يخوض كل من ديفيد بردو وكيلي لوفلر ورافايل وارنوك وجون أوسوف، وبعضهم وافدون جدد إلى عالم السياسة، اليوم الثلاثاء، سباق انتخابات الإعادة لعضوية مجلس الشيوخ الأميركيين، عن ولاية جورجيا، التي أصبحت في عين الرادار السياسي في البلاد، متخطية ضجيج الانتخابات الرئاسية، وعملية انتقال السلطة الصاخبة والمتوترة بين دونالد ترامب وجو بايدن. وتحمل انتخابات الإعادة في جورجيا اليوم، بعداً وطنياً، ويحمل المرشحون الأربعة ثقل نقل مجلس الشيوخ إلى المعسكر الديمقراطي، أو إبقائه بأغلبية بسيطة في يد الجمهوريين. وستكون لخسارة الحزب المحافظ في الولاية تبعاته، لجهة إلقائهم اللوم مباشرة على أداء دونالد ترامب، الذي قد يكون بشكل أو بآخر قد أفقد الحزب المحافظ سيطرته على "ولاية الخوخ"، كما تُعرف جورجيا، ولكن بشكل أساسي، على الكونغرس الأميركي، ما يجعل أجندة بايدن السياسية معلقة بشكل كبير على هذه الانتخابات المصيرية.
لم تنتخب جورجيا أي ديمقراطي لمجلس الشيوخ منذ 20 عاماً
وكانت جورجيا، قد حسمت مع ولايات متأرجحة، فوز بايدن بالرئاسة، بعدما منحته أصواتها على الرغم من ميلها تقليدياً للجمهوريين. ومن شأن الولاية، أن تقدم للرئيس المنتخب، هدية إضافية، إذا ما استمر الحماس الديمقراطي فيها، الشبابي، وذلك الذي أظهرته الأقليات على مرّ أشهر لزيادة تسجيل الناخبين. إذ إن فوز المرشحين الديمقراطيين فيها، أوسوف ووارنوك، يعني تمكن الحزب الأزرق، من التساوي عددياً مع المحافظين في مجلس الشيوخ الذي يشكل المطبخ الأخير للقرارات السياسية في واشنطن، وحيث المصب الأخير لمعظم أجندة الرؤساء الأميركيين، لجهة تمريرها أو إحباطها.
هكذا، أصبح مصير أجندة بايدن، للسنوات الأربع المقبلة، معلقاً في انتخابات الإعادة في جورجيا، إذ بحال فوز المرشحين الديمقراطيين أوسوف ووارنوك، يتعادل الديمقراطيون والجمهوريون في مجلس الشيوخ، 50 سيناتوراً عن كل حزب، ليصبح صوت نائبة الرئيس كامالا هاريس مرجحاً للحزب الأزرق. وتقنياً، يملك الديمقراطيون في المجلس حالياً 46 سيناتوراً، مقابل 48 للجمهوريين، إذ يعد كل من السيناتورين بيرني ساندرز وأنغوس كينغ، مستقلين، لكنهما يصوتان مع الديمقراطيين. من جهته، يحتاج زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، إلى فوز أحد المرشحين الجمهوريين في الولاية، فقط، ليضمن بقاء الأكثرية الجمهورية في المجلس، ولتكون له كلمته في كل مشاريع القوانين التي تتضمنها أجندة بايدن وحزبه، وكذا المصادقة على تعيينات الوزراء والمناصب الحكومية وغيرها التي تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ.
ولذلك يتصدر السباق في جولة إعادة الانتخابات في جورجيا، اليوم، السباقات الأكثر تكلفة في تاريخ انتخابات مجلس الشيوخ الأميركي. ويمكن القول إن طوفاناً من المال السياسي قد أغدق على الولاية منذ أشهر طويلة، لكنه تضاعف منذ أن أعلن عن جولة الإعادة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ولم تكن الولاية الواقعة في الجنوب الأميركي، والتي تصوت تاريخياً للجمهوريين، كثيراً من قبل على لائحة الاهتمامات الانتخابية، ولم يفز أي مرشح ديمقراطي لـ"الشيوخ" فيها منذ 20 عاماًً. لكن الاهتمام بها بدأ قبل سعي بايدن لاختراق معاقل الجمهوريين، وذلك مع حالة انبعاث انتخابية للأقليات، ترافقت مع ترشح باراك أوباما للرئاسة. فعلى الرغم من فوز كل من جون ماكين ثم ميت رومني، ضد أوباما، في الولاية، في 2008 و2012، إلا أن جورجيا شهدت عام 2008 جولة إعادة انتخابات لعضوية "الشيوخ"، كان على السيناتور الجمهوري ساكسبي شامبليس، أن ينافس الديمقراطي جيم مارتن، بعدما لم يحصل على نسبة الـ50 في المائة المطلوبة للفوز من الدورة الأولى. وكان شامبليس قد واجه في الدورة الأولى موجة غير مسبوقة من التصويت الديمقراطي، لكن الدورة الثانية حسمت احتفاظه بعضوية "الشيوخ"، وبفارق كبير عن منافسه، إذ بدا أن الزخم الديمقراطي قد خمد.
هذه التجربة قد يصعب تكرارها، إذ يبدو أن التصويت المبكر في الولاية لجولة الإعادة قد بلغ رقماً قياسياً، وتخطى 3 ملايين صوت. كما أن جورجيا قد حادت عن خطّ "الولايات الحمر"، مع الهزيمة التاريخية فيها والتي ألحقها بايدن بترامب، ولو بفارق 12 ألف صوت فقط. وقد تكون جورجيا مجدداً، إذا ما فاز المرشحان الديمقراطيان فيها، عرضة للطعن في نتائجها من قبل الجمهوريين، للاحتفاظ بأكثرية "الشيوخ" بعد خسارة الرئاسة. ولم تكن خسارة شامبليس بذات أهمية اليوم، إذ ظلّ الديمقراطيون حينها يحتفظون بالأغلبية (59 سيناتوراً)، وذلك حتى العام 2014.
يتحتم على المرشحين الديمقراطيين الإثنين الفوز لقلب المعادلة
ويتنافس السيناتور منذ 2015، ديفيد بردو (70 عاماً)، ومنتج الأفلام الوثائقية اليهودي جون أوسوف (33 عاماً)، على عضوية مجلس الشيوخ عن جورجيا، تمتد لـ2027. وبردو، رئيس مجلس إدارة شركة "ريبوك" السابق، كان من المؤيدين المبكرين لترشح ترامب للرئاسة في 2016، وظلّ حليفاً مخلصاً له. ويواجه بردو قضية تتعلق باتهامات موجهة إليه باستغلال وظيفته كرئيس للجنة فرعية في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ لشؤون القوة البحرية، لكسب الملايين في البورصة. من جهته، أطلق أوسوف حملته بدعم من جون لويس، أحد رواد الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، الذي توفي الصيف الماضي.
على المقلب الآخر، تواجه السيناتورة الجمهورية كيلي لوفلر (50 عاماً)، القس من أصول أفريقية رافايل وارنوك (51 عاماً). وتعد لوفلر من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ ثراء، ومن أشد الداعمين لترامب، وأحد مالكي فريق كرة السلة النسائي "ذا أتلانتا دريم"، وواجهت حملة للمطالبة ببيع حصتها في الفريق، بعد معارضتها حراك "حياة السود مهمة". أما وارنوك، فكان قد أطلق مع الناشطة السوداء من الولاية، ستايسي أبرامز، "برنامج جورجيا الجديدة"، للحقوق الانتخابية للأقليات. وكانت لوفلر قد عينت سيناتورة عن جورجيا بعد استقالة السيناتور جوني إيزاكسون في ديسمبر/كانون الأول 2019. وأي من لوفلر أو وارنوك، سيبقى في حال فوزه، سيناتوراً حتى نهاية ولاية إيزاكسون، في يناير/كانون الثاني 2023.
وخيّمت حملة ترامب للانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية، على مشهد إعادة الانتخابات في جورجيا، على الرغم من قلّة اهتمام ترامب نفسه بانتخابات الإعادة. واستخدمت لوفلر تكتيكات الرئيس الخاسر، محذرة من مدّ لليسار الراديكالي، ومن أن سيطرة الديمقراطيين على "الشيوخ" تعني عودة الإقفال بسبب كورونا، وتمرير "الاتفاق الجديد الأخضر" للطاقة النظيفة، المكلف للعائلات، محذرة أيضاً من وقف تمويل الشرطة. كما جرى التهويل جمهورياً من خطر أوسوف ووارنوك، باعتبارهما "شيوعيين" أو "ماركسيين". كما أن وارنوك يواجه حملة تشهير بسبب انتقاده لإسرائيل. من جهتها، تواجه لوفلر حملة اتهام بدعمها جماعات يمينية متطرفة.
وبحسب آخر استطلاع لموقع "فايف ثيرتي إيت"، نشر أول من أمس، فإن وارنوك يتقدم على لوفلر (51 مقابل 47 في المائة)، كما يتقدم أوسوف على بيردو بنفس النسبة. وبحسب "سي أن أن"، فإن أوسوف يتقدم على بردو بنسبة 49 في المائة مقابل 48، مع 50 في المائة لوارنوك مقابل 48 للوفلر. وكان بردو قد حصل على 49,7 في المائة مقابل 48 لأوسوف في الدورة الأولى، لكن لوفلر حصلت على 25,9 في المائة، مقابل 32 لوارنوك. وفاز الجمهوريون بثماني جولات إعادة من أصل تسعة في الولاية لعضوية "الشيوخ" منذ 1992.