شهيد يودعه شهيد

02 اغسطس 2024
من جنازة هنية في طهران، 1 أغسطس 2024 (فرانس برٍس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الشهيد إسماعيل هنية أكد استمراره في درب الاستشهاد، مستذكراً قادة فلسطينيين اغتيلوا منذ ثورة 1936 وحتى ياسر عرفات.
- الاغتيالات هدفت لتفريغ الساحة الفلسطينية، لكنها عززت الوحدة والمقاومة، مع دعوات متزايدة للوحدة بعد استشهاد هنية.
- منظمة التحرير الفلسطينية أمام فرصة لاستعادة زمام المبادرة وبناء نفسها على أسس وطنية جامعة، مستندة إلى تضحيات الشهداء والجرحى.

كرر الشهيد إسماعيل هنية قوله إنه سائر في درب الاستشهاد، كآلاف غيره. وكمن جهّز نعشه على طريق حرية شعبه ووطنه، ودّع الرجل رفاق درب كثيرين، بل أهله وأبناءه وأحفاده بجملة "الله يسهل عليهم"، في تهجئة الفلسطينيين لمعاني الصبر والصمود. استدعى رحيله سريعاً منحوتة فلسطينية تاريخية التصقت بحمضهم النووي، عن أن لا سبيل لهم سوى المقاومة في وحدة المصير. قبل هنية رحل اغتيالاً مئات القادة، منذ ثورة 1936، وقبل وبعد غسان كنفاني، مروراً بفردان بيروت وماجد أبو شرار في روما ومجموعة ما يطلق عليهم "السفراء الفدائيون"، وزهير محسن في فرنسا وخالد نزال في أثينا وسعد صايل في لبنان وفتحي الشقاقي في مالطا، وخليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد) وفخري العمري (أبو محمد) في تونس، ومحمد عباس (أبو العباس) في سجون أميركا بالعراق، ومصطفى الزبري (أبو علي مصطفى) في رام الله، ويحيى عياش والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وعبد الله صيام في غزة، وغيرهم الكثير في الداخل والخارج، وصولاً إلى الزعيم ياسر عرفات (أبو عمار)، حيث بالفعل بات الشهيد يودعه شهيد.

مثل تلك الاغتيالات التي هدفت لتفريغ الساحة الفلسطينية، أو كسرها، ما أنتجت بعد الحزن والألم إلا لملمة الشظايا، لصنع متاريس مانعة للتشظي، وسهماً يشير إلى بوصلة الوحدة. بعد استشهاد أبو العبد (هنية) بساعات قليلة، ارتفعت نبرة الدعوة إلى الوحدة الفلسطينية، ليذكّر أصحابها أنفسهم أن ليس لحركة التحرر الوطني الفلسطيني سوى وحدة حالها ومصيرها. مصير لا تراه الصهيونية سوى مستسلمة أو مستسلمة. والرغبات والرؤى الصهيونية الدموية بداعميها الأميركيين، ووسط تخاذل عربي غير مسبوق في علنيته، ليستا قدراً محتوماً، ليظن البعض أن مسألة الوحدة على برنامج القاسم المشترك لحقوق وطنية تاريخية ترف. فإن ما يجري هو مواجهة استكمال الإبادة، ونخر وتفكيك حركة التحرر، لحصرها في المطالبة بخدمات حياتية تحت حراب المستعمر وإرهاب مستوطنيه.

أمام منظمة التحرير الفلسطينية فرصة كبيرة، مع كل تلك الدماء والتضحيات، لتستعيد مرة أخرى زمام المبادرة، مثلما أراد معظم الشهداء، وشعبها المكافح والمضحي بصلابة. لم تعد تكفي بيانات النوايا الطيبة، وهذا الكيان الصهيوني المتوحد فرحاً على دماء الفلسطينيين، لا يقابَل بتفكك، بل بوحدة تعيد بحق صدق مقولة: "العهد هو العهد". فما المانع أن تستعيد المنظمة بناء نفسها على أسس وطنية جامعة، وفي ظهرها شرعية تضحيات مئات آلاف الشهداء والجرحى، وتحديات جسام، على مذبح حرية فلسطين؟