صرخة جوعى لبنان في مهبّ المزادات السياسية: المسؤولون يتراشقون بالاتهامات بدلاً من تقديم الحلول

27 يناير 2021
اتهامات بتحريك الشارع لغايات سياسية (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

يستمرّ قطع الطرقات من قبل المحتجين على قرار تمديد التعبئة العامة لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، ويخيّم على المشهد في الساحة اللبنانية، حيث تنظّم تحرّكات، اليوم الأربعاء، في عددٍ من المناطق جنوباً وبقاعاً وشمالاً، وفي العاصمة بيروت، استكمالاً لصرخة المعتصمين بوجه قرارات الطبقة السياسية الخالية من أي خططٍ بديلة لتأمين أبسط مقومات العيش والصمود في ظلّ الإقفال الطويل.

وفي وقتٍ لا يكفّ المعنيون عن تحميل اللبنانيين المسؤولية الأكبر عن تفشي فيروس كورونا، وارتفاع معدّل الوفيات والإصابات، وهم الذين يعجزون، منذ فبراير/شباط الماضي، عن حلّ أزمة المستشفيات وتنفيذ وعودهم بتجهيز الأسرّة وأقسام العناية الفائقة لاستيعاب تكاثر أعداد المرضى المصابين، يأتي رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب اليوم ليضع من جديدٍ، كما فعلَ خلال التحركات السابقة، صرخة الناس في إطار المعارك السياسية.

وقال دياب، خلال ترؤسه اليوم الأربعاء اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة خطة لقاح فيروس كورونا في السراي الحكومي، إنّ "ما رأيناه في اليومين الماضيين لا يشبه مطالب الناس، ولا يعبّر عن معاناتهم. ما رأيناه هو محاولة خطف مطالب الناس واستخدامها في معارك سياسية"، مشدداً على أنه "لا يجوز تخريب مدينة طرابلس من أجل توجيه رسائل سياسية منها، ومن غير المقبول أن تبقى طرابلس، أو أي منطقة من لبنان، صندوق بريد بالنار، ولا يجوز قطع الطرقات على الناس، في سياق منطق التحدي بالسياسة".

وأكد دياب أن "الحكومة لا تتشكّل ولا تتعطّل بالدواليب المشتعلة وقطع الطرقات والاعتداء على مؤسسات الدولة، واستهداف قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني".

وفي السياق، أكد المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات الدكتور كمال حمدان، لـ"العربي الجديد"، أنّ "القضية هي منزلة بين منزلتين، إذ إن احتمال استثمار الأطراف السياسية التقليدية لتعب الناس وجوعها وقلقها قائم، ويمكن لقوى سياسية أن تحرّك بعض المجموعات لأغراض سياسية، ولكن في المقابل قد لا يكون هذا الأساس، إذ لم يسبق بتاريخ الجمهورية اللبنانية أن وصل مستوى الفقر والبطالة والجوع إلى المستوى الذي وصل إليه اليوم مع انسداد كلّ الأفق، وهذا المرعب بالموضوع، ومصدر القلق الأهم عند الناس، التي تشعر أن لا أفق، وقد تم السطو على ادخارات عمرها ودخلها الشهري، عبر البطالة، والصرف التعسفي والتسريح وما إلى هنالك".

ويرى حمدان أنّ "عامل كورونا يؤثر جداً على التحركات الشعبية، وبمجرّد زوال هذا الكابوس حكماً ستكون هناك اتجاهات عميقة وبعيدة المدى، ويجب أن تأخذ مداها، لأن ما يحصل اليوم أعمق وأخطر مما كان عليه الوضع يوم انتفاضة 17 أكتوبر، والشروط كلها تعود وتتهيّأ لانتفاضة إيجابية وبناء حقيقي يعبّر عن مصالح الناس، ولا بد أن تهتز منظومة العلاقات الزبائنية التي كانت تضمن للطبقة الحاكمة شراء ولاء جماهيرها الحزبية والطائفية والمذهبية".

ويجد حمدان "إننا أمام احتمالين، إما الانتحار الجماعي من قبل الزعماء على طريقة "نيرون" وإحراق روما الإيطالية، من خلال الاستثمار في الولاءات الزبائنية لإخضاع جمهورهم عبر الشارع، والفوضى والحروب الأهلية المتنقلة، أو نضال الناس ورؤية المصالح المشتركة فيما بينها لإزاحة المنظومة كلّها، حيث إن الحلّ هو في العبور إلى نظام بديل، ونحن باختصار أمام نظام سقط، لكن لا يعرفون كيف يدفنونه، لأن البديل لم يولد بعد، وهذه هي المأساة كلّها".

وسقط خلال التحركات في اليومين الماضيين عدد كبير من الجرحى في صفوف المحتجين والعسكريين، مع ارتفاع حدّة المواجهات، واستخدام الحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات النارية والقنابل المسيلة للدموع. فيما أوقف الجيش اللبناني، أمس الثلاثاء، 5 أشخاص لإقدامهم على التعدي على الأملاك العامة والخاصة وافتعال أعمال شغب والتعرض للقوى الأمنية.

وطاولت الاتهامات بتحريك الشارع، الذي انطلقت شعلته من طرابلس التي عرفت بـ"عروس الثورة"، شقيق رئيس الوزراء اللبناني المكلف بهاء الحريري، من خلال منتديات تابعة له، وسبق أن اقترن اسمه في المراحل الماضية بدعم بعض المجموعات ودفعها إلى الساحات، وطرح اسمه كمرشح لرئاسة الحكومة في ظلّ الخلاف بينه وبين شقيقه سعد الحريري، والعلاقة الباردة بينهما، وهو ما ينكره بهاء والمحيطون به، وأكد عدم صحّته اليوم من خلال مستشاره الإعلامي جيري ماهر، الذي نفى أي علاقة لرجل الأعمال بهاء الحريري بدعوة الناس للنزول إلى الشارع.

كذلك، تتهم أوساط في التيار الوطني الحر سعد الحريري بتحريك الشارع للضغط باتجاه تشكيل حكومة وفق شروطه، والتشكيلة التي يريدها، في ظلّ الجمود الحاصل والقطيعة بينه وبين رئيس الجمهورية الذي يُتَّهم وصهره النائب جبران باسيل، من قبل أوساط تيار المستقبل، بأنهما يريدان الحريري خارج رئاسة الحكومة.

وعلّق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على التحركات في سلسلة تغريدات نشرها اليوم على حسابه عبر "تويتر"، وقال: "قد تكون وراء التحركات في طرابلس جهات تريد توجيه رسائل سياسية، وقد يكون هناك من يستغل وجع الناس والضائقة المعيشية التي يعانيها الفقراء وذوو الدخل المحدود، وليس هناك بالتأكيد ما يمكن أن يبرر الاعتداء على الأملاك الخاصة والأسواق والمؤسسات الرسمية بحجة الاعتراض على قرار الإقفال، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن هناك فئات من المواطنين تبحث عن لقمة عيشها كفاف يومها، ولا يصح للدولة إزاء ذلك أن تقف موقف المتفرج ولا تبادر إلى التعويض عن العائلات الفقيرة والمحتاجة".

ونبّه الحريري "أهلنا في طرابلس وسائر المناطق من أي استغلال لأوضاعهم المعيشية، وأطالب الدولة والوزارات المختصة باستنفاد كل الوسائل المتاحة لكبح جماح الفقر والجوع وتوفير المقومات الاجتماعية لالتزام المواطنين قرار الإقفال العام".

وتستمر معركة البيانات بين التيار الحر والحريري، منها أمس قول تكتل لبنان القوي، الذي يرأسه النائب جبران باسيل صهر الرئيس عون، بعد اجتماعه الدوري، أن "اللبنانيين لا يفهمون الأسباب الكامنة وراء جمود رئيس الحكومة المكلف وامتناعه عن القيام بواجبه الدستوري بتشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، وإزاء هذا الموقف، يطرح التكتل تساؤلات جدية حول ما إذا كان الحريري يريد فعلاً تشكيل حكومة، أم أنه يحتجز التكليف في جيبه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً".

وردّ المستشار الإعلامي للرئيس سعد الحريري حسين الوجه سريعاً على البيان، وغرّد: "لم يعد اللبنانيون يفهمون الأسباب الكامنة وراء تهرب رئيس الجمهورية وامتناعه عن القيام بواجبه الدستوري بتسهيل تشكيل الحكومة والتوقيع على مراسيم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف"، مضيفاً: "إزاء ذلك يطرح اللبنانيون تساؤلات جدّية حول ما إذا كان رئيس الجمهورية يريد فعلًا تشكيل حكومة أم أنه يحتجز التأليف في جيبه، كما احتجزوا الانتخابات الرئاسية لسنتين ونصف السنة".

المساهمون