طموحات جونسون تتجاوز "داونينغ ستريت" إلى قيادة حلف الأطلسي

27 يوليو 2022
جونسون يسعى لإنقاذ مستقبله السياسي (بيتر نيشولس/أ ف ب)
+ الخط -

في خضم السباق الذي يخوضه المرشّحان ليز تراس وريشي سوناك لتولي منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، نشرت صحيفة "ذا تليغراف" أمس، تقريراً مختصراً ويفتقر للكثير من المعلومات والتفاصيل حول توقّعات بترشّح رئيس الحكومة المستقيل بوريس جونسون لمنصب أمين عام حلف شمال الأطلسي.

ولا يبدو توقيت نشر هذه المعلومة التي رفض "داونينغ ستريت" التعليق عليها، بريئاً من الأزمة التي يعيشها جونسون كزعيم أجبر على الاستقالة.

وتشير كل المعطيات إلى أن جونسون لم يبتلع هذه الخيبة بعد ولا يزال في حالة إنكار ومقاومة لفكرة أنه بات خارج اللعبة السياسية، حيث نشرت الصحيفة ذاتها قبل يومين تسريبات عن نيّته البقاء في منصبه وترحيبه بالحملة التي أطلقها قبل أسبوع أمين الصندوق السابق في حزب المحافظين والصديق المقرّب منه كروداس شورديتش تحت عنوان "أعيدوا بوريس جونسون".

هذا بالإضافة إلى تسريبات صحفية عن اصطفاف جونسون والمقرّبين منه مع ليز تراس في معركتها ضد ريشي سوناك لأسباب عديدة منها "خيانة" الأخير و"الطعنة" التي وجّهها لجونسون من خلال استقالته، وأيضاً لأن تراس ستحفظ كرئيسة حكومة أسرار جونسون وستعفيه من فضائح جديدة، لكن الأهم أن فوزها في السباق قد يتيح له البقاء في الحكومة حتى وإن كان ذلك في الصفوف الخلفية، وربما يحظى بفرصة الترشّح مجدّداً لمنصب رئيس الوزراء.  

في هذا السياق، لا يمكن النظر إلى إمكانية ترشّح جونسون لمنصب الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي بمعزل عما يدور في أروقة السياسة الداخلية وفي داونينغ ستريت تحديداً.

ويبدو أن جونسون لم يتخلّ بعد عن القضية الأوكرانية بصفتها المنقذ له والمخلّص من الأزمات الداخلية، وفي الواقع، لم يعد يملك سواها بعد أن فقد المنصب والسمعة و"الإرث" الذي كان ينوي الحفاظ عليه حتى العام 2030.

جونسون ليس الوحيد المعني بالاتّكاء على أوكرانيا للخروج من محنته، إذ يقف معه أيضاً كثير من أعضاء حزبه وكثير من النوّاب الأوكرانيين كالنائب أوليكسي غونشارينكو الذي لم يتأخّر في 16 يوليو بالتغريد متمنيّاً لجونسون عيد ميلاد سعيدأ على أمل "أن نحتفل بعيدك العام المقبل على أنقاض الكرملين"، مرفقاً تغريدته بآيات الشكر على "القيادة القوية" و"الدعم غير المحدود" لأوكرانيا.

وغونشارينكو بحسب "ذا تليغراف" هو أول من دعا وضغط من أجل ترشّح جونسون لهذا المنصب الرفيع الذي يعدّ اليوم أكثر من أي وقت مضى واحداً من أبرز الأدوار على المسرح العالمي.

وبذلك قد يتحوّل الموقع الذي يدافع منه جونسون عن أوكرانيا، من مقرّ "داونينغ ستريت" إلى مقرّ الأمين العام للحلف.

وسبق لجونسون الذي وصفه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أكثر من مناسبة بـ"البطل"، أن عُيّن مواطناً فخرياً في أوديسا تقديراً للدعم "غير المحدود" الذي قدّمه. ويرى غونشارينكو أن جونسون هو الأنسب لخلافة الأمين العام الحالي ينس ستولتنبرغ في سبتمبر/أيلول العام المقبل، لأنه "يفهم التحديات التي يواجهها الناتو والغرب" كما أن من شأن تولّيه هذا المنصب أن يساهم في استمراره أكثر فأكثر في دعم أوكرانيا "ضد هتلر القرن الواحد والعشرين" ودعم أعضاء الأطلسي وأهداف الحلف.  

من جهته، أشاد وزير القوات المسلحة السابق مارك فرانسوا بهذه الخطوة مذكّراً بسجلّ جونسون في الدفاع عن أوكرانيا، وقال فرانسوا "من المحتمل أن يتجادل كثيرون حول إرث جونسون خلال السنوات الماضية، لكن ما لا جدال فيه هو دعمه المطلق لأوكرانيا في مواجهة الهمجية الروسية".

كما اعتبر فرانسوا أن "البلدان التي تقف على خط المواجهة مع روسيا تتطلّع إلى بريطانيا بلا شك من أجل القيادة في قارتنا أكثر مما تتطلّع إلى فرنسا وألمانيا اللتين انضمّتا إلى روسيا".

ويأتي حديث فرانسوا وسط الكثير من الشكوك حول الموقف الفرنسي المحتمل من خطوة كهذه، واحتمال استخدام فرنسا حق الفيتو في وجه أكثر رؤساء الحكومات البريطانية المتعاقبة إثارة للجدل داخلياً وأيضاً خارجياً بعد "بريكست" وما تلاه من تداعيات.  

على النقيض من ذلك، اعتبر الرئيس السابق للجيش البريطاني ريتشارد دانات في حديث لصحيفة "ذا تليغراف" أن الترشّح لهذا المنصب "لا يتعلّق فقط بالدعم الكبير الذي قدّمته حكومة جونسون لأوكرانيا، بل أيضاً بأمور شخصية وبالتالي سيعيق الافتقار للثقة والنزاهة طموحات جونسون القيادية خارج الحدود كما كان الحال داخلها"، مضيفاً "إنه إحراج وطني، لا نريد المزيد من الفضائح والسخرية على الساحة الدولية".  

يُذكر أن ترشيح جونسون لو صحّ الخبر، يأتي بعد الحديث عن ترشيح وزير الدفاع البريطاني بن والاس الذي كانت حظوظه ستكون وافرة بعد الاستجابة العسكرية التي ترأسّها ردّاً على الغزو الروسي. والبعض يعزو انسحابه من السباق إلى رئاسة الحكومة بعد استقالة جونسون، إلى تطلّعه لتولّي منصب الأمين العام لحلف الناتو.   

وبعد تسريب هذا الخبر لا يمكن تجاهل الوصايا الثلاث التي قدّمها جونسون أمام مجلس العموم قبل أسبوع لمن قد يخلفه في منصبه "حافظ على القرب مع الولايات المتحدة الأميركية، دافع عن الأوكرانيين، دافع عن الحرية والديمقراطية في كل مكان".

وتبدو هذه الوصايا متصّلة بطموحه القيادي على الساحة الدولية أكثر من الساحة الداخلية. فالترشّح لمنصب رفيع كهذا، يتطلّب دعم الولايات المتحدة أكثر من دعم فرنسا.  

وكان من المقرر تعيين رئيس جديد لحلف شمالي الأطلسي في سبتمبر من هذا العام، إلا أن أزمة أوكرانيا أجّلت الأمر حتى العام المقبل. وكانت بريطانيا قد قدّمت ثلاثة أمناء عامين في تاريخ الحلف هم: لورد إسماي (1952-1957)، لورد كارينغتون (1984-1988) وجورج روبرتسون (1999-2003).

المساهمون