، وشركة "إلفيت" التي تنتج منظومات تكنولوجية عالية التطور، كشبكات الرادار والإنذار المبكر، من فرص تسويق "القبة الحديدية" في أسواق السلاح العالمية. على الرغم من اعترافهما بأن العدوان على غزة زاد من الاهتمام العالمي بالمنظومة، إلا أن تأثير ذلك على إبرام صفقات تجارية يبقى هامشياً.
ويكشف التقرير أن "إسرائيل التي تصنف بين الدول المنتِجة للصناعات التكنولوجية العسكرية المتطورة، تحتل المرتبة الثامنة عالمياً في سوق بيع السلاح، وهي مكانة مرموقة، مقارنة بهوية منافسيها في هذه السوق، وأهمهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا".
ويبيّن التقرير أن "أحد العوامل الرئيسية التي تعيق بيع هذه الأسلحة من منظومة القبة الحديدة، هو حقيقة عدم وجود طلب عالمي على الأسلحة المستخدمة ضد المدنيين والتجمعات السكنية المأهولة". ودفع هذا الأمر سلطة تطوير الأسلحة الإسرائيلية "رفائيل" إلى البحث عن آفاق بديلة، وهي تعمل على تطوير منظومات مشابهة للقبة الحديدية، من أجل استخدامها من قبل القوات البحرية، أو من أجل حماية المنشآت الاستراتيجية. ومع ذلك لم تنجح بعد في الحصول على طلبات وعقود لشراء هذه المنظومات.
ونقلت الصحيفة عن نائب مدير عام "رفائيل"، أورون أورفين، قوله إن "عمليات شراء الأسلحة وإبرام الصفقات لا تتمّ بسرعة، بل تستغرق وقتاً طويلاً". ويشرح "علينا إقناع الجهة المشترية بجدوى السلاح وفاعليته، فتستغرق عملية إتمام الصفقات أحياناً من ثلاث إلى خمس سنوات. على أن ذلك مرهون أيضاً بمدى حاجة الطرف الآخر لهذا النوع من السلاح، وما إذا كان ملائماً لاحتياجات بلاده العسكرية والأمنية".
وأشار أوريفين إلى أن "ما تم خلال الحرب على غزة والتغطية الواسعة التي حظيت بها الأسلحة الإسرائيلية الجديدة، مثل القبة الحديدية وغيرها، يساعد بشكل أساسي في تحسين وخدمة صورة سلطة تطوير الأسلحة رفائيل، لكن ذلك لا يترجم بالضرورة إلى صفقات وطلبات لشراء الأسلحة".
وأضاف أن "رفائيل تُصدّر سنوياً أسلحة بقيمة تصل إلى 4.5 مليارات دولار، والجزء الأكبر من منتجاتها هي الصواريخ المتطورة من طراز سبايك". وبالإضافة لذلك يبيّن التقرير أن "الصناعات الجوية الإسرائيلية تصدّر بدورها أسلحة بقيمة تزيد عن ثلاث مليارات دولار".
وتبيع إسرائيل الأسلحة لعدد كبير من الدول الافريقية المتورطة في نزاعات عسكرية إقليمية، بالإضافة إلى دول مثل الهند والبرازيل، والتي تُعتبر من أكبر الدول المستوردة للأسلحة الإسرائيلية. وتشتري الهند، أكبر مستورد للسلاح من إسرائيل، منظومات للدفاع الجوي ودبابات ومصفحات، بشكل أساسي. وفق التقارير الإسرائيلية.
ووفقاً لأحد كبار الصناعات الجوية، فإن دولاً أفريقية وآسيوية تُبدي في الآونة الأخيرة اهتماماً بالأسلحة الإسرائيلية، خصوصاً أن ميادين القتال والحروب، التي تستخدم فيها إسرائيل أسلحتها الجديدة، تشكّل حافزاً كبيراً يكشف أيضاً عن طبيعة الأسلحة ونوعيتها. ففي العدوان على غزة كشفت الصناعات الجوية عن أنواع عدة من الطائرات من دون طيار وشبكات إنذار جوية مختلفة، وهي التي تستقطب اهتماماً من دول أوروبية وأفريقية عدة، لكن هذا الاهتمام لم يُترجم بعد، هو الآخر إلى صفقات ناجزة.