عبد المجيد تبون... محاولة استدعاء البومدينية

06 سبتمبر 2024
تبون في الجزائر، 21 نوفمبر 2023 (عيسى ترلي/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **مسار عبد المجيد تبون الوظيفي والإداري**: بدأ كرئيس دائرة في السبعينيات، ثم شغل مناصب متعددة مثل حاكم ولاية، مساعد وزير، ووزير، وصولاً إلى رئيس الحكومة قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية.

- **خلفيته العائلية والتعليمية**: وُلد في مشرية بولاية النعامة، من أب أمازيغي وأم عربية، تلقى تعليمه في المدرسة الفرنسية والمدرسة الحرة للأئمة، وتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969.

- **التحديات السياسية وحربه على الكارتل المالي**: شغل مناصب وزارية متعددة، أعلن الحرب على الكارتل المالي في 2017، مما أدى إلى إقالته. فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2019 بنسبة 58%.

لا يوجد في سيرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المرشح لولاية رئاسية ثانية، ما يشير إلى تنشئته السياسية، إذ لم يكن على صلة بمدارس التكوين السياسي، كالكشافة والحزب وغيرها، لكنه يتفرد بكونه المسؤول الجزائري الوحيد الذي مرّ خلال مسار تدرجه في المسؤولية الحكومية، بكامل المحطات تقريباً، فشغل كل مناصب الوظيفة الإدارية، بداية من رئيس دائرة (مقاطعة)، منذ السبعينيات إلى حاكم ولاية فمساعد وزير، فوزير في عدد من الوزارات، ثم رئيس حكومة قبل أن ينتخب رئيساً للجمهورية. هذا التدرج الوظيفي لعب دوراً في مساعدته على إدارة شؤون الدولة في ظروف صعبة، متشبعاً بالنهج والفكرة البومدينية (نسبة للرئيس الراحل هواري بومدين) في مشروع بناء الدولة.

ينقل الموقع الرسمي للرئاسة الجمهورية أن عبد المجيد تبون وُلد في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1945 بمشرية في ولاية النعامة جنوب غربي الجزائر، "من أب أمازيغي من منطقة بوسمغون بولاية البيض، وأم من أصل عربي من نواحي رباوت بولاية البيض". ولم تكن الإشارة إلى هذا المعطى وإشاعة تداوله على نطاق عام، إلا في سياق توسيع قاعدة الرئيس وجمعه بين مكونين أساسيين من مكونات النسيج المجتمعي الجزائري.

شن الكارتل المالي بقيادة السعيد بوتفليقة حملة ضد تبون قادت للإطاحة به من رئاسة الحكومة

بعد ثمانية أشهر من ولادته، تنقلت عائلة عبد المجيد تبون من ولاية النعامة للعيش في ولاية سيدي بلعباس بسبب مضايقات وتعسف المستعمر الفرنسي (الإدارة، الدرك) ضد والده أحمد تبون بسبب خطاباته الوطنية، بالنظر إلى انتمائه لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. بدأ عبد المجيد تبون تعليمه في المدرسة الفرنسية بولاية سيدي بلعباس غربي الجزائر، ثم في المدرسة الحرة للأئمة، قبل أن يواصل دراسته في منطقة البيض غربي البلاد حتى حصوله على شهادة التعليم المتوسط، انتقل بعدها للدراسة في الصف الثانوي. ثلاث سنوات بعد الاستقلال، عام 1965، حصل عبد المجيد تبون على شهادة البكالوريا، وانضم بفضل ذلك إلى المدرسة الوطنية للإدارة، التي كانت متخصصة في تكوين قيادات الدولة، ليتخرج منها سنة 1969. في تلك الفترة التي كانت فيها الجزائر الدولة الناشئة بصدد تشكيل منظومتها الإدارية، عُيّن تبون مسؤولاً إدارياً في بشار جنوب غربي الجزائر، قبل ترقيته إلى منصب أمين عام (مساعد حاكم الولاية) شغلها في ثلاث ولايات وسط البلاد حتى 1982، ثم حاكماً في ثلاث ولايات.

صعود عبد المجيد تبون نحو الحكومة

وفي عام 1991 بدأ تبون مرحلة صعود أخرى نحو الحكومة، عندما قرر رئيس الحكومة وقتها سيد أحمد غزالي، إلحاقه بالحكومة وزيرا منتدبا مكلفاً بالجماعات المحلية، لكن ذلك لم يدم سوى سنة واحدة. ففي العام التالي، ومع تفجر الأزمة الأمنية في البلاد وتوقيف المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992 وسقوط حكومة غزالي، غادر عبد المجيد تبون الحكومة واستقر لسنوات في جنوبي البلاد. وقد تكون هذه الفترة، وعمله قبل ذلك في عدة ولايات في الصحراء ومناطق عمق الجزائر، هي التي شكلت تصورات واضحة عن مشكلات هذه المناطق، وتفسر اهتمام تبون بالجنوب.

بعد تسلم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الحكم عام 1999، عاد تبون إلى الحكومة وزيراً للاتصال والثقافة، ثم وزيراً منتدباً مُكلفاً بالجماعات المحلية للمرة الثانية. وفي عام 2001 جرى تعيينه وزيراً للسكن لفترة قصيرة حتى العام 2002. وفي هذه الوزارة أطلق تبون أحد أكبر برامج الحصول على سكن بنظام الإيجار (عقد إيجار ينتهي بتملك المسكن)، قضى بعدها عشر سنوات خارج الحكومة. وقال عنها، في حوارات سابقة: "بقيت عشر سنوات في بيتي، كما أن أياً من أبنائي لم يدرسوا في الخارج، وهم أبناء المدرسة الجزائرية، وحتى وأنا وزير للسكن، لم أمنح أيا منهم سكنا".

حرب على الكارتل المالي

انتظر عبد المجيد تبون حتى 2012، ليعاد استدعاؤه مجدداً إلى الحكومة، لشغل منصب وزير السكن، ثم وزيراً للتجارة سنة 2017. مباشرة بعد الانتخابات النيابية، عيّنه بوتفليقة رئيساً للحكومة في مايو/أيار 2017، أعلن خلالها الحرب على الكارتل المالي الذي كان يقوده رجل الأعمال علي حداد. لكن هذا الأخير المتحالف مع الفريق الرئاسي بقيادة السعيد بوتفليقة شقيق عبد العزيز بوتفليقة، شن حملة سياسية وإعلامية مسيئة ضد تبون، قادت إلى الإطاحة به من رئاسة الحكومة بعد أقل من ثلاثة أشهر من تعيينه. كما تم تلفيق تهم لنجله خالد بالتورط مع مهرب كوكايين عام 2018، لكن العدالة برأته لاحقاً بكون القضية كانت ملفقة لاستهداف تبون، بحسب ما قال رئيس الحكومة الموقوف في السجن بسبب الفساد عبد المالك سلال خلال إحدى محاكماته.

تبرز في سيرة تبون الوظيفة والفكر الإداري أكثر من أي قناعات سياسية واضحة

وبقدر ما كان هذا الاستهداف فترة حالكة في مسار تبون، فإنه لعب دوراً في المرحلة اللاحقة عندما بدأ الحراك الشعبي ضد بوتفليقة ونظامه السياسي والمالي، بحيث أنقذ ذلك تبون الذي كان خارج الحكومة، كما أن هذه "المظلومية السياسية"، من نفس الأطراف التي يصفها الحراك "بالعصابة" ويطالب بملاحقتها، وضعته في مكان جيد للمنافسة على منصب الرئاسة في الانتخابات التي جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي فاز فيها تبون بالرئاسة بعدما حصل على نسبة 58% من الأصوات.

تبرز في سيرة عبد المجيد تبون الوظيفة والفكر الإداري بشكل أكثر من أي قناعات سياسية واضحة، إذ لا يُعرف لتبون نضال في أحزاب وحواضن سياسية ومدنية، عدا انتمائه إلى جبهة التحرير الوطني، الذي كان أمراً ملزماً للمسؤولين قبل عهد التعددية السياسية. يفسر هذا إلى حد ما محاولته في ولايته الرئاسية الأولى تجاوز الأحزاب السياسية، والاعتماد على قوى المجتمع المدني والزوايا الدينية والصوفية، التي يقر تبون بانحيازه لها، ما دفعه إلى اختيار شيخ الطريقة الرحمانية الشيخ محمد القاسمي عميداً لجامع الجزائر، بحكم سيرة والده الذي كان متصوفاً. بيد أنه يستدعي في الغالب نموذج الزعيم الراحل هواري بومدين، ويحاول إعادة نهج الصرامة والخيارات الوطنية التي تبناها بومدين، واهتمامه بسكان الريف والزراعة، حيث أظهر تبون في كثير من المناسبات تأثره الشديد به وبسيرته السياسية وقراراته الوطنية ودفاعه عن السيادة الجزائرية.

المساهمون