صربيا - كوسوفو: مفترق جديد بين التهدئة والانفجار

01 أكتوبر 2023
قوات خاصة من شرطة كوسوفو في بانجسكا، 27 سبتمبر (أرمناد نيماني/فرانس برس)
+ الخط -

فجرت الحادثة التي وقعت في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، في شمال كوسوفو، وأدّت إلى مقتل عنصر من شرطة كوسوفو و3 مسلّحين من الصرب، التوتر مجدداً بين صربيا وكوسوفو، وهو توتر لم يهدأ منذ أشهر طويلة، رغم المحادثات الجارية بين البلدين برعاية أوروبية.

وتأتي الأحداث الأخيرة في أعقاب الأزمة التي اشتعلت قبل أشهر على خلفية محاولة بريشتينا فرض عمداء من الألبان، في شمال كوسوفو حيث يشكل الصرب غالبية في مدن عدة، بعدما فاز العمداء الألبان في انتخابات محلية نظمتها سلطات كوسوفو في 23 إبريل/نيسان في أربع بلديات، معظم سكانها من الصرب الذين قاطعوا هذه الانتخابات إلى حد كبير، ما أدى يومها إلى تظاهرات واشتباكات.

وتتعزز المخاوف من تداعيات هذه التوترات المتتالية على اعتبار أنها تأتي في ظلّ الحرب الروسية على أوكرانيا، وما تنطوي عليه من مخاطر في شرق أوروبا والبلقان. إذ بينما تعالت صيحة كوسوفو منذ العام الماضي، وتحذيرها من مخطط روسي لتصعيد الأوضاع عبر مرتزقتها في شركة "فاغنر"، تحذر روسيا، الداعمة لصربيا، من "اللعب على حافة الهاوية".

أعلن حلف شمال الأطلسي تعزيز انتشاره في كوسوفو

أما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فيحشدان، على ما يبدو حتى اللحظة، كل الجهود لمنع تفجر صراع إضافي في المنطقة واستكمال المحادثات. ويرى متابعون أن شرق أوروبا "على حافة الهاوية" فعلاً، إذا ما فُتح مجدداً الصراع بين صربيا وكوسوفو، بغضّ النظر عمّا إذا كان سببه المباشر الاحتقان الإثني الذي لم يندمل، أم تحريض خارجي في ظلّ الصراع الروسي الأوروبي والروسي الأميركي.

تقارير دولية
التحديثات الحية

تحشيد صربي على الحدود

ودعت الولايات المتحدة، أول من أمس الجمعة، بلغراد التي ما زالت ترفض الاعتراف بالاستقلال المعلن عام 2008 للإقليم الصربي السابق إلى سحب قوات نشرتها عند الحدود مع كوسوفو، مؤكدة العمل على تعزيز وجود قوة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في كوسوفو، الإقليم الصربي السابق ذي الغالبية الألبانية، والذي استقل في 2008. وأكدت واشنطن رصدها تعزيز صربيا لقواتها عند الحدود، فيما أعلن الناتو تعزيز انتشاره في كوسوفو.

وكشف البيت الأبيض الجمعة، أن صربيا نشرت عند الحدود قوات مشاة وآليات مدرعة، بعد اشتباك الأحد الماضي. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن الانتشار يشمل نشراً "غير مسبوق" لبطاريات مدفعية ودبابات ووحدات مشاة. وبينما اعتبر أن ذلك "تطوّر مزعزع للاستقرار للغاية"، رفض التطرق إلى خطر غزو جديد لكوسوفو. وأوضح أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصل بالرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش وأبلغه "قلق" بلاده وضرورة "خفض فوري للتوتر مع عودة إلى الحوار ومحاسبة الضالعين في الاشتباكات الأخيرة". ولم ينفِ فوتشيتش حصول انتشار عسكري أخيراً عند الحدود، إلا أنه أكد أن قوات بلاده ليست في حال تأهب.

من جهته، تشاور مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مع رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي، وأبدى "قلقه من التحركات العسكرية الصربية"، وبحث "في الحوار بين كوسوفو وصربيا بتسهيل من الاتحاد الأوروبي"، معتبراً أنه "الحل الوحيد على المدى البعيد لضمان الاستقرار في كوسوفو".

وأعلنت واشنطن أنه بسبب التطورات الأخيرة، فإن قوة الأطلسي المنتشرة في كوسوفو (كفور) "ستعزز انتشارها" في شمال الإقليم السابق. كما أبدى الحلف استعداده لتعزيز عديد هذه القوة بهدف "مواجهة الوضع". وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الجمعة، إن "مجلس شمال الأطلسي (هيئة اتخاذ القرار السياسي في الحلف) أمر بنشر قوات إضافية لمواجهة الوضع". وأكد أن الحلف سيتخذ "كل التدابير الضرورية للحفاظ على بيئة آمنة وعلى حرية الحركة بالنسبة إلى جميع من يعيشون في كوسوفو".

طالبت كوسوفو بفرض عقوبات دولية على صربيا

وتزامناً، ذكرت وزارة الدفاع البريطانية أنه تمّ وضع كتيبة تضم بين 500 و650 عنصراً في تصرف "كفور" عند الضرورة، مضيفة أنها وصلت "أخيراً إلى المنطقة" لإجراء تدريبات مقررة سابقاً. وأوضح مسؤول في الحلف لوكالة "فرانس برس"، أن "كفور" عزّزت بالفعل حضورها في كوسوفو في مايو/أيار الماضي، بنشرها نحو 500 عسكري تركي تم استبدالهم لاحقاً بعناصر من بلغاريا واليونان.

وتأتي هذه التطورات بعد مقتل شرطي كوسوفي الأحد الماضي، في كمين بشمال كوسوفو حيث يشكل الصرب غالبية، أعقبه إطلاق نار بين القوات الخاصة للشرطة ومجموعة صربية مسلّحة مؤلفة من حوالي 30 عنصراً. وأدى الاشتباك إلى مقتل 3 من أفراد المجموعة الذين لجأوا إلى دير أرثوذكسي في قرية بانجسكا الحدودية مع صربيا. واتهمت حكومة كوسوفو، بلغراد، بدعم الهجوم. لكن ميلان رادويتشيتش، أحد الزعماء السياسيين لصرب كوسوفو، قال إن مجموعة مسلحة شكّلها من دون علم صربيا هي التي تقف خلف قتل الشرطي. وعلّقت واشنطن بلسان كيربي على الهجوم، قائلة إنه كان "على درجة عالية من التعقيد"، واستخدمت فيه نحو 20 مركبة إضافة الى تجهيزات وأسلحة وخبرات "على مستوى عسكري".

كوسوفو تتهم "فاغنر"

لكن روسيا حمّلت الاثنين الماضي، حكومة كوسوفو مسؤولية الاشتباك، محذرة من أن "إراقة الدماء" قد تخرج عن السيطرة، بحسب وزارة خارجيتها. كما رأت أنه "ليس هناك شك في أن إراقة الدماء التي وقعت هي نتيجة مباشرة وفورية لمسار رئيس الوزراء ألبين كورتي للتحريض على الصراع"، محذرة من أن محاولات تصعيد الوضع قد تدفع "كل منطقة البلقان إلى هاوية خطيرة". كما ذكرت موسكو أن قوة شرطة كوسوفو "فقدت مصداقيتها منذ زمن بعيد بسبب إجراءاتها العقابية المنهجية ضد الصرب". ودعت الخارجية الروسية "الغرب إلى إنهاء دعايته الكاذبة، والتوقف عن إلقاء اللوم في الأحداث في كوسوفو على الصرب المدفوعين باليأس، الذين يسعون سلمياً للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم المشروعة".

من جهتها، طالبت كوسوفو الخميس الماضي، بفرض عقوبات دولية على صربيا، مؤكدة أن بلغراد كانت وراء الاشتباك، وأن "ترسانة الأسلحة" التي استخدمت في الاشتباكات كانت من صربيا، بحسب كورتي. كما اتهم كورتي مرتزقة "فاغنر" العسكرية الروسية بالوقوف وراء الاشتباك. وقال وزير داخلية كوسوفو جلال سفيتشيلا، إن المحققين يبحثون في أدلة تربط روسيا بالهجوم المسلح، مضيفاً أنه تم اكتشاف أسلحة روسية ومعدات أخرى ووثائق تشير إلى تورط روسي باشتباكات قرية بانجسكا. يذكر أنه إثر اشتباكات كوسوفو، هدّدت مجموعة "نارودني باترول" القومية الصربية التي لها ارتباطات مع "فاغنر" بمواجهة قوات الأطلسي في كوسوفو.

وتأتي اتهامات كوسوفو لـ"فاغنر" وروسيا، لتزيد من تعقيد المشهد مع صربيا. وللتذكير، فإن كوسوفو تحذر منذ أشهر طويلة، من تغلغل لـ"فاغنر" وتحضيرات (روسية) لزعزعة الأوضاع. وكانت كوسوفو أعلنت في مارس/آذار الماضي أنها فعلت العقوبات الأميركية المفروضة على "فاغنر"، وسط مخاوفها من أن أنشطة المجموعة المزعزعة للاستقرار لا تزال قوية في المنطقة. وفي فبراير/شباط الماضي، قالت رئيسة كوسوفو فيوسا عثماني إن مرتزقة من "فاغنر" يعملون مع قوات غير نظامية صربية، لتهريب الأسلحة والملابس العسكرية، إلى كوسوفو، تحضيراً لهجوم.

وبحسب معهد "كارنيغي" البحثي، في تقرير له نشر في إبريل/نيسان الماضي، فإن الحكومة الصربية، ورغم حلفها مع روسيا، إلا أن حكومتها تعهدت بوضع حدّ لوجود "فاغنر" في البلاد (انتقد الرئيس الصربي مراراً تجنيد "فاغنر" للصرب للمشاركة في حرب أوكرانيا)، لكن الحكومة فشلت بالوفاء في تعهدها، إذ لا يزال المتطوعون الصرب يقاتلون في أوكرانيا (70 في المائة من سكان صربيا قالوا إنهم مع الحرب الروسية على أوكرانيا)، فيما يرتدي القوميون الصربيون في صربيا شعار "فاغنر" خلال تظاهراتهم.

(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)