صندوق كلينتون وصناديقنا البائسة

22 أكتوبر 2020
يسعى كل طرف إلى استغلال رسائل كلينتون لمصلحته (فرانس برس)
+ الخط -

ليست المرة الأولى التي تُنشر فيها رسائل المرشحة الديمقراطية الخاسرة للانتخابات الأميركية عام 2016، هيلاري كلينتون، الإلكترونية، ويدور بشأن محتواها جدل واسع. وعلى الرغم من ربط كثير من المراقبين بين قرار الرئيس الأميركي الحالي الجمهوري دونالد ترامب، الإفراج عن رسائل كلينتون الإلكترونية، وبين حملته الانتخابية، إلا أن هذا الشأن لا يعني شريحة ليبية أوغلت في ضحالتها السياسية، لأن كل فئة سخّرت محتوى الرسائل الإلكترونية لصالحها.

وقد حفلت وسائل إعلام ليبية بحلقات ولقاءات حول ما وفّرته رسائل كلينتون من معلومات "جديدة"، تكشف احتضان البيت الأبيض لتيار سياسي أو شخصيات كانت تدفع بها للواجهة لخدمة مصالحها ولإدارة الصراع في البلاد، إبان تولي كلينتون وزارة الخارجية (2009 ـ 2013) في عهد الرئيس السابق باراك أوباما (2008 ـ 2016). وأفسح ليبي موال لمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر مساحات واسعة لترجمة تلك "الوثائق"، بحسب وصفه، لكشف خلفيات ودوافع وجود تيار سياسي إسلامي في المشهد الليبي لصالح واشنطن. وهو ذات الموقع الذي أفسح ذات المساحات، تقريباً، أياماً عدة، مهللاً وفي حالة من النشوة والطرب لاتصال هاتفي أجراه ترامب، في إبريل/نيسان من العام الماضي، بحفتر.

ولم يقترح أي مراقب من الذين يسيطرون على الشاشات، كمحللين ونشطاء ونواب ورؤساء أحزاب وقادة، قراءة رسائل كلينتون في سياقها وفي ظرفها الزمني، خصوصاً أن بعضهم متخصص في الشأن السياسي، ويعرف جيداً ان المرونة والتحول هي ما تطبع السياسة الأميركية.

ولم تعكس تلك الحالة "المأزومة" شيئاً أكثر من الحالة النفسية والذهنية وعمق الاختلاف لدى أنصار أطراف الصراع، المسيطرين على المشهد في البلاد، حتى وإن كانت تلك الرسائل الأميركية تسرق أقدس ما أنتجته الشعوب العربية، وتجعل من ثورات الربيع العربي ربيعاً أميركياً. ويعتبر البعض أن كلينتون هي من صنعت قادة المشهد، وهي من دفعت بفلان وعلان إلى تولّي هذا المنصب أو ذلك.

ويقول أحد هؤلاء المتصدرين للمشهد السياسي في ليبيا إن واشنطن لم تستطع، حتى الآن، رغم مرور نصف قرن من عملها الدؤوب عبر إدارات عدة في البيت الأبيض، من الوصول إلى هدفها لتولية "الإخوان المسلمين" سدة الحكم في البلاد العربية. وفي الطرف الثاني يعلق متنفذ آخر بأن واشنطن أرادت بنشر رسائل كلينتون تبرير أخطائها وتتجه اليوم لإعادة حكم العسكر من خلال حفتر.

والحقيقة أن صندوق رسائل كلينتون لم يكشف عن أي "جديد" سوى عن صناديقنا البائسة المتبرمة في كل مرة، فهل وضعت ورقتها في صندوق هذا التيار الإسلامي مثلاً عندما فاز في الانتخابات؟ ولماذا يتلفت هؤلاء عن الساعي لحكم البلاد بقوة السلاح الذي وضعه في أيدي جماعات سلفية، لا تبتعد أدبياتها كثيراً عن أدبيات جماعات متطرفة ومعروفة؟

المساهمون