خلقت المحادثات التي جرت أمس الثلاثاء، بين المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو لحل الأزمة الأوكرانية؛ بادرة أمل لمنع الحرب في أوروبا وجعلها أقل احتمالاً. لكن ورغم بروز مؤشرات على تهدئة في ظل انسحاب جزئي للقوات الروسية من منطقة الحدود الأوكرانية؛ لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التوجه سيستكمل بخطوات أخرى، مع إصرار بوتين على ضمانات أمنية من الغرب لبلاده، ومع تأكيدات من الجانبين على استعداهما لاعتماد الحل الدبلوماسي بمواصلة الحوار والمفاوضات بشأن الصراع الروسي الأوكراني.
وفيما خصّ اللقاء، رأت "بيلد" أن الزعيمين تبادلا الضربات على "المسرح المفتوح"، وهذا نادراً ما يراه المرء، ولفتت إلى أن شولتز فهم من سلفه أنجيلا ميركل أن الكلمات الواضحة فقط تساعد في التعاطي مع بوتين، والرد على أي تعليق منه، وهذا بالضبط ما فعله في المؤتمر الصحافي المشترك.
ولكن الآن يجب على المستشار الألماني أن يثبت أنه قادر على فرض نفسه دولياً، وبمعنى آخر أن يتبع الأقوال بالأفعال، بعد أن تصدى لكل تصريح من زعيم الكرملين، وهو الذي لطالما اتهم في الأسابيع الماضية بأنه "متساهل للغاية" مع روسيا.
ورغم الإشارات المتضاربة من الكرملين؛ قال البروفسور في السياسات الدولية والخارجية في جامعة "كولن"، توماس ياغر، في مقابلة مع "فوكوس أونلاين"، إن شولتز صاغ ثلاث مهام أساسية بعد محادثاته مع بوتين؛ تشمل تنفيذ اتفاقية مينسك، والتوافق السياسي حول توسع "الناتو" شرقاً، والتي يمكن مناقشتها بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وتدابير الحد من التسلّح والمزيد من الشفافية، إلى معادلة التدريبات العسكرية على الحدود، والتي يمكن التفاوض عليها بين روسيا والولايات المتحدة، حيث من الممكن إيجاد حلول وسط للأمن المشترك، ما يخلق في أسوأ الأحوال إمكانية تبريد المواجهة الساخنة القائمة حالياً.
والثالثة هي طرح جدول أعمال على طاولات التفاوض المختلفة التي يمكن العمل من خلالها، إذا ما صدقت أقوال بوتين بأن لا أحد يريد الحرب.
ورغم أن الرجلين تناولا في مؤتمرهما الصحافي الخلافات العميقة من دون مواربة، ومن دون أي ضمانات، وسمع بوتين انتقادات واضحة من شولتز بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام أيضاً؛ فإن "فرانكفوتر ألغماينه تسايتونغ" ترى أن لعبة البوكر بين الحرب والسلام لا تزال مستمرة، ولم يعطِ كل من شولتز وبوتين الانطباع بأنهما نجحا في تقليص الاختلافات القائمة بشكل كبير، سيما وأن زعيم الكرملين كان واضحاً تماماً بأنه يريد قطع طريق أوكرانيا غرباً بشكل نهائي، وأن هذه المحادثات لم تضمن عدم غزو الجيش الروسي في اليوم التالي، والوعد الشفهي من الغرب لبوتين بأن أوكرانيا لن تكون عضواً في "الناتو" في المستقبل المنظور لن يكون كافياً له.
من جهة ثانية، أشارت "دي فيلت" إلى أنه ورغم تخفيف حدة التوتر مع أوكرانيا خلال المحادثات المباشرة؛ فإن موسكو نجحت في إجبار الغرب على إجراء محادثات حول الهيكل الأمني الأوروبي، وتم الإدراك بأن هناك مصالح روسية يجب أخذها بالاعتبار من أجل تجنّب الحرب في أوروبا.
لكن، تم التضييق على أقصى المطالب الروسية، وتم تجنّب الحرب أولاً، وبات يتعين على بوتين "إعادة الصولجان إلى قبو الكرملين"، وقد يصار إلى بدء مفاوضات بين واشنطن وموسكو، هدفها تحقيق ضمانات مزدوجة، تؤكد روسيا فيها على استقلال أوكرانيا، وتنهي دعمها للانفصاليين في دونباس، مقابل تعهد كييف بأن تظل محايدة عسكرياً.
في المقابل، ورغم أن معمودية السياسة الخارجية للمستشار الجديد حققت له بعض النجاح في مهمته الحساسة، وأظهر فيها أنه يتقن دبلوماسية الأزمات؛ أبرزت شبكة "إن تي في" الإخبارية أنه وبمجرد مغادرة شولتز أعلنت كييف عن هجوم إلكتروني على إدارات حكومية.
وهنا يرى الخبير شتيفان مايستر، من الجمعية الألمانية للعلاقات الخارجية، أن التراجع الروسي الجزئي المخطط له لا يشكل تهدئة حقيقية، وقد تتزايد الضغوط مرة أخرى، وكلام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن إمكانية إجراء المزيد من الحوار مع الغرب "بلاغي نوعاً ما"، معرباً عن اعتقاده أن هذا "مجرد جزء من الاستراتيجية الروسية، التي تعتمد على ممارسة سياسة الضغط وإطلاق التحذيرات التي تؤدي إلى إجهاد الخصم، وربما جعله مستعداً لتقديم التنازلات".