صراع الممرات إلى أوروبا يحتدم بين الصين والهند.. ما دور واشنطن؟

12 سبتمبر 2023
مخطط يوضح تموضع ثلاثة ممرات تجارية تتنافس في ما بينها على الأسواق (الأناضول)
+ الخط -

تصاعدت المنافسة الجيوسياسية بين الهند والصين مع الإعلان، خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة في نيودلهي، عن ممر جديد يربط منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالشرق الأوسط وأوروبا، وجاء ذلك في وقت تتزايد حمى المنافسة والصراع على النفوذ والأسواق بين الولايات المتحدة والصين.

الممر الاقتصادي

في ظل احتدام المنافسة والصراع على النفوذ بين الولايات المتحدة والصين في العديد من المجالات، جاءت خطوة أخرى أثارت انزعاج الصين أكثر خلال قمة قادة مجموعة العشرين، التي استضافتها الهند يومي 9 و10 من سبتمبر/ أيلول الجاري.

في القمة، وقعت الهند والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مذكرة تفاهم لإنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، المستهدف منه زيادة التجارة وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي.

وفي حين أن الدول الموقعة على المذكرة لم تقدم التزاماً مالياً ملزماً، إلا أنها وافقت على إعداد "خطة عمل" لإنشاء الممر في غضون شهرين.

وسيبدأ المشروع، الذي يشبه طريق التوابل القديم، من مومباي بالهند بحراً إلى ميناء دبي بالإمارات، ومن هناك إلى منطقة الغويفات الإماراتية بالسكك الحديدية، ويمتد المسار إلى السعودية ويصل إلى جنوب الأردن، ثم يصل إلى مدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية ومنها إلى ميناء بيرايوس اليوناني بحراً ومنه إلى أوروبا براً. ويختصر هذا المسار في حال تنفيذه طريق التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40 بالمائة.

منافسة أميركية صينية

ويأتي الإعلان عن هذا المشروع في وقت تتزايد المنافسة والصراع على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة، في العديد من المجالات، خاصة في مجال التكنولوجيا والتجارة والنفوذ الإقليمي.

وبينما يتزايد التوتر بين بكين وواشنطن مع التصريحات المتبادلة بشأن تايوان، فإن الخطوات المتبادلة التي تتخذها الدولتان في مختلف المجالات تتسبب في تسليط الضوء على التوتر بشكل أكبر.

وتواصل الولايات المتحدة جهودها لتطوير علاقات التحالف والشراكة مع دول المنطقة، من أجل خلق توازن ضد نفوذ الصين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

فالنزاعات على السيادة، والتي تتحول في كثير من الأحيان إلى توترات بين الدول الساحلية في بحر الصين الجنوبي، تعمل على جعل دول المنطقة الأخرى، المنزعجة من الوجود العسكري المتزايد للصين وموقفها التدخلي في المنطقة، أقرب إلى الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى النفوذ الإقليمي، هناك أيضاً سلسلة من التوترات بين البلدين في المجال التكنولوجي حيث تتزايد المنافسة بين الإدارة الأميركية والصين في مجال إنتاج الرقائق، واتخذت واشنطن سلسلة من الخطوات لمنع الصين من الوصول إلى الرقائق والمعدات المستخدمة في إنتاجها، مبررة ذلك بدواعي "الأمن القومي".

وفرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة قيوداً على استيراد واستخدام منتجات بعض شركات التكنولوجيا الصينية، وخاصة شركة هواوي. وبالمقابل، أفادت الصحافة الدولية، الأسبوع الماضي، بمنع الصين الموظفين العموميين من استخدام أجهزة iPhone الأميركية.

مبادرة الحزام والطريق الصينية

طرح الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا تساؤلات عن مستقبل وفعالية مشروع "مبادرة الحزام والطريق"، الذي يهدف إلى زيادة تجارة بكين مع آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

ويطلق على "مبادرة الحزام والطريق"، التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته إلى كازاخستان في العام 2013، اسم "خطة مارشال" الصينية. وتهدف المبادرة التي أصبحت شريكة لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية في العقد الأخير، إلى زيادة القوة التجارية لبكين في منطقة جغرافية تغطي ثلثي سكان العالم. كما يُعتبر المشروع، الذي يشمل مسارات بحرية بالإضافة إلى السكك الحديدية والطرق البرية، مبادرة تربط الصين بالعالم.

ويتكون هذا الممر، الذي من المقدر أن يغطي أكثر من 2600 مشروع في أكثر من 100 دولة، من 6 طرق رئيسية، ومن هذه الطرق مشروع "الممر الأوسط" الذي يبدأ من تركيا ويصل إلى الصين، ويمر هذا الطريق من جورجيا وأذربيجان وبحر قزوين على التوالي عبر وصلات السكك الحديدية والطرق، انطلاقاً من تركيا، ومن هناك إلى الصين باتباع مسار تركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان باستخدام معبر قزوين.

ومن المتوقع أن تؤدي "مبادرة الحزام والطريق" إلى زيادة التجارة العالمية بأكثر من ستة بالمائة، ويقدر الخبراء أن الأموال التي ستنفقها الصين على هذه المبادرة قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار بحلول 2027. وبفضل هذه المبادرة، زادت الصين علاقاتها السياسية والتجارية مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا، كما زاد نفوذها في المنطقة بشكل ملحوظ.

وترى بعض الدول في هذا المشروع "فرصة اقتصادية كبيرة"، فيما تعتبره دول أخرى "خطراً".

ممر النقل الدولي شمال جنوب

بالتوازي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، هناك ممر آخر تقوده الهند في المنطقة وهو ممر النقل الدولي شمال جنوب، وتم إنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، بموجب الاتفاقية الموقعة بين روسيا وإيران والهند في 12 سبتمبر/ أيلول 2000، وفي السنوات التالية، انضمت 10 دول أخرى، بما في ذلك أذربيجان وتركيا، إلى هذا المشروع.

ويهدف ممر النقل بين الشمال والجنوب إلى تقليل وقت نقل البضائع من الهند إلى روسيا، وكذلك إلى شمال وغرب أوروبا، ويحظى الممر، الذي لم يعمل بكامل طاقته بعد، بمكانة مهمة في العلاقات الثنائية والتجارية بين روسيا وإيران، الخاضعتين للعقوبات الغربية.

صعود الصين والبديل الهندي

وبعد الإعلان عن اتفاقية الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فسرت أوساط دولية أن الهدف من المشروع هو كسب الهند إلى جانب الغرب، وتطوير بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

وإذا تم تنفيذ هذا البرنامج فإنه سيعمل، أيضاً، من وجهة نظر الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات التجارية بين شركائها في الشرق الأوسط مع الهند بدلاً من الصين، حيث حظي تطور العلاقات التجارية والسياسية بين دول الخليج والصين في السنوات الأخيرة بمتابعة وثيقة من قبل إدارة واشنطن.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون