عامان على جريمة اغتيال الخبير والباحث الأكاديمي العراقي هشام الهاشمي أمام منزله في حي زيونة شرقي بغداد، بعد خروجه من مقابلة تلفزيونية انتقد فيها أنشطة الجماعات المسلحة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ ومهاجمة البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء ببغداد، واصفاً إياها بـ"قوى اللادولة"، في السادس من يوليو/ تموز، عام 2020، محدثاً صدمة في الأوساط السياسية والمجتمع العراقي ككلّ، والمتظاهرين الذين وجدوه داعماً للاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاحات.
وعلى الرغم من ظهور القاتل واعترافه بتنفيذ الجريمة خلال شهادة بثتها وزارة الداخلية العراقية، إلا أن محاكمته لا تزال تشهد عرقلة مدعومة سياسياً، لا سيما وأنه ينتمي إلى فصيل مسلح يوالي إيران بشكلٍ علني.
وأسهم الهاشمي في نظرياته ومؤلفاته ودراساته، ومداخلاته الصحافية، بدعم الأجهزة الأمنية خلال سنوات الحرب على تنظيم داعش، الذي اجتاح نحو ثلث مساحة العراق بين عامي 2014 و2017، كما دعم خطاب الدولة، وكان أول المؤيدين لتحجيم الفصائل المسلحة والمليشيات، وقطع الإمدادات عنها من دعمٍ معنوي أو مالي من خارج العراق، كما عمل مستشاراً في الحكومة والبرلمان، إضافة إلى كتابة عشرات المقالات التي تحدث فيها عن "داعش" والسلاح المنفلت، والغرف الاقتصادية الخاصة بـ"الحشد الشعبي"، وخطورة وجود المليشيات على مدنية الدولة واستقلال القضاء وسيادة القانون.
ويُطالب العراقيون بمحاسبة منفذ عملية الاغتيال أحمد الكناني، وهو ضابط برتبة ملازم أول في وزارة الداخلية، اعتُقل عقب الاغتيال بأسابيع، وظهر على شاشة قناة "العراقية" الرسمية، معترفاً بجريمته، في 16 يوليو/ تموز العام الماضي، لكنه اختفى بعد ذلك، وتأجلت محاكمته عدة مرات، وهو ما يفسره مراقبون على أنه تمييع للقضية لصالح الجهات المتورطة بالقتل، حيث تتوجه أصابع الاتهام إلى مليشيا "كتائب حزب الله"، التي نفت أن تكون وراء الجريمة.
وتأجلت محاكمة الكناني (37 عاماً) أول مرة في يناير/ كانون الثاني، وتداول ناشطون عراقيون ومصادر صحافية معلومات تفيد بتهريبه من مقر اعتقاله في العاصمة بغداد إلى إيران، وهو ما لم تؤكده أو تنفه الدوائر القضائية والتحقيقية الرسمية، فيما جرى التأجيل الثاني في 22 فبراير/شباط الفائت، ثم حُدد 17 مايو/ أيار الماضي موعداً لجلسة جديدة، لكنها تأجلت أيضاً، بسبب عدم حضور الكناني إلى قاعة المحكمة.
ومن المفترض أن تعقد المحكمة جلستها نهاية يوليو/ تموز الجاري، لكن مصدراً قضائياً قال لـ"العربي الجديد"، إن "جهات سياسية وفصائل مسلحة تضغط باستمرار من أجل تأجيلها، بحجة عدم كفاية الأدلة، ومحاولة إعادة التحقيق معه، لكن في الحقيقة هناك ضغوط على مستويات عليا، تتم لاستمرار إعلان المزيد من التأجيل في القضية، وهذه طريقة تعتمدها جهات متورطة في القضية في سبيل تمييع الملف".
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، أن "هناك جهات سياسية ترعى تأجيل المحاكمة، إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة بواسطة قوى الإطار التنسيقي، من أجل محاولة الطعن بقرارات الحكم الذي سيصدر بحق القاتل"، مبيناً أن "قضية الهاشمي تتمتع بأهمية كبيرة لدى القضاء العراقي، وهي جزء من لجنة تحقيقية كان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قد شكّلها بنفسه، ويدخل على خط التنسيق فيها جهاز المخابرات وهيئة الحشد الشعبي".
وبالنسبة للحديث عن تهريب القاتل إلى خارج العراق، فقد أشار المصدر إلى أنه "غير صحيح، وأن الكناني معتقل في سجن محصن شرقي بغداد".
في السياق، تحدَّث أحد أفراد عائلة الهاشمي، مع "العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، لافتاً إلى أن "قضية الهاشمي كان لا بد أن تأخذ أكبر من الحجم الحالي، لأنه كان يخدم العراقيين والسلطات الأمنية بالمعلومات عن التنظيمات الإرهابية والتحليل السياسي، وكان مقرباً من معظم قادة الأحزاب الحالية والمسؤولة في الدولة، لكن للأسف وجدنا أن غالبيتهم تنصل من دعم قضيته، وهناك تماهٍ مع القتلة الذين اعترفوا بجريمتهم"، متسائلاً: "هل هناك حاجة إلى معرفة أدلة أكثر وقد اعترف أحمد الكناني بأسماء جميع من كانوا معه في عملية اغتيال الهاشمي؟"، مبيناً أن "التأجيلات لمحاكمة القاتل برفقة المتورطين، دليل على تماهي السلطات مع القتلة".
وكان النائب المستقل سجاد سالم، قد طالب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بإصدار توضيح حول حقيقة "هروب" المتهم بتنفيذ عملية اغتيال الباحث هشام الهاشمي. وقال سالم عبر "تويتر"، إنّ "التقارير الصحافية التي تتحدث عن هروب قاتل الشهيد هشام الهاشمي خطيرة، وإن الحكومة مطالبة بتوضيح للرأي العام"، مضيفاً: "لا يعقل أنّ خبراً كهذا يمرّ على مسامع القائد العام للقوات المسلحة ولا يوجد نفي حتى الآن".
من جهته، لفت النائب المستقل باسم خشان، إلى أن "تأجيل محاكمة أي متهم، يفقد ثقة العراقيين بالقضاء العراقي، فكيف إذا كان هذا المتهم قد اعترف عبر الإعلام بجريمته التي أسفرت عن مقتل رجل عراقي مهم على المستوى السياسي والأمني مثل هشام الهاشمي؟"، متابعاً: "بالتالي فإن التساؤلات تبرز عن مصير المتهم وهروبه ووجوده في العراق أو عدمه، بسبب الغموض في التعامل مع هذه المحاكمة، وعدم وجود شفافية من قبل القضاء في الحديث عنه".
وبيّن في اتصالٍ هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "جهات سياسية تخشى من المحاكمة، ربما لأنها تخشى من أن تتهم أو ربما أنها متهمة فعلاً، ولا تريد مزيداً من الضغط الشعبي والجماهيري ضدها". وأضاف خشان أن "ما يُشاع في الصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بين الناشطين، عن هروب المتهم بدعم جماعة مسلحة معروفة، هو أمر يستدعي التحقيق الجاد، لأن في ذلك تجاوزا على القانون واستهتارا بقراراته والدم العراقي، وأن الأجهزة الأمنية والتحقيقية والقضائية، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مطالبون جميعهم بالتحري عن هذه المعلومات".
بدوره، أشار الناشط السياسي أيهم رشاد، إلى أن "الهاشمي كان صديقاً مقرباً من الكاظمي، وأن الأخير لم يتحرك، غير أنه دعا إلى تشكيل لجنة تحقيق، ثم اختفت كل جهوده في متابعة القضية، وهناك معلومات كثيرة تفيد بأن المتهم جرى تهريبه إلى خارج العراق بواسطة مليشيا مسلحة، بالتالي نحن أمام إشكالية ولغز لا بد من حلّه"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قضية الهاشمي كان يراد منها إسكات الأصوات الوطنية المدافعة عن حقوق العراقيين والسيادة وعدم المساس بالمحتجين، وأن الهاشمي أبرز هذه الأصوات".