عبد الله باتيلي يعلن استقالته: ليبيا توشك أن تفقد سيادتها

16 ابريل 2024
باتيلي: عقبات داخلية وإقليمية ودولية أمام الحل في ليبيا (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عبد الله باتيلي استقال من منصبه كمبعوث خاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، محذرًا من خطر فقدان ليبيا لسيادتها بسبب الجمود السياسي والتدخلات الدولية والإقليمية.
- أكد باتيلي على الحاجة لدعم دولي وإقليمي لجهود الأمم المتحدة في ليبيا، معربًا عن تفاؤله برغبة الشعب الليبي في إنهاء الأزمة، لكنه انتقد القيادات الليبية لتغليبها مصالحها الشخصية.
- خلال إحاطته لمجلس الأمن، تناول باتيلي التحديات أمام الانتخابات، أزمة السيولة، وضع المهاجرين، وضرورة انسحاب المقاتلين الأجانب، مشيرًا إلى التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا حول تأثيرهما في ليبيا.

أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، اليوم الثلاثاء، رسمياً استقالته من منصبه، مشيراً إلى أنه قدم رسالة الاستقالة ليلة أمس إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. وجاء إعلان الاستقالة خلال مؤتمر صحافي عقده في نيويورك، بعد تقديمه إحاطته الشهرية لمجلس الأمن الدولي حول الملف الليبي.

وفي تصريحاته، حذر باتيلي من أن "ليبيا على وشك أن تخسر سيادتها"، مشيراً إلى التدهور الذي تشهده البلاد في الأشهر الأخيرة، وأرجع ذلك إلى افتقار الأطراف الليبية الرئيسية إلى "الإرادة السياسية والانخراط بمباحثات بحسن نية". وقال إن تلك القيادات الليبية "تشعر بالارتياح تجاه الجمود الحالي الذي تشهده ليبيا منذ عام 2011. والعامل الثاني لتدهور الأوضاع هو الآليات الدولية والإقليمية الناشئة، والتي تستخدم ليبيا ساحة معركة، ومواجهات عسكرية بين أطراف أجنبية مختلفة".

وأشار باتيلي في الوقت ذاته إلى أن "مجموعات ليبية مسلحة وقوات أمنية يجري استخدامها في الصراع داخل البلاد"، مبيناً تأثير "الصراعات الدولية والإقليمية على الوضع في ليبيا، بما فيها الوضع في أوكرانيا وغزة والسودان وغيرها". واتهم الجهات الفاعلة في ليبيا، داخلية وخارجية، بعرقلة جهود الأمم المتحدة، معبراً عن حاجة جميع الفاعلين الدوليين والإقليميين لدعم جهود الأمم المتحدة "من أجل تحقيق نتائج هادفة ومفيدة". وأشار إلى أن الوضع الحالي في ليبيا قوّض جهود الأمم المتحدة، مؤكداً أن "حل الأزمة يبدو بعيد المنال ما لم يتغير هذا الوضع".

وأكد أيضاً أن "الشعب الليبي، بما في ذلك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وزعماء القبائل والنساء، متحمسون ويرغبون في رؤية نهاية لهذه الأزمة، واستعادة سيادة بلادهم، مع الإشارة إلى أنهم وُعدوا بنظام ديمقراطي في عام 2011، لكنهم لم يروا أي تقدم في هذا الاتجاه". واتهم القيادات الليبية بأنها "أنانية وتعمل على خدمة مصالحها الضيقة بدلاً من مصلحة الشعب الليبي"، معتبراً أن "الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً بسبب سوء الإدارة من القادة الحاليين وتدخلات القوى الأجنبية"، ودعا مجلس الأمن إلى تحمل مسؤوليته في ذلك. وأضاف "من غير الوارد أن نتخذ الأمم المتحدة كبش فداء لهذا الأمر، وهذا ما شرحته بالفعل لمجلس الأمن اليوم، لذا يجب على مجلس الأمن أن يتحمل مسؤوليته، لأنه هو الذي قرر في عام 2011 التدخل في ليبيا".

وأفاد المبعوث الأممي، ردا على سؤال لمراسلة "العربي الجديد" بشأن سبب عدم تسمية الأطراف الدولية التي تعمل على تعطيل جهود الأمم المتحدة في ليبيا، بأن "القادة الليبيين يستمرون في احتكار الأزمة أداة لمصالحهم الشخصية، وهذا يجعل من الصعب التوصل إلى حل". وأشار إلى أن "هذه الأطراف الدولية تدعم القوى المحلية في ليبيا، والتدخل في الشؤون الليبية". وأضاف أن "المبادرات الموازية التي جرت في الأشهر الأخيرة تهدف إلى تعطيل جهود الأمم المتحدة في ليبيا". وشدد على أهمية أن تجري المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن "القادة الليبيين الحاليين لا يمكن الاعتماد عليهم للتوصل إلى حل". وختم بالتأكيد على أن الشعب الليبي يستحق قيادة أفضل، وضرورة التوجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وقبل ذلك، خلال إحاطته الدورية أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في ليبيا اليوم، عبّر باتيلي عن أسفه لعدم نجاح محاولاته في معالجة مخاوف الأطراف الليبية المختلفة، مشيراً إلى مواجهة "معارضة عنيدة، وتوقعات غير معقولة، ولامبالاة تجاه مصالح الشعب الليبي". وأشار إلى أن هذه المواقف "تُحرِّض عليها من خلال الانقسامات الإقليمية والدولية، ما يُعيق جهود حل الوضع الراهن ويهدد بالمزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن في ليبيا والمنطقة". وأوضح أن "الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للمساعدة في حل الأزمة السياسية في ليبيا وتحقيق التقدم نحو الانتخابات واجهت تحديات عديدة منذ نهاية عام 2022، بما في ذلك العقبات الوطنية والإقليمية، والتي كشفت عن إصرار على تأجيل الانتخابات بصورة دائمة".

مواقف الأطراف المختلفة

وتوقف باتيلي عند تباين المواقف بين الأطراف الليبية المختلفة، مشيراً إلى أن "المشاركة المستمرة والواسعة النطاق مع الجهات المؤسسية الرئيسية تعرقل كثيراً الجهود المبذولة لدفع العملية السياسية". وأوضح أنه رُشِّح "كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا محمد تكاله، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، لتمثيلهما في الحوار المقترح، ولكنْ كلاهما وضع شروطًا مسبقة تتطلب إعادة فتح القوانين الانتخابية واعتماد دستور جديد". وأشار إلى "استمرار عقيلة صالح في مسعاه لتشكيل حكومة جديدة من مجلس النواب"، مُستدركًا بأن "فترة ولايتهم قد انتهت". وفي ما يخص اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أشار إلى اشتراطه قبل المشاركة "إما دعوة الحكومة المدعومة من مجلس النواب بقيادة أسامة حماد، وإما إلغاء دعوة دبيبة، أي استبعاد الحكومتين".

وأضاف باتيلي أن "الجيش الوطني الليبي يُعتبر سلطة اتخاذ القرار في المسائل السياسية والعسكرية والأمنية في شرق وجنوب ليبيا"، مع تحذيره من أن تخصيص مقعد منفصل للحكومة المدعومة من مجلس النواب يُمكن أن يعزز الانقسامات في ليبيا. أما ما يخص حكومة الوحدة الوطنية، التي تشكلت بناءً على عملية يسرتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بعد توافق برلين الدولي في عام 2021، فقد أشار باتيلي إلى أنها "أصبحت لاعباً رئيسياً في الغرب، ورغم التحديات المتزايدة التي تواجهها من القوى المتنافسة، فإن توسيع دورها يظهر حدودها ويثير شكوكاً في شرعيتها، ومع ذلك لا يزال لديها الاعتراف الدولي خلال المرحلة الانتقالية الحالية".

وفي ما يتعلق بسبب تفضيل بعثة الأمم المتحدة التعامل مع الأطراف الخمسة، أوضح أن "ذلك يعود إلى تقييم موضوعي للمشهد الليبي والواقع الجغرافي والجيوسياسي، مما يعكس التكوين الحالي للقوى على الأرض". وأشار إلى أن التنافس بين الأطراف الخمسة هو جوهر المشكلة، مؤكداً أن الحوار هو وسيلة متوازنة لحل شامل.

وعن البيان المشترك الصادر عن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب صالح عقيلة ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكاله، الذي صدر بعد اجتماع في القاهرة، أشار إلى تعقيداته وعدم اشتراك بعثة الأمم المتحدة فيه، مُبيِّناً أن مناقشاته الثنائية مع الأطراف المختلفة أظهرت تفسيرات متباينة ونقصاً في التفاصيل بشأن نتائجه، بالإضافة إلى عدم تأييد القادة الليبيين الذين لم يشاركوا في الاجتماع. وعبر كذلك عن مخاوف الليبيين، حيث "أصبحت بلادهم ساحة للتنافس الشرس بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية بدافع من المصالح الجيوسياسية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن المنافسة التي تمتد إلى ما هو أبعد من ليبيا وتتعلق بالشؤون الليبية". 

وأشار إلى تحذير مصرف ليبيا المركزي من أزمة سيولة وشيكة، حيث فُرضت ضريبة إضافية مؤقتة تصل إلى 27% على صرف العملات الأجنبية، مما أثار غضب الشعب غضباً كبيراً نتيجة لانخفاض قيمة الدينار الليبي في السوق الموازية وتقييد الوصول إلى العملات الأجنبية، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الطبية. وحث على "ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للممارسات الاقتصادية والمالية الضارة، واتفاق السلطات الليبية سريعاً على ميزانية وطنية ومعالجة النقائص الكبيرة". وعبر عن قلقه العميق إزاء وجود جهات مسلحة وأسلحة ثقيلة في العاصمة الليبية، معتبراً ذلك تهديداً كبيراً لسلامة السكان المدنيين.

المرتزقة وخروقات حقوق الإنسان

من جهة ثانية، أشار إلى عدم تسجيل أي انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار، على الرغم من التوجهات الداخلية المثيرة للقلق. ولكن، مع ذلك، ما زال التقدم في تنفيذ أحكام الاتفاقية معلقاً، خاصة في ما يتعلق بانسحاب المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة، نتيجة للجمود السياسي وعدم الاستقرار في البلدان الجنوبية المجاورة لليبيا. وأكد "تعزيز التنسيق مع لجنة المراقبة الفرعية ولجان الاتصال في ليبيا والنيجر وتشاد والسودان، بناء على طلب اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، مع توقع إطلاق برنامج تدريب مشترك في شهر مايو/أيار لتعزيز القدرات والثقة والتنسيق لعملية الانسحاب". وعبر عن قلقه بـ"شأن تزايد حالات الاختطاف والاختفاء والاعتقالات التعسفية في ليبيا، التي ترتكبها قوات الأمن من دون محاسبة في مناطق متفرقة من البلاد، مما يشوه الحريات الأساسية وينشر الرعب". وأعرب عن قلقه العميق إزاء "الوضع البائس للمهاجرين واللاجئين" في ليبيا، الذين يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان خلال عمليات الهجرة.

اتهامات أميركية وروسية 

وأثناء مداخلته أمام المجلس، شدد نائب السفير الأميركي، روبرت وود، على ضرورة وضع ميزانية موحدة وضمان الاستقرار، مؤكداً أن الاتفاق السياسي هو السبيل للخروج من الأزمة. كما أشاد "بجهود اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 وحث القوات على تأمين حدود ليبيا وتنسيق الجهود للحد من الجرائم في الجنوب". وأكد أن "توحيد الجيش أساسي لضمان سيادة البلاد"، وأعرب عن متابعته الوثيقة للأزمات في المنطقة، مشيراً إلى تهريب الأسلحة وتنقل المقاتلين وآثار عدم الاستقرار في ليبيا. ودعا المجلس إلى انسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من دون تأخير، معبراً عن القلق بشأن أنشطة فريق فاغنر الذي تدعمه روسيا والمعروف أنه مجموعة إجرامية دولية تهدد سيادة ليبيا والدول المجاورة.

من ناحيته، تحدث الدبلوماسي الروسي، ديمتري تريتياكوف، خلال مداخلته في الجلسة، عن أن "تحقيق التسوية المستقرة ما زال هدفاً بعيد المنال في ظل وجود حكومتين في ليبيا". وشدد على ضرورة إيجاد الحلول من دون فرض إملاءات خارجية، مع تأكيد تمثيل جميع القوى وممثلين من الحكومة السابقة. وأكد ضرورة إنشاء حكومة موحدة قادرة على تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، وتوفير الظروف الأمنية اللازمة لتحقيق ذلك.

المساهمون