صراع نفوذ في ليبيا

27 يوليو 2023
حكومة الوحدة الوطنية، ديسمبر 2021 (الأناضول)
+ الخط -

أخذ الصراع السياسي في ليبيا طابعاً يتجه نحو هدفه بشكل أوضح، ويتمثل في تحوّله إلى صراع على النفوذ والمصالح، بغض النظر عن آثاره السلبية على حياة المواطن وحقوقه، وربما حتى على وحدة البلاد. فالتحوّلات المستمرة في مواقف مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، قطبَي الصراع السياسي؛ من الخلافات حدّ الانسداد ثم التقارب حدّ الاتفاق، ما زالت تعرّي حقيقة مواقفهما وتكشفها للعيان.

في آخر تلك المواقف ما أعلنه مجلس النواب، خلال جلسته أول من أمس الثلاثاء، من استباق لاعتماد القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6، المُشكّلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمكلّفة بإعداد القوانين الانتخابية، باعتماد خريطة طريق للمسار التنفيذي لتلك القوانين. وكان مجلس الدولة قد اعتمد خريطة الطريق هو الآخر قبل أسبوعين.

والواقع أن المجلسَين لم يعتمدا شيئاً، ففيما أعلن مجلس الدولة أنه اعتمد خريطة الطريق بشكل "مبدئي" مع الأخذ بملاحظات أعضائه حولها وضرورة مناقشتها، قال مجلس النواب إنه اعتمد خريطة الطريق بـ"أغلبية مطلقة"، لكنه أشار إلى أن اعتماده للخريطة تضمّن عدداً من الملاحظات التي أُحيلت إلى لجنة 6+6 لتضمينها في القوانين الانتخابية "وإعادتها إلى مجلس النواب حتى الاعتماد النهائي".

صحيح أن الخلافات لا تزال قائمة بشكل جدلي وعميق حول شروط الترشّح للانتخابات الرئاسية، لكن المجلسَين متفقَان تماماً حول المادة المتعلقة بتشكيل حكومة موحّدة، وهي المادة التي أبرزها إعلانا المجلسَين بشأن اعتمادهما خريطة الطريق، من دون سائر المواد الأخرى التي تجاوز عددها التسعين.

ذلك يكشف حقيقة أهداف هذه الخريطة، وأن توافُق المجلسَين حيالها هدفه إقصاء خصمهما اللّدود رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي تمترس في طرابلس متحصناً باعتراف دولي.

والواقع أن إقصاء الدبيبة لا يكلف المجلسَين الكثير من الوقت، فالأمر رهن اعتمادهما قوانين لجنة 6+6 وتحويلها إلى وثيقة دستورية نافذة لن يتمكن معها أيّ طرف من مُمانعة تطبيقها، بمن فيهم الدبيبة نفسه. لكن ذلك سيجعل تلك القوانين أيضاً مدخلاً لإجراء الانتخابات التي ستضع حداً نهائياً لوجود المجلسَين.

على الرغم من حقيقة عدم رغبة الجميع في مغادرة المشهد، وهو ما بات معروفاً لكل مراقب، فإنّ جوانب أخرى من تلك الحقيقة بدأت تُفضي إلى فرض حالة من واقع صراع النفوذ بين جميع القادة، مفادها أن توازن القوى بات متكافئاً ولن يستطيع أي طرف إقصاء الآخرين.

المساهمون