يتوجه المستشار الألماني أولاف شولتز، إلى واشنطن غداً الإثنين، في زيارة ستكون الأولى له منذ توليه منصبه، وتشكل فرصة لإزالة الغموض حول دعم الحليف الألماني في الأزمة الأوكرانية.
وسيبحث الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 63 عاماً، وأصبح مستشاراً خلفاً لأنجيلا ميركل قبل شهرين، مع الرئيس جو بايدن في عدد من القضايا، خصوصاً الوضع المتوتر في أوكرانيا.
ورأت مجلة "دير شبيغل" الأسبوعية الألمانية أن على رئيس السلطة التنفيذية في ألمانيا أن يتوقع "تأنيباً". وكتبت "يمكننا أن نتوقع بالتأكيد أن يحث جو بايدن المستشار الألماني على أن تكون ألمانيا أكثر حزماً مع موسكو".
وأضافت أن بايدن "سيفهمه مرة أخرى أن خط أنابيب الغاز "نوردستريم2" سيموت إذا هاجم بوتين أوكرانيا".
قعقعة السيوف
وكان شولتز قد قال، بحسب ما أوردت وكالة "أسوشييتد برس"، إن موسكو ستدفع "ثمناً باهظا" في حال شن هجوم، لكن الحكومة الألمانية رفضت إمداد أوكرانيا بأسلحة فتاكة، أو تعزيز وجود قواتها في شرق أوروبا، أو تحديد عقوبات ستدعمها ضد روسيا، وهو ما أثار انتقادات داخلية وخارجية.
"الألمان لم يتخذوا أي إجراء حتى الآن. إنهم يقومون بأشياء أقل بكثير مما يجب عليهم فعله"، وفقاً لما قاله السيناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ، ريتشارد بلومنتال، وهو عضو أيضاً في لجنة القوات المسلحة بالمجلس، أمام جمهور من أميركيين من أصول أوكرانية في ولايته كونيتيكت.
السيناتور الجمهوري روب بورتمان ردد هذا الكلام أيضاً، وتساءل عن سبب عدم موافقة برلين على طلب السماح لإستونيا - العضو في الناتو - بإرسال مدافع الـ"هاوتزر" الألمانية القديمة إلى كييف.
وقال بورتمان لشبكة (إن بي سي) "هذا الموقف غير منطقي بالنسبة لي. أوضحت هذا خلال محادثات مع مسؤولين ألمان، وأجانب".
في العلن، يشدد مسؤولون ألمان على أن بلادهم تقوم بدورها.
السفيرة الألمانية في واشنطن، إميلي هابر، حلت ضيفة على (فوكس نيوز) الشهر الماضي للدفاع عن موقف برلين الذي يقيد تصدير أسلحة لأوكرانيا، وسلطت الضوء على الدعم الاقتصادي السخي الذي تقدمه بلادها لكييف.
لكن في برقية دبلوماسية سرية بعنوان "برلين .. لدينا مشكلة"، حذرت هابر من أن ألمانيا تخاطر بأن تعتبرها واشنطن "شريكاً غير موثوق"، حسبما نشرت صحيفة "دير شبيغل" الأسبوعية الألمانية.
وركزت معظم الانتقادات على اعتماد ألمانيا الكبير على إمدادات الغاز الطبيعي الروسية، وتشييد خط أنابيب "نورد ستريم 2" لجلب هذا الغاز إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، متجاوزاً أوكرانيا.
لطالما عارضت الولايات المتحدة المشروع، لكنه يحظى بدعم قوي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري، الذي يتزعمه شولتز، وخاصة آخر مستشار لألمانيا ينتمي للحزب، غيرهارد شرودر.
ويعد شرودر، 77 عاماً، مقرباً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويترأس لجنة مساهمين في "نورد ستريم إيه جي"، ومجلس إدارة شركة "نورد ستريم 2".
وفي خطوة قد تحرج شولتز قبل زيارته الأولى لواشنطن، أعلنت شركة "غازبروم" الروسية الحكومية الجمعة أن شرودر، الذي اتهم أوكرانيا بـ"قعقعة السيوف" في مواجهتها مع روسيا، ترشيح المستشار الألماني السابق للانضمام لمجلس إدارتها.
جدل
وتحشد موسكو عشرات الآلاف من الجنود منذ أشهر عند حدود هذا البلد، وهذا ما رأى فيه الغربيون إشارة إلى عملية عسكرية كبيرة مقبلة. لكن روسيا تنفي ذلك.
وألمانيا هي منذ فترة طويلة المروج الرئيسي لخط الأنابيب هذا الذي يزيد من القدرة على استيراد الغاز الروسي ويعتبر حيويًا لإمداد أكبر اقتصاد في أوروبا بالطاقة.
ويلقى هذا المشروع الذي أنجز لكن لم يتم تشغيله بعد، تأييداً داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وفي المعارضة الألمانية أيضاً. ولم ينظر الحليف الأميركي بارتياح إلى تصريحات متناقضة بشأن روسيا صدرت عن برلين.
وقالت كونستانس شتلسنمولر من معهد بروكينغز للأبحاث، لوكالة "فرانس برس" إن هذه التصريحات سببت "خيبة أمل وانتقادات لاذعة في واشنطن".
وأضافت رئيسة مجموعة الدفاع البرلمانية، الليبرالية ماري أغنيس شتراك تسيمرمان "في الولايات المتحدة الانطباع الذي نتج جزئياً عن ذلك هو أن الألمان فقدوا عقلهم". وتابعت أن على أولاف شولتس "إصلاح الوضع والقول إن ألمانيا هي بالتأكيد شريك جدير بالثقة".
موقف حرج
وبعد الرئيس الفرنسي، سيزور شولتز بدوره كييف وموسكو في منتصف فبراير/شباط.
وضعت الأزمة الأوكرانية ألمانيا في موقف حرج إذ إنها تعتمد كلياً على الولايات المتحدة في الحماية العسكرية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت العلاقات عبر الأطلسي حجر الزاوية في سياستها الخارجية.
وقال يوهان فاديفول الخبير في القضايا الدولية في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، لوكالة "فرانس برس"، إنه تلقى رسائل إلكترونية من واشنطن تؤكد فيها أنها "قلقة جداً بشأن السياسة الخارجية الألمانية".
إلى جانب اعتمادها على الغاز، تحافظ ألمانيا أيضاً على علاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا، مما يدفعها إلى أن تكون أكثر حذراً بشأن العقوبات المحتملة ضد روسيا.
وقالت ستيلتسنمولر "إنه أمر مشروع، لأن الاقتصاد الألماني سيدفع الثمن".
وخلال فترة حكمها التي دامت 16 عاماً عملت ميركل التي وُصفت ذات مرة بأنها "زعيمة العالم الحر" خلال ولاية دونالد ترامب المضطربة، على الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، لكنها لم تتردد في الدفاع بقوة عن مشروع "نوردستريم 2" والحوار مع فلاديمير بوتين.
وعندما استقبل المستشارة في آخر زيارة لها إلى البيت الأبيض في يوليو/ تموز الماضي، قال بايدن "يمكن أن تحصل خلافات بين الأصدقاء الكبار".
(فرانس برس، أسوشييتد برس)