شهر على غزو أوكرانيا: أميركا تستنزف روسيا

24 مارس 2022
شحنة أسلحة أميركية في كييف، فبراير الماضي (سيرغي سوبينسكي/فرانس برس)
+ الخط -

قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بعث مسؤولو الإدارة الأميركية بمختلف مستوياتهم السياسية والعسكرية إشارات واضحة حول عدم وجود أي نية لدى واشنطن للانخراط في الحرب بمواجهة موسكو، لكنهم تحدثوا أيضاً بمن فيهم الرئيس جو بايدن عن أن روسيا سيكون في انتظارها عقوبات مدمرة ومؤلمة.

ومنذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط، كان واضحاً أن لدى الولايات المتحدة استراتيجية واضحة متعددة الأبعاد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بما يسمح لها بتمكين أوكرانيا من الصمود على المستويات السياسية والمالية والعسكرية والإعلامية من جهة، وإضعاف النفوذ الروسي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً من جهة أخرى.

وهي الحملة التي ينخرط فيها جميع المسؤولين بمن فيهم بايدن الذي بدأ أمس جولة أوروبية عنوانها تأمين الدعم لفرض مزيد من العقوبات على روسيا.

في المقابل، حافظت واشنطن على خطوطها الحمراء لجهة عدم حصول صدام مباشر مع الروس، سواء في أوكرانيا أو في دول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، بولندا وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، منعاً لوقوع حرب عالمية نووية، وفقاً لتعبير بايدن. 

وفي الواقع، لم تولد الاستراتيجية الأميركية بين ليلة وضُحاها، بل بدأت فعلياً قبل الغزو، عبر نشر تقارير استخبارية حول نية الجيش الروسي اجتياح أوكرانيا.

وعزّزت الإدارة الأميركية توقعاتها بنشر صور لانتشار الروس على الحدود الشرقية لأوكرانيا وفي بيلاروسيا. حتى أن بايدن تحدث عن احتمال حصول غزو "في 16 فبراير/شباط" الماضي، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يبدأ الغزو إلا في 24 فبراير، سواء أكان ذلك بسبب فضح الأميركيين لموعد الاجتياح أو ما تردد عن وعده القيادة الصينية بعدم شنّ حربٍ خلال فترة الألعاب الأولمبية الشتوية التي انتهت في 20 فبراير الماضي في بكين.

وخلال الفترة التي سبقت الاجتياح، كثّفت الولايات المتحدة عمليات إرسال أطنان من الأسلحة إلى أوكرانيا قبل أن تسرّع العملية بعد الغزو، ليدور الحديث أخيراً عن تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي قديمة تعود إلى فترة الاتحاد السوفييتي كانت قد حصلت عليها واشنطن سراً بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا

في 24 فبراير، وبهدف دعم جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعلنتين من طرف واحد، بدأت القوات الروسية زحفها نحو الأراضي الأوكرانية، تحت شعار "العملية العسكرية الروسية الخاصة".

حينها باشرت واشنطن تطبيق استراتيجيتها المؤيدة لكييف بصورة تصاعدية. ميدانياً، قدّمت الإدارة الأميركية 90 طناً من الأسلحة الفتاكة، بالإضافة إلى أسلحة فردية وذخائر مثل صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات" وصواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات ومروحيات وعربات ومدافع وزوارق، بلغت قيمتها 885 مليون دولار.

وقدّمت أيضاً مساعدة مالية بقيمة 200 مليون دولار، قبل الإعلان في 15 مارس/آذار الحالي، عن تقديم 13.6 مليار دولار لأوكرانيا، على شكل مساعدات عسكرية وإنسانية.


أقرّت واشنطن مساعدات بقيمة 13.6 مليار دولار لأوكرانيا

ولم تكن المساعدات الأميركية جديدة، إذ إن الرئيس الأسبق باراك أوباما قدّم مساعدات بقيمة 80 مليون دولار على شكل أسلحة غير فتاكة لأوكرانيا في عامي 2014 و2015، فضلاً عن 23 مليون دولار كمساعدات إنسانية، وقرض بقيمة مليار دولار. كما منح الرئيس السابق السابق دونالد ترامب مساعدات بقيمة 2.277 مليار دولار، من ضمنها أسلحة فتاكة بقيمة 347 مليون دولار، بالإضافة إلى مساعدة مالية بقيمة 200 مليون دولار، بين عامي 2017 و2020.

وعدا عن تلقي جنود أوكرانيين تدريبات عسكرية أميركية في السنوات الماضية التي تلت ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا بالقوة عام 2014 واندلاع الحرب في الشرق الأوكراني، يعتمد الجيش الأوكراني على الإحداثيات التي توفرها الاستخبارات الأميركية، من أجل تحديد مواقع الأرتال الروسية وقصفها.

وعزز الأميركيون الدعم العسكري بحملات إعلامية مكثّفة حول "هبوط معنويات الجيش الروسي" و"عجزه عن تموين كتائبه" بالطعام والوقود والدواء والسلاح، بالإضافة إلى التركيز على "انعدام الحافز" لدى الجندي الروسي للقتال في أوكرانيا.

وفي التقارير اليومية للجيش والاستخبارات الأميركيين، تشديدٌ على الأداء السلبي للجيش الروسي، وصعوبة إعادة انتشاره وارتفاع عدد قتلاه وجرحاه في حرب كان يفترض أن "تكون خاطفة وسريعة" وفق تصوّر الكرملين.

ولم يقتصر الدعم العسكري على أوكرانيا، بل نقلت الولايات المتحدة جنوداً وأسلحة إلى دول الجناح الشرقي للأطلسي، ودول أوروبية أخرى. ويتراوح عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في القارة الأوروبية، وفقاً لبعض التقديرات بين 100 و120 ألف جندي.

وعلى الرغم من رفض الأميركيين مراراً فرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، كما يدعو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلا أنهم في الوقت نفسه أنشأوا "قناة اتصال" أميركية ـ روسية في 1 مارس الحالي، تسمح "للجانبين في إخطار بعضهما البعض بأي عمليات محتملة بالقرب من أوكرانيا"، وفقاً لكلام مسؤول دفاعي أميركي رفيع المستوى لقناة "سي أن أن" في حينه.


تركت واشنطن الباب مفتوحاً لانضمام كييف إلى الأطلسي

وبموازاة الدعم العسكري، قامت الدبلوماسية الأميركية بحشد مختلف القوى الفاعلة في أوروبا وضمن حلف الأطلسي، لفرض عقوبات مؤلمة، كما سبق أن توعدت، شملت سياسيين ورجال أعمال روساً (الأوليغارشيين)، ومصارف وقطاعات وشركات وسحب الاستثمارات الأجنبية من روسيا، ووقف خط أنابيب "نورد ستريم 2".

وهو ما دفع الروس للردّ بسلسلة إجراءات من أجل تجنّب حالة الذعر المصرفي. لكن الاستراتيجية الأميركية في منع واردات النفط الروسية من التدفق إلى أوروبا لم تنجح بعد، في ظلّ ممانعة أوروبية، ألمانية خصوصاً، لعدم إمكانية تأمين بديل للغاز الروسي بسرعة كافية.

التشديد على سيادة أوكرانيا

ومع مطالبة روسيا بـ"ضمانات أمنية"، تحديداً في عدم توسع الأطلسي شرقاً، إلا أن الولايات المتحدة ظلّت مستمرة بسياستها حيال انضمام أي عضو مستقبلي للحلف: "لأوكرانيا الحق باختيار الانضمام إلى الأطلسي من عدمه، كدولة مستقلة".

ولا يعني الموقف الرسمي الأميركي بالنسبة لروسيا، سوى تأجيج للحرب، خصوصاً أن السفارة الأميركية في كييف، تحدثت في خضمّ المفاوضات الأوكرانية ـ الروسية في بيلاروسيا، عن ضرورة "إعادة القرم" إلى كنف السيادة الأوكرانية. وهو موقف لا يتماشى مع "روسيّة القرم الأبدية" بحسب أدبيات الكرملين.

وكثّفت واشنطن ضغطها على موسكو، تحديداً في موضوع طرد الدبلوماسيين الروس من الدول الغربية، مع مواصلة ضغطها على الدول التي تمتنع عن إدانة الغزو الروسي، وغير المصطفة إلى جانب موسكو بطبيعة الحال، وفتح قنوات جانبية مع فنزويلا بشأن النفط، والإيحاء بقرب الاتفاق النووي مع إيران إيجابياً، من أجل ضخّ الغاز الإيراني إلى الأسواق العالمية.

لكن الولايات المتحدة لم تهمل في الوقت نفسه الملف الصيني، سواء بشأن تايوان، بعد بروز تحليلات عن احتمال استغلال بكين للحرب في أوكرانيا لغزو الجزيرة المقابلة لشواطئها، أو بشأن مدّ الصين روسيا بمساعدات عسكرية لتعزيز الهجوم الروسي المتوقف على جبهات عدة في الشرق والجنوب والشمال.

ويبدو أن معطيات الشهر الأول من الغزو، أظهرت صحة ما نشرته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن تحويل أوكرانيا إلى "أفغانستان جديدة لكن في أوروبا" للجيش الروسي، بما يشبه المستنقع الذي غرق فيه الجيش السوفييتي في أفغانستان بين عامي 1979 و1989، والتي أدت في النهاية إلى انسحابه مهزوماً فضلاً عن تفكك الاتحاد السوفييتي بعد سنوات قليلة.
(العربي الجديد)

المساهمون