فتح وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الباب واسعاً أمام التساؤلات عن دوافع الإدارة الأميركية وراء تلك الخطوة، وما هو الثمن الذي وجب على الحكومة دفعه خلال الفترة المقبلة.
ومن حسابه في "تويتر" غرد ترامب، أمس الاثنين، متعهداً بإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، إذا أقدمت الحكومة السودانية على إيداع مبلغ 335 مليون دولار كتعويضات من ضمن تسوية توصلت إليها مع أسر ضحايا الهجوم على المدمرة كول في سواحل اليمن عام 2000 وتفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام.
GREAT news! New government of Sudan, which is making great progress, agreed to pay $335 MILLION to U.S. terror victims and families. Once deposited, I will lift Sudan from the State Sponsors of Terrorism list. At long last, JUSTICE for the American people and BIG step for Sudan!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 19, 2020
وخلق الوعد الأميركي حالة من الارتياح في الأوساط الحكومية السودانية، اعتقاداً منها بأن الإجراء في حال اكتماله سيخرج البلاد من عزلتها التي امتدت لسنوات وسيعبّد الطريق أمامها للحصول على قروض ومنح هبات هي في أشد الحاجة إليها لجهة وقف التدهور الاقتصادي الذي قاد إلى حالة من الغضب الشعبي والتهديد بإسقاط الحكومة.
غير أنّ ثمة استفهامات وتساؤلات تطرحها مجالس السياسة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن الثمن الذي وجب أن تدفعه الخرطوم، أو بالأحرى دفعته مقابل إكمال شطب اسمها من القائمة السوداء التي أدرجت فيها منذ عام 1993 وفشلت كل المحاولات خلال 27 عاماً من حذفها منه.
هاجس التطبيع
عند كثير من المراقبين للشأن السوداني، يُرى أن ظواهر الأشياء ليست كجوهرها، ولا يعني مبلغ 335 مليون دولار سيدفعها السودان كتعويضات لأسر الضحايا شيئاً مقابل ثمن غير مرئي، خصوصاً أن المبلغ المدفوع يقلّ عن مبلغ 356 مليوناً تكفلت واشنطن بدفعه والتبرع به دعماً للحكومة الانتقالية، وذلك عبر مؤتمر شركاء السودان يونيو/ حزيران الماضي، لذا يرجحون وجود فواتير أخرى على الخرطوم تسديدها، ومن بينها التطبيع مع إسرائيل، ذلك الشرط الذي وضعته واشنطن في آخر جولة تفاوض مباشر مع الحكومة في أبوظبي، العاصمة التي تحرك قطار التطبيع العربي مع تل ابيب.
ويُرجح تلك التوقعات والتنبؤات ما ذكرته وزيرة المالية السودانية هبة محمد علي، التي كانت تتحدث مساء الاثنين للتلفزيون الحكومي، مشيرة إلى أن الاتفاق مع الإدارة الأميركية على حزمة من الحوافز منها إعفاء ديون السودان والحصول على مساعدات غذائية، لكن الوزيرة لم توضح المقابل لذلك.
وزير الإعلام، المتحدث الرسمي باسم الحكومة، وعقب صدور وعد الرئيس الأميركي، كان الأكثر جرأةً في النفي الكامل لفكرة (التطبيع مقابل الشطب)، وأكد في تصريح صحافي أن ملف إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب منفصل تماماً عن ملف قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأن الحكومة لم تنكسر أمام ضغوط جهات إقليمية ودولية للربط بين الملفين.
وأعاد صالح التأكيد أن الحكومة الحالية لن تتخذ قراراً بشأن العلاقة مع إسرائيل إلا بعد نقاش مجتمعي سياسي تشارك فيه كل التيارات ومناقشات أخرى عبر المجلس التشريعي (البرلمان) المقرر تشكيله في الأيام المقبلة.
ويتفق فائز السليك، المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء مع كلام الوزير، ويؤكد أن كل جهود الحكومة الانتقالية وحوارها مع الإدارة الأميركية كان حول ملف منفصل، هو إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، وأن الحكومة فعلت ما عليها بدفع أموال التعويضات.
وأوضح السليك لـ"العربي الجديد" أن رد رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك على وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في أثناء زيارته للخرطوم، كان واضحاً، وهو أن موضوع التطبيع قرار ليس من اختصاص الحكومة الانتقالية، وأنه يحتاج لتشاور بين عدد من المؤسسات والأحزاب وغيرها.
في مؤتمر صحافي لاحق اليوم الثلاثاء، أعاد وزير الخارجية عمر قمر الدين التأكيد بعدم ارتباط ملف الإزالة وملف التطبيع وأي موضوع آخر بما ذهبت إليه وزيرة المالية، هبة محمد علي، بأن السودان وحده من يحدد سياسته الخارجية ويقرر فيها في التوقيت المناسب الذي يحدده هو ذلك، رداً على سؤال التطبيع.
ولم تقنع كل تلك التصريحات الصحافية العديد من القوى والتيارات السياسية التي ترى أن الحكومة تريد حفظ ماء وجهها وعدم الإفصاح عمّا مضت فيه من موافقة على التطبيع.
وذكر الأمين السياسي لحزب الإخوان المسلمين، حسن عبد الحميد لـ"العربي الجديد" أن كل الدلائل تشير إلى أن الخرطوم ستوقع على إعلان سياسي مع إسرائيل والولايات المتحدة توافق فيه رسمياً على ثمن التطبيع، على أن تؤجل تبادل السفارات والعلاقات الطبيعية في الوقت الراهن إلى حين تدبير أمرها سياسياً بإكمال هيكلتها بقيام البرلمان.
عبد الحميد: كل الدلائل تشير إلى أن الخرطوم ستوقع على إعلان سياسي مع اسرائيل والولايات المتحدة توافق فيه رسمياً على ثمن التطبيع
وأشار عبدالحميد إلى أن أكثر ما تتخوف منه حكومة حمدوك هو الغضب الشعبي الرافض للتطبيع، وبالتالي تخشى تراكم الغضب عليها بعد فشلها الاقتصادي، ما يؤدي إلى سقوطها.
هذا ما يؤكده أيضاً أسامة توفيق القيادي في حركة الإصلاح الآن الذي يشير لـ"العربي الجديد"، إلى أن الثمن الحتمي المفروض على الحكومة هو الاستجابة لرغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتنفيذ "صفقة القرن" التي دشنتها الإمارات والبحرين.
وأضاف توفيق أن "تكتم الحكومة على موضوع التطبيع والقول بعدم الربط بينه وبين إزالة السودان من قائمة الإرهاب هدفه بث طمأنات وسط الحاضنة السياسية، أي تحالف الحرية والتغيير الحاكم، المكون من تنظيمات عديدة لديها مبدئية تجاه العلاقة مع إسرائيل".
فيما يقول أبو القاسم برطم، رئيس تيار المستقبل وأحد مؤيدي التطبيع، إن الملف لم يغلق تماماً، وإنه سيكتمل مع هذه الحكومة أو مع غيرها من حكومات.