شراكة غريبة بين جنوب أفريقيا وروسيا تحيّر المراقبين

17 اغسطس 2023
بوتين لن يزور جنوب أفريقيا (سيرغي شيريكوف/ فرانس برس)
+ الخط -

تسلّط استضافة جنوب أفريقيا قمة مجموعة بريكس الأسبوع المقبل الضوء على العلاقات بين بريتوريا والكرملين، التي تتسم بالدفء ويعتبرها البعض أمراً محيّراً.

ويعود تاريخ العلاقة بين موسكو وحزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم في جنوب أفريقيا إلى فترة الحرب الباردة، عندما دعم الاتحاد السوفييتي نضال الحزب ضد نظام الفصل العنصري.

ولا تزال هذه العلاقات اليوم قوية للغاية رغما عن التحولات التاريخية والأيديولوجية التي كان من المفترض، منطقيا، أن تؤدي إلى التباعد.

وانهار الاتحاد السوفييتي في 1991، الأمر الذي أدى إلى زرع بذور قومية في روسيا التي يقودها اليوم فلاديمير بوتين.

أما الانتصار على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فأدّى إلى قيام نظام ديمقراطي ودستور هو الأكثر ليبرالية في القارة.

ويعتبر المحللون الذين يسعون إلى فهم العلاقة بين الطرفين أنّ الروابط التاريخية والشخصية تتجاوز الشقوق الأيديولوجية بينهما، مشيرين أيضاً إلى احتمال وجود احتياجات لديهما قد تكون أقل وضوحا.

ويقول المحلل السياسي سانديل سوانا: "يمكنك القول إن تحالفهما صداقة بنيت على الدم... والرصاص". أما المحلل ستيفن جروز من "معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية" فيرى أنّه من الناحية السياسية، فإن ما يجمعهما "شراكة غريبة".

ودعي بوتين للمشاركة في قمة مجموعة دول بريكس (جنوب أفريقيا، البرازيل، الصين، الهند، روسيا) التي تستضيفها جنوب أفريقيا من 22 إلى 24 أغسطس/ آب.

لكنّ الرئيس الروسي صدرت بحقّه مطلع مارس/ آذار مذكّرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جريمة حرب تتمثّل في "ترحيل" أطفال أوكرانيين منذ غزو أوكرانيا، وهي اتهامات ترفضها موسكو بالكامل.

ومن المفترض نظرياً أن تقوم جنوب أفريقيا باعتقال بوتين في حال دخل أراضيها، بصفتها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.

موقف متناقض

واتخذ الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامابوزا موقفا متناقضا بشأن هذه المسألة، إلى أن أعلن في نهاية المطاف أنّ بوتين قرر عدم الحضور. وقاد رامابوزا في يونيو/ حزيران الماضي وساطة أفريقية مع جمهورية الكونغو ومصر والسنغال وأوغندا في محاولة للتوصل إلى سلام بين كييف وموسكو.

ولم تنجح الوساطة لكنّها ساعدته في تجاوز اتهامات له بـ"التحيّز" في هذا النزاع. وبالنسبة لدزفينكا كاشور من "الرابطة الأوكرانية في جنوب أفريقيا" فإن هذه البعثة سمحت لرامافوزا والقادة الأفارقة الآخرين "بالتحدث مباشرة إلى الشعب الأوكراني" وتقييم الوضع بأنفسهم.

من الناحية الاقتصادية، يبدو أن وقوف بريتوريا بجانب موسكو في هذا الوضع أمر غير منطقي، بحسب متخصصين.

وتأتي الولايات المتحدة في المركز الثاني كأكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا بعد الصين. وبلغت صادراتها 4,2 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2023.

بالمقابل، تعتبر التجارة مع روسيا "منخفضة للغاية"، بحسب وصف مبعوث جنوب أفريقيا إلى موسكو، حيث بلغت قيمة الصادرات 132 مليون دولار فقط من يناير/ كانون الثاني إلى يونيو/ حزيران.

وإثر اتهامات حول قيام بريتوريا بتزويد الكرملين سرا بالأسلحة، دعا مشرعون أميركيون الإدارة لإخراج جنوب أفريقيا من اتفاق تجاري كبير، ما أثار قلقا لدى بعض الشركات وأحزاب المعارضة في الدولة الأفريقية.

ويرى المحلل السياسي ويليام جوميدي أنّ الوقت حان لتدرك بريتوريا أنّ هذا الاتحاد لم يعد يخدمها. وأضاف أن هذه العلاقة تقوم على "رابطة عاطفية"، مضيفاً "لا نستطيع تحمل" تكلفتها بعد الآن.

مصلحة استراتيجية

وينظر بوتين إلى جنوب أفريقيا في إطار مصلحة استراتيجية نظراً إلى وضعها في القارة التي أصبحت بشكل متزايد ساحة للمعارك الدبلوماسية بين القوى الكبرى، بحسب محلّلين.

لكن هناك إجماعا أقل حول سبب اهتمام الحزب الوطني الأفريقي بالإبقاء على علاقة وثيقة للغاية مع بوتين.

ويواجه حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم منذ ثلاثة عقود تقريباً نفورًا متناميًا يغذيه تعثّر الاقتصاد وتزايد البطالة وتفاقم عدم المساواة واستفحال أزمة الكهرباء.

وفي انتخابات العام 2024، سيصوّت المقترعون لانتخاب أعضاء الجمعية العامّة، حيث يختار حزب الأغلبية بالعادة رئيس البلاد.

وكتب الصحافي ريتشارد بوبلاك في صحيفة "ديلي مافريك" الشهر الماضي: "من الواضح أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يرى شيئا آخر في روسيا بوتين - أمرا ملهما".

وأضاف: "روسيا بمثابة منارة (..) استبدادية ساطعة تنير الطريق نحو الحكم الأبدي".

بينما يعتبر آخرون أن المال مرتبط بالأمر.

وتلقى الحزب، العام الماضي، أكثر من 800 ألف دولار من شركة لتعدين المنغنيز مرتبطة بقطب ثري روسي يخضع لعقوبات أميركية للمساعدة في تمويل مؤتمر حزبي.

وفي مايو/ أيار الماضي، قال زعيم المعارضة جون ستينهاوزن إن "الحزب الوطني الأفريقي يقف إلى جانب روسيا لسبب واحد فقط: لأن الاتحاد الروسي يمول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وبالتالي يتسلل ويزعزع استقرار الديمقراطية في جنوب أفريقيا".

ورفض الحزب الحاكم بغضب هذه التلمحيات.

وأكد المسؤول في الحزب في جوهانسبرغ كولوغو نجواشينج أن الحزب تلقى أيضا تبرعات من "رجال أعمال أميركيين".

وأضاف: "إنها مشكلة فقط عندما يدعم الروس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي"، مؤكّداً أنّ "هذا غير عادل".

(فرانس برس)

المساهمون