طرق الفرار مغلقة على جبهة أوكرانية جديدة.. هل فات الأوان؟

22 أكتوبر 2022
تضامن أوروبي متواصل مع أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

قد لا ترى المولودة الجديدة التي لُفّت ببطانية وردية في مستشفى على الضفّة الشمالية لنهر دنيبر في أوكرانيا، جَدَّيها في الجنوب الذي ضمّته روسيا.

هربت والدتها، واختارت الأمان النسبي في مدينة زابوريجيا التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، حيث ولدت الطفلة الأوكرانية في بلدٍ غزاه الروس قبل ثمانية أشهر.

بقي جدّاها على الضفة الأخرى من النهر.

تقول أناستازيا سكاشكو (البالغة 19 عاماً): "ربما فات عليهم أوان الفرار"، موجّهة نظرها إلى طفلتها التي لم تسمها بعد. وتضيف: "لا أريدهم حتى أن يحاولوا. الطرقات إما ملغومة وإما مستهدفة بالقصف".

وصل الهجوم الأوكراني المضاد، الذي شهد تنازل الروس عن معظم الأراضي المحتلّة في الشمال، إلى الجنوب الاستراتيجي.

تشبُّث

تتشبّث القوات الروسية المحبطة بالمنطقة الجنوبية من خيرسون (جسر برّي أتاح للكرملين الوصول إلى شبه جزيرة القرم التي تم ضمّها) وتقصف الأوكرانيين الذين تقدّموا بقوة متجددة.

يدمّر القتال البلدات على طول النهر، ويسدّ طرق الإجلاء التي استخدمتها العائلات في بداية الحرب.

تروي أناستازيا سكاشكو أنّها تمكّنت من التحدّث إلى والدتها عبر "واتساب" لتخبرها بأنها أصبحت جدّة. ولكن رقم الهاتف بدأ برمز الاتصال الدولي الروسي +7 بدلاً من رمز الاتصال الأوكراني +38.

قطع الروس بالفعل خطوط الهاتف التابعة للنظام الأوكراني لتثبيت سلطتهم وقطع تدفّق المعلومات.

تقول أناستازيا: "من الصعب القول ما إذا كانت سترى الصغيرة في يوم من الأيام". وتضيف: "كلانا يعرف ذلك. ولكن أيّاً منّا لم يرغب في التحدّث عن الأمر عبر الهاتف".

سجن مفتوح

تجعل الأحكام العرفية التي فرضتها قوات الكرملين على الأراضي التي تدعي روسيا أنها أراضيها، الحياة اليومية أكثر صعوبة. أغلقت روسيا آخر نقطة تفتيش في الجنوب لمنع الناس من الفرار إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية.

كما نُقل بعض المدنيين بالحافلة بعيداً عن الجبهة، إلى مناطق خاضعة للسيطرة الروسية، في خطوة يصفها الأوكرانيون بالترحيل القسري.

وصف عدد من الأشخاص الذين تمكّنوا من الوصول إلى بلدة زابوريجيا، عبر التفاوض مع الجنود، الحياة هناك بأنّها سجن مفتوح.

ويمكن للصحافيين التوجّه إلى المنطقة فقط في إطار الزيارات التي يشرف عليها الكرملين بعناية.

تقول أولكسندرا بويكو التي تتحدّر من مدينة ميليتوبول المحتلة، وتمكّنت من الفرار مع ابنتها: "هناك جنود مع كلاب ومدافع رشاشة في كلّ زاوية من الشارع"، مضيفة "معظمهم من الشيشان".

اعتمد الكرملين على جيش الزعيم الشيشاني رمضان قديروف للسيطرة على بعض الأراضي المحتلّة.

يصف الأشخاص الذين تمكّنوا من الفرار هؤلاء الجنود بأنّهم خارجون عن القانون. وتقول نتاليا فولوشينا التي تتحدّر من بيرديانسك المحتلّة: "رجال داغستان (المجاورة) ألطف بقليل، ولكن رجال قديروف متوحّشون بكل بساطة".

ضغط نفسي

يشير كثيرون إلى الضغط النفسي المرتبط بالغزو. وتقول النساء اللواتي تحدّثت إليهن وكالة "فرانس برس"، إنّ المسؤولين الذين عيّنهم الكرملين يوظّفون أو يساعدون فقط من يتخلّون عن جنسيّتهم الأوكرانية للحصول على الجنسية الروسية.

وتوضح نتاليا فولوشينا: "يقولون لكم، إما أن تعملوا معنا، وإما لن تحصلوا على شيء. أجبتهم بكلا على الفور".

عُرضت على أولكسندرا بويكو "مبالغ ضخمة" إذا سجّلت طفلتها البالغة أربعة أشهر مواطنة روسية. غير أنّ بويكو المتحدّرة من ميليتوبول توضح: "قلت كلا من حيث المبدأ. أنا أوكرانية. يجب أن تكون (ابنتها) أوكرانية".

وتضيف: "البعض يقبل بذلك لأنّه لا عمل تقريباً، ولا يقومون بتوظيفك بدون جواز سفر روسي"، متسائلة: "إذا لم يكن هناك شيء للأكل، فماذا يمكنك أن تفعل غير ذلك؟".

"تسونامي هجرة جديدة"

إلى ذلك، حذر رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال من "تسونامي هجرة جديدة" إذا واصلت روسيا هجماتها على البنى التحتية المدنية لبلاده، في مقابلة تنشر الأحد.

اتهم شميغال، الذي من المقرر أن يشارك في المنتدى الاقتصادي الألماني الأوكراني في برلين الاثنين، موسكو بالسعي إلى "إغراق أوكرانيا في كارثة إنسانية"، وفقاً لمقتطفات نُشرت بشكل مسبق من مقابلة مع صحيفة "فرانكفورتر الغيماينه تسايتونغ" الألمانية تصدر الأحد.

وقال: "إذا لم يعد هناك كهرباء ومياه في أوكرانيا، فقد يؤدي ذلك إلى تسونامي هجرة جديدة".

وحذر من أن روسيا تريد "منح أوكرانيا شتاءً قارساً قد يموت فيه الناس حرفياً من البرد. وقد يؤدي ذلك إلى كارثة إنسانية مخطط لها لا مثيل لها في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية".

من أجل إعادة إعمار أوكرانيا، دعا شميغال إلى استخدام الأصول الروسية المجمدة في الخارج. وقال إن الأضرار الناجمة عن الهجوم الروسي تبلغ حالياً "أكثر من 750 مليار دولار" مشيراً إلى وجود أصول روسية مجمدة تتراوح قيمتها بين 300 مليار و500 مليار دولار. وأضاف: "علينا تطوير آلية لمصادرة الأصول الروسية".

بعد المنتدى الاقتصادي الألماني الأوكراني، الاثنين، حيث سيلقي الرئيس فولوديمير زيلينسكي كلمة عبر الفيديو، يُعقد الثلاثاء مؤتمر دولي لإعادة إعمار أوكرانيا في برلين.

ومن المقرر أن يلتقي شميغال، الثلاثاء، وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت، لبحث تسليم شحنات أسلحة جديدة محتملة، على ما ذكر متحدث باسم الوزارة.

(فرانس برس، العربي الجديد)