تتوالى منذ أسابيع اللقاءات بين المسؤولين الأميركيين والفلسطينيين، التي تتركز بمضمونها على الضغط على السلطة الفلسطينية لقبول تهدئة مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تصاعد وتيرة اعتداءات الاحتلال، مقابل تنامي عمليات المقاومة في الضفة الغربية، لكن مصدراً أمنياً مطلعاً أكد لـ"العربي الجديد" أن الولايات المتحدة لا تملك أية ضمانات بالتزام إسرائيلي كامل.
يقول عضو اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" أحمد مجدلاني في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "الهدف من زيارة الوفد الأميركي للضفة الغربية ولقاءاته مع القيادة الفلسطينية، هو الضغط لقبول هدنة للتهدئة مع إسرائيل مدتها من 3 إلى ستة أشهر، لكن القيادة الفلسطينية تشترط أن تكون أي تهدئة مرتبطة بأفق سياسي".
ويوضح مجدلاني أن المسؤولين الأميركيين أكدوا أن فريقاً من كبار المسؤولين سيتابع مع الفلسطينيين، ومع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ما يتصل بالإجراءات أحادية الجانب، وما هي الأولويات بالنسبة إلى الفلسطينيين.
ويقول مجدلاني: "إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يريد تهدئة، والأميركيون لا يريدون أن تصل الأمور إلى حافة الانفجار، لأن مصالحهم في العالم ستتضرر حينها، ورغم علمهم بالحكومة الإسرائيلية الجديدة وبرنامجها المتطرف، إلا أن الأسهل والأقل كلفة بالنسبة إليهم هو الضغط علينا وليس على حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لذا فإن المطالب الأميركية واضحة بالتهدئة، وضبط الوضع الأمني، وعودة التنسيق الأمني مع إسرائيل".
لكن المصدر الأمني الفلسطيني المطلع، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، يقول في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "القيادة الفلسطينية طلبت ضمانات على تراجع إسرائيل عن اقتحامات مناطق (أ) حسب اتفاقية أوسلو، أي المدن والبلدات الفلسطينية، ووقف التصعيد والاغتيالات اليومية، وتجميد الاستيطان ولجم المستوطنين".
ويتابع المصدر نفسه: "كان رد جميع المسؤولين الأميركيين الذين حضروا إلى رام الله في الأسابيع الماضية وحتى اليوم، واضحاً، وهو لا نستطيع أن نعطي ضمانات أن إسرائيل ستلتزم 100% لكنها يمكن أن تلتزم بنسبة ما".
ويضيف المصدر أن "زيارة وزيري الخارجية المصري والأردني أمس الاثنين، ولقاءهما الرئيس محمود عباس، صبّا في الهدف نفسه، وهو إقناع القيادة الفلسطينية بالتهدئة، دون ذكر تفاصيل محددة حول ما تتضمنه التهدئة".
وبحسب المصدر الأمني، فإن الولايات المتحدة معنية بتهدئة تتواصل حتى شهر رمضان المبارك، الذي يتوقع أن تعود الأمور فيه للتصعيد حسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية.
واجتمع عباس ببلينكن يوم أمس الثلاثاء، فيما اجتمع أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" حسين الشيخ، اليوم الأربعاء، في رام الله، مع مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، ونائبها هادي عمرو، وكيم هارينغتون من الأمن القومي.
وبحسب مصادر سياسية مطلعة لـ"العربي الجديد"، فإن الشيخ بحث اليوم مع الوفد الأميركي الذي ترأسه ليف، الأولويات الفلسطينية التي سيبحثها المسؤولون الأميركيون مع حكومة الاحتلال، ليتم وقفها حسب الطلب الفلسطيني، وهي: العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع ما قبل سبتمبر/ أيلول 2000، تجميد الاستيطان، وقف مصادرة الأراضي والموارد الطبيعية، وقف هدم البيوت، وقف الترحيل، والاغتيالات، وأية إجراءات تخل بالوضع القائم في القدس والأماكن المقدسة، والتوقف عن قرصنة عائدات الضرائب الفلسطينية.
وفي هذا السياق، يؤكد عضو تنفيذية المنظمة، أحمد مجدلاني، أن "الرئيس عباس قدّم إلى وزير الخارجية الأميركية 36 انتهاكاً إسرائيلياً، منها خمسة تجحف بملفات الحل النهائي، كما وردت في اتفاق أوسلو، وهي: القدس، والاستيطان، والحدود، والمياه، واللاجئين".
ويقول مجدلاني: "هناك إجراءات أحادية الجانب قامت بها إسرائيل، لها علاقة بالاتفاقيات الانتقالية والترتيبات الأمنية المشتركة، واتفاق باريس الاقتصادي، مثل حجز عائدات الضرائب".
وبحسب مجدلاني، "فإن الرئيس عباس كان واضحاً خلال لقاءاته بجميع المسؤولين الأميركيين، وأكد مطالبه بوقف الإجراءات أحادية الأجانب التي تجحف بحل الدولتين، وأن أية تهدئة يجب أن تكون مرتبطة بأفق سياسي، ولن نعود عن إجراءاتنا وقراراتنا ما لم تتوقف جميع الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب".
ويقول مجدلاني: "إن المسؤولين الأميركيين طلبوا من الرئيس عباس وقف الإجراءات الفلسطينية أحادية الجانب، وأهمها وقف خطوة الذهاب إلى محكمة العدل الدولية، والخطوة التي أعلنها يوم الخميس الماضي، بأن التنسيق الأمني لم يعد قائماً، والاستعداد للانضمام إلى عدد من المنظمات الدولية لا تريد الإدارة الأميركية من الفلسطينيين الانضمام إليها، مثل: منظمة حماية الملكية الفكرية، منظمة الطيران العالمية، منظمة الصحة العالمية، وغيرها".
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية لقاءات متسارعة بين المسؤولين الأمنيين الأميركيين والرئيس محمود عباس، حيث التقى عباس مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مرتين في رام الله خلال أقل من شهر، الأول في 22 ديسمبر/ كانون أول، والثاني في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، ثم التقى عباس مدير جهاز المخابرات العامة الأميركية وليام بيرنز، في 29 يناير الماضي.
ويقول المصدر الأمني لـ"العربي الجديد"، إن "فكرة التهدئة عرض أميركي حمله لأول مرة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في ديسمبر الماضي، وكل ما يهمّ الأميركيين، توقف الخطوات الفلسطينية الدولية، وأهمها خطوة الذهاب للعدل الدولية، وإنهاء المجموعات المسلحة الفلسطينية في جنين ونابلس بتسويات أمنية ومالية".
وفي جميع اللقاءات، تركزت المطالب الأميركية حول التهدئة في الضفة الغربية، ووقف القيادة الفلسطينية لخطواتها الدولية، وخصوصاً خطوة الذهاب للحصول على استشارة من محكمة العدل الدولية، وإنهاء وجود المجموعات المسلحة كـ"كتيبة جنين" في مخيم جنين، و"عرين الأسود" في نابلس.
وفي 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً من محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً بشأن "التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية"، الأمر الذي أغضب حكومة الاحتلال الإسرائيلي.