يفصل العراق شهر واحد عن إجراء الانتخابات البرلمانية العامة في البلاد بنسختها الخامسة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وهي الأولى وفق نظام الانتخابات الذي اعتمد نظام الدوائر الانتخابية المتوسطة، وقسّم البلاد إلى 83 دائرة يتنافس داخلها أكثر من 3500 مرشح عن أكثر من 200 حزب وكيان سياسي. وتتواصل الاستعدادات للانتخابات، وسط استمرار مقاطعة القوى المدنية لها، على الرغم من الوساطات السياسية والحكومية التي بذلت في الأيام الماضية لإقناع هذه القوى بالعدول عن موقفها. وأبرز هذه القوى المقاطعة الحزب الشيوعي العراقي، أقدم الأحزاب العراقية (87 عاماً)، إلى جانب قوى وتكتلات تأسست عقب عام 2019، والتي اعتبرت جميعها أن الانتخابات المقبلة لن تكون بوابة للتغيير المنشود في البلاد في ظلّ سيطرة السلاح والمال السياسي على الشارع.
وتترافق الاستعدادات مع تأكيدات لمسؤولين أمنيين في بغداد، أنّ السلطات ستعلن حالة التأهب الأمني القصوى قبل موعد الانتخابات بثمانية أيام، على أن يتم في اليوم الأخير الذي يسبق الانتخابات إغلاق المطارات والمعابر الدولية، وإيقاف منح الإجازات لقوات الجيش والشرطة والأمن الوطني ونشر عناصرها بعموم مدن ومحافظات العراق.
السلطات ستعلن حالة التأهب الأمني القصوى قبل موعد الانتخابات بثمانية أيام
وصعّدت الأحزاب والكتل السياسية حملاتها الانتخابية في الأيام الأخيرة، خصوصاً التيار الصدري، الذي لا يخفي رغبته في انتزاع منصب رئاسة الحكومة المقبلة من خصومه التقليديين؛ حزب "الدعوة الإسلامية" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح"، الذي يجمع القوى والتكتلات الحليفة لطهران ويتزعمه الأمين العام لمنظمة "بدر" هادي العامري.
ويحق لأكثر من 25 مليون مواطن التصويت في الانتخابات المقبلة، من بينهم من هم من مواليد 2003، سنة الغزو الأميركي للعراق، والذين سيشاركون للمرة الأولى في الاستحقاق الانتخابي بعدما باتوا يبلغون 18 عاماً. ويتوزع هؤلاء الناخبون على 83 دائرة انتخابية في عموم مدن البلاد، وبواقع 8273 مركز اقتراع (يضم أكثر من محطة انتخابية)، و55 ألف محطة انتخابية، بينما يبلغ عدد المرشحين 3552 مرشحاً من بينهم 982 امرأة. كما سيشارك أكثر من 230 مراقبا دوليا من جهة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في مراقبة العملية الانتخابية، بينما ينتظر أن توفد الجامعة العربية وعدد من السفارات الأجنبية العاملة في البلاد مراقبين أيضاً، وفقاً لتصريحات سابقة أدلت بها المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، جمانة غلاي.
وتعهدت المفوضية، في وقت سابق، بالإعلان عن نتائج الانتخابات الأولية بعد 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع. وفي حال الوفاء بذلك، سيكون هذا الأمر محقبقا للمرة الأولى، إذ جرت العادة أن تستمر عملية عد وفرز الأصوات لأيام عدة. ويقول سياسيون إن هذه الفترة تجري خلالها عمليات تزوير وتلاعب واسعة بأصوات الناخبين. وجرى التعاقد مع شركة ألمانية متخصصة في إطار تسريع عمليات العد والفرز وتدقيق النتائج النهائية للانتخابات.
أمنياً، أنهت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، اجتماعاً موسعاً الإثنين الماضي، مع القيادات الأمنية والعسكرية للاطلاع على خطة تأمين الانتخابات. وقال رئيس اللجنة، محمد رضا آل حيدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "لجنة الأمن والدفاع استضافت رئيس لجنة تأمين الانتخابات الجنرال عبد الأمير الشمري، وضباطا من وزارة الداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب"، موضحاً أن "الاستضافة جاءت لتطمين الناخبين والمرشحين بشأن الانتخابات". وكشف عن أن "قواتنا ستدخل حالة الإنذار القصوى منذ يوم الثاني من أكتوبر المقبل، وستكون جاهزة للوقوف بوجه أي خروقات يمكن أن تحدث". وأوضح أن "خطة تأمين الانتخابات ستتضمن فرض ثلاثة أطواق أمنية من قبل قوات حماية المنشآت والشرطة والجيش"، لافتاً إلى أن "المحافظات ستشهد أيضاً استنفاراً أمنياً، تحت إشراف قادة محليين".
اللواء سعد معن: الخطط التي وضعت لتأمين الانتخابات، ستكون ناجحة لأنها اعتمدت على معايير ومقاييس تتعلق بكل محافظة
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء سعد معن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الخطط التي وضعت لتأمين الانتخابات، ستكون ناجحة لأنها اعتمدت على معايير ومقاييس تتعلق بكل محافظة، وهي قادرة على توفير الأجواء المناسبة للناخبين".
في الأثناء، لا تزال أطراف حكومية وسياسية عدة، تحاور القوى المدنية المقاطعة للانتخابات، لإقناعها بالعودة والمشاركة في الاستحقاق الانتخابي، خاصة مع تأكيدات مفوضية الانتخابات، أنه لا أثر قانونيا على قرارات الانسحاب الصادرة عن تلك القوى. ومن أبرز القوى المقاطعة، الحزب الشيوعي العراقي، وكتلة "البيت الوطني"، وحركة "نازل آخذ حقي"، و"اتحاد العمل والحقوق المدنية"، والتيار المدني العراقي، إضافة إلى "المنبر العراقي" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، و"جبهة الحوار الوطني"، وحزب "التجمع الجمهوري" بقيادة عاصم الجنابي. وتأتي المحاولات الحكومية والسياسية في هذا الإطار، بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تراجعه عن قرار مقاطعة الانتخابات والذي كان اتخذه في شهر يوليو/تموز الماضي.
في السياق، قال القيادي في تيار الحكمة، رحيم العبودي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "حراكاً واسعاً ومتسارعاً، يجري سياسياً وحكومياً، لإقناع القوى السياسية المقاطعة للانتخابات، بالتراجع عن قرار المقاطعة". وأوضح العبودي أن "القوى المقاطعة تطلب ضمانات بشأن منع التلاعب بالنتائج أو تزوير الانتخابات، والبعض يريد ضمانات حقيقية لمنع تدخل السلاح المنفلت في العملية الانتخابية، وكل هذه الطلبات ضرورة والكل متفق على أهميتها"، مرجحاً أن تشهد الأيام المقبلة "عودة بعض تلك الأطراف للسباق الانتخابي، فالحوارات تجري في أجواء إيجابية".
لكن القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، حسين النجار، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا عودة عن قرار مقاطعة الحزب للانتخابات". وأضاف: "قرّرنا عدم خوض الانتخابات، بعد عودتنا إلى التنظيم الحزبي وإجراء استفتاء عام شارك فيه جمهور واسع من الأعضاء، وكانت النتيجة لصالح المقاطعة، ولم يأت القرار مستعجلاً، بل بعد دراسة معمقة للواقع، ومتابعة مستمرة للوضع". وتابع: "وجدنا أن الشروط التي رفعتها التظاهرات لإجراء الانتخابات المبكرة، لم تتحقق، ولم يجر أصلاً التحرك لحل المشاكل وتذليل العقبات التي تواجه الانتخابات".
القوى المقاطعة تطلب ضمانات حقيقية لمنع تدخل السلاح المنفلت في العملية الانتخابية
وأوضح النجار أنه "عندما قررنا المقاطعة، قلنا إن قرارنا لا يعني معاداة العملية السياسية والانتخابية، ونريد أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة وعادلة، وفق ما طالب به المتظاهرون، ومن يعمل عكس ذلك، فهو يعادي العملية الديمقراطية". وأشار إلى أن "هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها، كونها جاءت بعد مطالبات واسعة بها، وكانت المطالبة لأجل تحقيق تغيير حقيقي، لكن الذي يجري هو إعادة إنتاج نفس الوجوه، وبالتالي لن يتحقق التغيير، وتُستغل حالياً أموال الدولة للدعاية الانتخابية، ولم نر أي مشروع وطني أو برنامج انتخابي يلبي الطموحات. هذا بالإضافة إلى عودة الفاسدين للترشح، وهناك متهمون بالقتل وتصفية المتظاهرين مرشحون أيضاً". وختم بالقول: "المعطيات المتوفرة تؤكد صحة ما ذهبنا إليه، بأن هذه الانتخابات ستعيد نفس الوجوه الحاكمة بصيغ أخرى، وبالتالي لن يتحقق التغيير".
وفي هذا الإطار، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، علي البيدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "القوى المقاطعة للانتخابات انقسمت إلى ثلاثة محاور؛ الأول هو التيار الصدري الذي أراد لفت الأنظار عبر مناورة سياسية يحفز من خلالها جمهوره ويبقى متصدراً للمشهد في فترة الذروة الانتخابية، وهو ما تحقق بعودته للسباق الانتخابي. والمحور الثاني، بعض الكتل السياسية التي وجدت نتائجها صفرية في الانتخابات بعد قراءات مسبقة لواقعها الشعبي، فقررت الانسحاب أو المقاطعة. أما في المحور الثالث، فتأتي القوى المدنية التي ترى في البيئة الانتخابية عقبة أمام مشاركتها، ولا ترى أي تطمينات حكومية بما يخص توفير البيئة الانتخابية المناسبة عبر حصر السلاح المنفلت، ومنع استخدام المال العام لأغراض انتخابية واستخدام النفوذ الحكومي في الدعاية". واعتبر البيدر أن "هناك جهات سياسية عدة ستتربح من بقاء تلك القوى على قرارها بمقاطعة الانتخابات، وهو ما يجعلها تستمر بالدفع باتجاه هذه المقاطعة أو خلق ظروف لاستمرار هذه القوى بموقفها نفسه".