يتجه المشهد الفلسطيني الداخلي إلى مزيد من التصعيد والتأزيم، إذ إن تطورات الساعات الأخيرة ستلقي بظلال قاتمة على الوضع العام، وستعيد الفلسطينيين إلى نقطة الصفر داخلياً، في ظل التراشق الإعلامي الأعنف منذ سنوات بين قطبي الانقسام.
وبدأ التراشق هذه المرة بكلمات غير عادية، وصف فيها الرئيس محمود عباس، حركة "حماس" بـ"الجواسيس"، بعدما منعت إيقاد شعلة انطلاقة حركة "فتح" في غزة، وتوعدها بمزيد من الإجراءات. وأشار إلى أن من "ينحرف عن الخط الوطني وإرادة الشعب سيكون في مزابل التاريخ". لكن "حماس"، التي تأخر ردها على عباس هذه المرة ليوم كامل، تأكدت، وفق معلومات "العربي الجديد"، أنّ لهذه التصريحات ما بعدها من قبل الرئاسة الفلسطينية، فردت ببيان هو الأعنف على الإطلاق، وصفت فيه الرئيس بأنه "شخصية مهزومة". وقالت "حماس"، في بيانها، إن العبارات التي أطلقها عباس "لا تليق برئيس، ولا يتشرف بها الشعب الفلسطيني المقدام، والتي عبرت عن حجم البؤس واليأس الذي يتملكه جراء السياسات الفاشلة التي اتبعها، والمواقف المدمرة التي اتخذها على مدار حكمه، وفرضها على الشعب وكل مكوناته، وأثرت على وحدته ورؤيته السياسية والنضالية المتعلقة بإدارة الصراع".
ويبدو تصاعد التصريحات والتراشق الإعلامي القاسي هذه المرة، نتيجة طبيعية لغياب الحوار واللقاءات بين الطرفين وحالة الاحتراب المستمرة بينهما، وإصرار كل منهما على موقفه من ملفات المصالحة والانتخابات، إلى جانب غياب الراعي المصري عن الملف وعدم إحرازه أي تقدم فيه رغم الجولات الأخيرة التي عقدها. ووفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ عباس اتخذ سلسلة قرارات ضد "حماس" وقطاع غزة، ولن يتوقف الأمر عند حل المجلس التشريعي والدعوة إلى انتخابات عامة (قد تُجرى في الضفة الغربية فقط)، بل سيصل الأمر إلى عقوبات جديدة وفصل عشرات الموظفين في القطاع المحاصر. ومنذ إبريل/ نيسان 2017، فرضت السلطة الفلسطينية عقوبات قاسية على القطاع، شملت إحالة آلاف الموظفين على التقاعد الإجباري، وتخفيض رواتب الموظفين بما يزيد عن 50 في المائة، وخفض فاتورة العلاج، ووقف دعم قطاعي الصحة والتعليم. وأدت هذه "الإجراءات"، التي تصفها الفصائل في غزة بـ"العقوبات"، إلى حالة من الانهيار الاقتصادي والمعيشي، وزجت بالعشرات من الموظفين في السجون نتيجة عدم استطاعتهم الوفاء بالتزاماتهم بأقساط لتجار محليين وبنوك. وقالت المصادر إنّ السلطة الفلسطينية بدأت رسمياً بفرز موظفيها في قطاع غزة، حسب الانتماء السياسي، وستقوم بفصل كل من يثبت أنه ليس من "فتح"، التي يتزعمها عباس، ومن ثم إحالة المتبقين من عناصر "فتح" إلى التقاعد الإجباري. ويستهدف هذا الفرز كل العناصر الموالية لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وكل من تثبت عليه مخالفة تعليمات السلطة الفلسطينية وقيادة "فتح". وسيصدر عباس قراراً بمنع الموظفين المتقاعدين من العمل في الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تشرف عليها "حماس"، تحت طائلة المسؤولية والتهديد بالفصل والإقصاء، وفق المصادر ذاتها.
وأوضحت المصادر أنّ عباس أصدر أمراً بوقف جميع الاتصالات مع حركة "حماس"، حتى الاتصالات الثنائية التي كانت تدور بين أعضاء في اللجنة المركزية لحركة "فتح" مع قيادات "حماس" في الخارج، وقرر بشكل نهائي عدم الذهاب إلى أي حوار مع "حماس" دون "تسليمها قطاع غزة كاملاً للسلطة". ولن تذهب "حماس" إلى خيار تسليم قطاع غزة للسلطة. وحتى في أوج أزمتها المالية والاقتصادية والأوضاع القاسية في غزة، فإنها لم تفعل ذلك، ولن تفعل ذلك اليوم وهي تلقى الدعم لفرض الهدوء على الحدود في ظل ما أحدثته مسيرات العودة من حراك حول القطاع.
وفي السياق ذاته، قال مسؤول قريب من حركة "فتح"، لـ"العربي الجديد"، إنّ عباس سيذهب إلى الجامعة العربية وسيطلب "إجبار حماس" على الذهاب للانتخابات العامة عقب حل المجلس التشريعي، وسيكون هذا الملف جزءاً رئيسياً من خطابه في اجتماع القمة العربية في تونس في مارس/ آذار المقبل. وأوضح أنّ عباس، بدعم من أعضاء اللجنة المركزية والتنفيذية لمنظمة التحرير، سيذهب إلى كل الخيارات لـ"إجبار" حركة "حماس" على "تغيير سلوكها" وتسليم القطاع للحكومة.
من ناحيته، أكد عضو المجلس التشريعي عن حركة "حماس"، يحيى موسى، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المطلوب من الكل الوطني الوقوف في وجه أي إجراءات ضد القطاع، والوقوف بحزم أمام سياسة التفرد التي ينتهجها عباس". وقال موسى إنّ القضية لم تعد قضية انقسام داخلي بين "فتح" و"حماس"، وإنما "هناك فريق خرج من حدود الوطنية بشكل كامل، ورضي أن يكون خنجراً في ظهر الشعب الفلسطيني، وتهيئة البيئة لصفقة القرن، وتفكيك الجغرافيا والتاريخ"، معتبراً أن "القضية اليوم أصبحت بين هؤلاء وبين الشعب الفلسطيني ككل".