ضباط في النظام السوري يتقاضون مبالغ ضخمة لتسهيل خروج مطلوبين ومدانين

17 اغسطس 2024
جنود من جيش النظام في حماة، سبتمبر 2019 (ماكسيم بوبوف/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **فضائح الفساد في النظام السوري**: تورط ضباط وعناصر من الأجهزة الأمنية السورية في شبكة فساد تتضمن تقاضي مبالغ مالية ضخمة لتسهيل خروج المطلوبين من البلاد أو رفع أسمائهم من قوائم المطلوبين. تم إحالة نحو 50 عنصراً وضابطاً للتحقيق.

- **أسباب الكشف عن الفساد**: التناحر بين المسؤولين الأمنيين ساهم في الكشف عن الشبكة، حيث أظهرت التحقيقات إلغاء بلاغات التوقيف مؤقتاً مقابل مبالغ مالية.

- **التسويات والضغوط الأمنية**: لجأ النظام إلى "التسويات" لتسوية أوضاع المطلوبين، لكن هذه التسويات لم تشمل الجميع، مما دفع المطلوبين للجوء إلى وسطاء وضباط مقابل مبالغ مالية.

تخرج إلى العلن في هذه الأيام وقائع عن فساد النظام السوري. أحد أبرز أشكال الفساد ذاك تقاضي ضباط الأجهزة الأمنية مبالغ مالية ضخمة في مقابل تسهيل خروج أشخاص متهمين من قبلها إلى خارج البلاد أو رفع أسمائهم عن كشوف المطلوبين. وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة السورية دمشق لـ"العربي الجديد"، أن النظام أحال ضباطاً وعناصر في أجهزته الأمنية إلى التحقيق في سياق الكشف عن فساد النظام السوري أخيراً. وبحسب المصادر، أحال مكتب "الأمن الوطني"، وهو السلطة الأمنية العليا المشرفة على كل الأجهزة الأمنية وفروعها في المحافظات، قبل أيام، نحو 50 عنصراً وضابطاً من مرتبات الفرع 255 التابع لإدارة المخابرات العامة في دمشق للتحقيق، وأوقف العديدين منهم، وذلك إثر كشف شبكة فساد تقوم بإلغاء بلاغات توقيف ومراجعة بحق المواطنين السوريين في مقابل عمولات كبيرة بالدولار. وأضافت المصادر أن التقديرات الأولية كشفت عن تقاضي مبالغ تزيد عن سبعة ملايين دولار، خلال أشهر قليلة، من قبل ضباط كبار في هذه الأجهزة، وأنه تم توقيف عدد كبير منهم، ومن بينهم مدير مكتب رئيس الفرع، وآخرون يتبعون لأفرع في محافظات حلب واللاذقية ودرعا، وتم استدعاء ضباط كبار متقاعدين للتحقيق معهم، منهم رئيس فرع سابق.

تُلغى بلاغات لمدة يومين أو أسبوع حتى يغادر المطلوبون البلاد

أسباب كشف فساد النظام السوري

وكشفت المصادر أن من أسباب كشف فساد النظام السوري هو تشعّب الخلافات والتناحر بين المسؤولين الأمنيين في الإدارات والأفرع الأمنية المتعددة وذات المهام المتشعبة والمتداخلة. وتطرقت المصادر إلى إحدى القضايا بالكشف أن محامية تعمل لصالح إحدى الإدارات الأمنية طلبت قبل أيام مثول أحد الأشخاص المدعى عليهم أمام القضاء وهو ممنوع من السفر وفق بلاغ أمني، ليتبين لها أنه غادر البلاد بشكل نظامي بعد إلغاء بلاغ المراجعة للفرع 255، على الرغم من وجود تعميم على كافة المنافذ الحدودية باسمه، لتبدأ إثر ذلك عملية كشف شبكة فساد. وقالت المصادر إن التحقيقات كشفت أن هناك بلاغات تلغى لمدة يومين أو أسبوع حتى يغادر المطلوب البلاد، ومن ثم يعود اسمه للقائمة مقابل مبالغ تبدأ بخمسة آلاف دولار وصعوداً. وختمت المصادر بالقول: إن القصر الجمهوري ومكتب الأمن الوطني يريدان إقفال الملف بسرعة، لا سيما بعد تسريب معلومات عن وجود رؤساء أفرع أمنية على رأس عملهم داخل هذه الشبكات، وأن الأمر لا يقتصر فقط على المخابرات العامة (أمن الدولة)، بل يشمل بقية الأجهزة الأمنية، ومنها شعبة المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية والأمن السياسي.

ولجأ النظام خلال السنوات القليلة الماضية إلى ما سُمّي بـ"التسويات" لأوضاع المطلوبين للأجهزة الأمنية والقضائية بقضايا تشمل الإرهاب أو التخلّف والفرار من الخدمة الإلزامية في قواته، مانحاً فرصاً زمنية للتسوية ثلاثة أشهر، ولكن هذه التسويات لم تشمل الكثير من المطلوبين أو كانت مشروطة بمراجعة أحد الفروع الأمنية، لهذا لجأ المطلوبون للأجهزة الأمنية إلى وسطاء مأجورين وسماسرة ومحامين وعناصر وضباط يخدمون في الفروع الأمنية لرفع أسمائهم من قوائم المطلوبين للأجهزة الأمنية. في هذا الشأن، يقول أحد المطلوبين الذين دفعوا مبالغ طائلة لوسطاء من أجل حذف أسمائهم من كشوفات المطلوبين إن هناك أعداداً كبيرة من المحكومين غيابياً بالإعدام أو بأحكام مختلفة تصل للمؤبد بتهم التآمر على النظام أو المشاركة في أعمال الإرهاب وغيره، قد سوّيت أوضاعهم بالكامل وحصلوا على كل أوراقهم الثبوتية الشخصية، بعد اتفاق مع الأجهزة الأمنية، خصوصاً في مناطق ريف دمشق والجنوب السوري. ويشير الرجل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك عدداً من المطلوبين والفارين إلى لبنان تم تسهيل دخولهم إلى سورية مقابل مبالغ مالية وتمت تسوية أوضاعهم بالكامل من دون أي عوائق. 

مطلوب: طُلب مني التعاون ضد حراك السويداء لقاء تسوية وضعي

إلى ذلك، يروي أحد المطلوبين للأجهزة الأمنية من مدينة السويداء (جنوب)، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، كيف أنه فوجئ في بداية الحراك الشعبي المناهض للنظام قبل نحو عام باتصال من أحد الوجهاء المعروفين بعلاقاتهم الأمنية، طالباً منه التوجه لمقابلة ضابط كبير في الأجهزة الأمنية في دمشق بسيارته ومع مرافق من قبل الضابط. وتابع: بعد لقائي بالضابط أرسل معي مرافقه إلى القاضي المختص لتسوية وضعي وإسقاط حكم الإعدام وإعطائي كف بحث موجهاً إلى كافة الجهات الأمنية والمنافذ الحدودية باليد، وذلك في مقابل التعاون مع الأجهزة في السويداء لتشكيل مجموعة من أعضاء حزب البعث المناهضين للحراك.

ضغوط لتسوية أوضاع

في السياق ذاته، قالت سيدة من مدينة درعا (جنوب)، طلبت عدم الكشف عن اسمها حفاظاً على سلامتها، لـ"العربي الجديد"، إنها تعرّضت لضغوط أمنية ومساومات كثيرة، من بينها تسهيل سفر أحد أبنائها الفارين من الخدمة العسكرية إلى خارج البلاد، في مقابل إسقاط حق الادعاء على أحد المطلوبين بجناية قتل زوجها. وعلمت من عائلة الجاني أنه دفع مبالغ كبيرة مقابل تسوية وضعه في أكثر من ادعاء جرمي ومن طلب مراجعة للأفرع الأمنية، وقد حصل على التسوية مع أكثر من عائلة وعلى كف البحث، بوسائل الضغط والترغيب نفسها التي اتبعها أحد الأجهزة الأمنية مع عائلتها.

وطيلة سنوات الثورة السورية ارتكبت الأجهزة الأمنية في النظام مجازر بحق السوريين، وذكرت تقارير حقوقية أن الآلاف قُتلوا تحت التعذيب في معتقلات هذه الأجهزة. وكان مصور في هذه الأجهزة بات يُعرف بـ"قيصر" قد سرّب قبل أعوام آلاف الصور لجثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل على يد النظام السوري. ووثقت منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته في بدايات عام 2017، إعدامات جماعية بطرق مختلفة نفذها النظام السوري بحق المعتقلين في سجن صيدنايا. وفي تقرير تحت عنوان "المسلخ البشري"، ذكرت المنظمة أن إعدامات جماعية شنقاً نفذها النظام بحق 13 ألف معتقل، أغلبيتهم من المدنيين المعارضين، بين عامي 2011 و2015. ووصفت المنظمة سجن صيدنايا العسكري بأنه "المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء". وكانت "العفو الدولية" قد وثقت، في منتصف عام 2016، مقتل 17723 معتقلاً أثناء احتجازهم في سجون النظام السوري، بين مارس/ آذار 2011 وديسمبر/ كانون الأول 2015، أي بمعدل 300 معتقل كل شهر.