شبح الجاسوسية يحوم فوق شمال أوروبا مجدداً... اسكندنافيا في مرمى الاستخبارات الروسية 

29 أكتوبر 2022
الاستخبارات النرويجية أوقفت عدداً من الروس خلال الفترة الماضية (Getty)
+ الخط -

تتسارع في مجموعة "دول الشمال" أخبار العودة إلى عصر الجاسوسية من فترة الحرب الباردة وخلف الستار الحديدي الجديد الممتد من اسكندنافيا شمالا نحو جنوب شرق القارة الأوروبية.

حالة من الإرباك باتت تسببها أنشطة تتهم روسيا بمسؤوليتها عن زيادة توتير أمني-عسكري متزايد، ويشمل الدول الاسكندنافية، المشرفة على بحر البلطيق وبحر الشمال الهامين لموسكو.

هذا التوتر، الذي يتخذ أيضاً طابع مناورات جوية لحلف شمال الأطلسي، بمشاركة طائرات "قصف نووي" (بمشاركة هولندية-بلجيكية) في بحر الشمال، يجيء تزامناً مع تزايد أنشطة روسية قرب حدودها مع فنلندا والنرويج، حيث الحضور العسكري للأطلسي والأميركيين يتكثف منذ أشهر. 

وكانت الاستخبارات النرويجية أوقفت عدداً من الروس خلال الفترة الماضية، وبعضهم متلبس بتحليق طائرات بدون طيار فوق مناطق حساسة كبنية تحتية وعسكرية. وسجّل الجهاز الأمني في أوسلو أكبر خرق له الاثنين الماضي، باعتقاله "باحثا أكاديميا" ادعى أنه برازيلي الجنسية، بينما هو في الحقيقة عميل للاستخبارات العسكرية الروسية "GRU"، وفق ما تسربه الأجهزة الأمنية في أوسلو. 

وتعتقد أجهزة الاستخبارات العسكرية والمدنية في دول الشمال أن ما يجري من أنشطة تجسس أمر منظم ومصمم في روسيا، فإلى جانب الاستخبارات النرويجية، خرج في استوكهولم تقييم للاستخبارات "سابو" أمس الجمعة، مؤكداً أن الظاهرة تنم عن بدء "تفعيل خلايا الجاسوسية النائمة" في الشمال.

وذكر مسؤول في الجهاز السويدي أمس (الجمعة) لصحيفة "داغنس نيهتر" في استوكهولم أن العودة إلى التجسس البشري بات ملحوظاً في أوروبا، ويشكل تهديداً.

ويؤكد الجهاز أن "ضباط المخابرات (الروس) يعملون تحت ستار مهنة أخرى، غالباً ما يكون غطاء دبلوماسياً، ولكن يمكن أن يكون مهنا أخرى"، وذات التقييم تذهب إليه الاستخبارات العسكرية الدنماركية "إف إي"، في أحدث تقييماتها لمخاطر الاستهداف التجسسي الروسي. 

عملياً، فإن ما يجري، بحسب خبراء في مجال الأمن وتحليل الذكاء، إعادة تنشيط الخلايا التجسسية "بعد سنوات من التدريب على كيفية البقاء مختبئين وبالتالي إعاقة الوصول إليهم"، وفقاً للباحث في جامعة لوند السويدية، توني إنغيسون.

ويعتقد إنغيسون، في تحليل، أن اعتقال الجاسوس، الذي ادعى أنه برازيلي جاء ربما بسبب كونه "جهة اتصال مع جواسيس روس آخرين"، وربما بينهم أولئك الذين أُوقفوا في شمال النرويج خلال الأسابيع الماضية، إذ يعتقد البعض أن التحقيق مع هؤلاء وكشف تحركاتهم أوصل إلى "الباحث البرازيلي"، بل إن الاستخبارات السويدية تعتقد أن واحداً من كل ثلاثة دبلوماسيين روس في بلدها يعمل كضابط استخبارات روسي، حيث باتت تفتح استوكهولم عيونها جيداً هذه الأيام، مع توالي القبض على الجواسيس في النرويج. 

وكان الجاسوس الأخير، الذي ادعى أنه "أكاديمي برازيلي"، التحق بأحد الجامعات النرويجية في ترومسو (أقصى شمال النرويج، وتضم تواجداً عسكرياً للأطلسي والأميركيين) للعمل مع مجموعة من الباحثين على تحليل أساليب الحرب الهجينة.  

وجرت مراقبته بعد أن شارك في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي في ندوة أكاديمية في ليتوانيا عن "كيفية تصرف الأوروبيين مع تفجير نوردستريم1 و2"، لتتأكد الاستخبارات النرويجية أنه ليس من البرازيل، وأنه عميل روسي جرى تدريبه على التكيف مع هويته الجديدة. وهو بالفعل ما أقدم عليه جهاز الاستخبارات الروسي الخارجي في دول أخرى بالاتحاد الأوروبي، حيث اتخذ العملاء صفة وهوية أخرى من دول أميركا الجنوبية، كما كُشف في أمستردام وبروكسل خلال السنوات الماضية، إلى حد اختراق ضباط من حلف شمال الأطلسي عبر عميلة حسناء تنقلت بين بروكسل وميلانو.  

ويعتقد رئيس مركز أبحاث الأمن "توتال ديفينس"، ياكوب غوستافسون، أن "روسيا تقف وراء الغالبية العظمى من قضايا التجسس في أوروبا". ويرى الباحث إنغيسون في جامعة لوند أن "لروسيا تاريخا طويلا في جمع المعلومات الاستخباراتية ضد أوروبا، لأنها هامة استراتيجيا لها، كذلك أهميتها على مستوى التجسس الصناعي". 

ويؤكد الأمن النرويجي أن الطائرات بدون طيار التي جرى استخدامها فوق مناطق حساسة في البلد "استهدفت إحداث إرباك من ناحية واختبار الاستعداد والجهوزية العسكرية والأمنية في النرويج"، وفقاً لتصريحات مساعدة رئيس جهاز الاستخبارات (بي اس تي) في أوسلو، هيدفي موي. 

وتنقل صحيفة "أفتون بوستن" النرويجية عن مخابرات بلدها أن تقييمها خلص إلى أن موسكو "بالفعل بات لديها قدر كبير من المعرفة عن البنية التحتية الحيوية والهامة في النرويج". 

صحيح أن موسكو لم تعلق كثيراً في بدايات الكشف عن الخلايا، لكن يبدو أن اعتقال "الأكاديمي البرازيلي" (37 عاماً)، دفع السفارة الروسية في أوسلو إلى القول إن ما يجري "رهاب نرويجي عن الجاسوسية"، نافية علاقة المعتقلين، بمن فيهم نجل أحد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالأجهزة الأمنية في موسكو.  

 

لكن جهاز الاستخبارات النرويجي كشف اليوم السبت معلومات علنية عن أن المعتقلين بحوزتهم طائرات بدون طيار وأقراص تخزين وأن" ما جرى التجسس عليه شمل منصات النفط والمطارات والانتشار العسكري، وعلاقة هذه الأنشطة باستخبارات روسيا".

كذلك يعتقد الجهاز الأمني النرويجي جازماً أن "المنشآت العسكرية في النرويج معروفة لروسيا، ويبدو أن بعض الأنشطة الأخيرة باستخدام طائرات كان هدفه تحويل الأنظار عن أنشطة استخباراتية أخرى حول الاستعدادات النرويجية الأخيرة، وأنها تحت السيطرة.  

ويأتي كل ذلك في ذروة توتر يشمل أقصى شمال النرويج وفنلندا وصولاً إلى أيسلندا العضو في شمال الأطلسي، والتي شهدت تحليق طيران أميركي لإبعاد غواصة نووية روسية بعيدا عنها، في الوقت الذي تتزايد فيه تحركات عسكرية من كلا الجانبين الغربي والروسي في بحر الشمال وبحر البلطيق، بما في ذلك استعراض العضلات النووية بشكل غير مسبوق منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي. 

وعملية تجنيد الجواسيس، وفقا لخبراء الأمن في الصحف الاسكندنافية، عادة ما يشرف عليها ضباط من الاستخبارات الخارجية والعسكرية الروسية. وفي الغالب، فإن تجنيد غير الروس يمكن أن يكون بدوافع مالية وفكرية.

وبالفعل عايشت السويد أصعب مراحل الجاسوسية، رغم حيادها، حتى عام 1987، حيث استطاع الروس تجنيد بعض كبار ضباط جيشها، وسربوا وثائق خطيرة وفر بعضهم نحو موسكو.