أكد سياسيون ونشطاء تونسيون، اليوم الخميس، أن حملة الاعتقالات التي جرت في الآونة الأخيرة بحق عدة سياسيين وناشطين وصحافيين وقضاة ومحامين، والتي شملت أمس الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي، والقيادية في "جبهة الخلاص الوطني" شيماء عيسى، "لن تتوقف، بل هي مرشحة لمزيد من التصعيد في ظل تخبط السلطة وغياب الحلول للأزمة التي تعيشها تونس".
وأوضح هؤلاء أن جل القضايا المثارة بحق المعتقلين تأتي تحت عنوان "التآمر على أمن الدولة" لتضخيم الملفات وإعطائها حجماً كبيراً، مشددين على أن هذا الأمر سينتهي لأن التونسيين لن يقبلوا تواصل الظلم.
وقال الأمين العام السابق لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن" الحملة العشوائية للاعتقالات انطلقت منذ مدة، وقام بها (الرئيس التونسي) قيس سعيّد بعد أن اشتد عليه الخناق"، معتبراً أن "سعيّد يقضي أيامه الأخيرة من خلال الهجوم على معارضيه واعتقالهم".
ولفت إلى أنه "بعد استهداف نشطاء مستقلين، جرى أمس اعتقال أمين عام الحزب الجمهوري، وعضو جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، والعنوان الكبير للاعتقالات هو التآمر على أمن الدولة"، مضيفاً أن "الشعبويين يعتمدون الأوهام ويسوّقون أن من اعتُقلوا يتآمرون على أمن الدولة ويتخابرون مع أطراف أجنبية ويخططون للاغتيال لصناعة ملف خطير وكبير".
وأضاف الشواشي بصفته محامي الشابي وعيسى أن "الملف فارغ ومبني على تقارير أمنية، ولا يحتوي على العناوين الخطيرة الموجهة للخصوم"، موضحاً أنه جرى "اتهامهم بالإرهاب وإحالتهم على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لإعطاء الملف هذه الصبغة والاستفادة من الإجراءات التضييقية".
وقال إن "التونسيين بصدد اكتشاف الوجه الجديد للديكتاتورية، الذي يضرب النشطاء والحقوقيين والسياسيين والإعلاميين، والهدف هو التخويف وبث الرعب في صفوف التونسيين، ورغم رفع هذا الحاجز بعد الثورة تجرى الآن إعادة بث الرعب وإلهاء التونسيين عن مشاكلهم الحقيقية، مثل فقدان السلع الأساسية". واعتبر الشواشي أنه "أمام العجز والفشل الدبلوماسي مع الدول الصديقة والشقيقة، تأتي هذه الإيقافات للتغطية على الفشل، وهي بداية النهاية والأيام الأخيرة لقيس سعيّد".
ويبدو أن السلطة انتقلت في الأيام الأخيرة إلى السرعة القصوى في التوقيفات، حيث ألقي القبض على عدد كبير من هذه الشخصيات، وهم تقبعون في سجن الإيقاف، فيما لا يزال آخرون يخضعون للتحقيق.
ويواجه موقوفون عدة التهم نفسها تقريباً، كـ"التآمر على أمن الدولة"، أو "ارتكاب أمر موحش ضد الرئيس"، فيما يلاحق آخرون بتهم الفساد وتبييض الأموال، وتبدو غالبية المداهمات التي شُنّت ضدهم، بحسب تصريحات محاميهم، غير قانونية ولا تخلو من جوانب استعراضية، حيث كان بالإمكان توجيه بعض الاستدعاءات للمثول لدى الفرق المعنية، في حين أنه ليست هناك تهم محددة أصلاً ببعض الملفات، بحسب تأكيد المحامين.
خطاب متشنج
من جهته، قال عضو فرع منظمة "محامون بلا حدود" بتونس، حمزة بن نصر، إن "حملة الإيقافات كانت متوقعة في ظل الخطاب المتشنج من قبل السلطة والتحريض الكبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي، كان من الواضح أنه سيتم الوصول إلى هذه المرحلة". وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه سبق أن حذرت "محامون بلا حدود" من "تواتر الاعتداءات"، محذراً من أن "غياب تفعيل القانون سيؤدي حتما إلى الإيقافات التعسفية والحد من الحريات، خاصة مع المرسوم عدد 54 (يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال) والتهجم على القيادات السياسية".
أما نقيب الصحافيين التونسيين، مهدي الجلاصي، فأكد أن "المحاكمات شملت مدونين وإعلاميين ونشطاء في منظمات حقوقية"، مشيراً إلى أنها طاولته كذلك كنقيب، ويراد منها التخويف. وشدد في تصريح لـ"العربي الجديد" على أن "هناك منظمات ونشطاء سيواصلون الدفاع عن مكاسبهم رغم توظيف الأجهزة الأمنية"، لافتاً إلى أنه "ليست لديهم معرفة بأسباب التصعيد، لكن الواضح أن السلطة تريد زرع مناخ من الخوف".
تدهور مؤشر الحريات
من جانبه، قال الأمين العام لحزب "العمل والإنجاز"، عبد اللطيف المكي، في بيان: "إننا في حلقة جديدة من حلقات استهداف سلطة السيد قيس سعيّد معارضيها، وقد تم إيقاف كلّ من أمين عام الحزب الجمهوري الأستاذ عصام الشابي، والقياديّة في جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، مع محاصرة بيت الناشط والقيادي بفي بهة الخلاص جوهر بن مبارك. وأمام توسّع دائرة الإيقافات خلال هذين الأسبوعين، فإن حزب العمل والإنجاز يعبر عن تضامنه تضامنا مطلقا مع كلّ الذين تمّ إيقافهم الليلة وخلال الفترة السابقة".
وجدد المكي دعوة "كلّ المنتظم الحقوقي إلى فضح هذه الاستهدافات الممنهجة للحقوق والحريّات"، محملا السلطة القائمة مسؤولية تدهور مؤشر الحريات في البلاد، وداعيا في الآن نفسه "المنتظم السّياسي والمدني إلى مزيد من توحيد الجهود للخروج من المأزق السّياسي والاقتصادي والاجتماعي الخانق للبلاد وللشعب التونسي".
وفي بيان لها، استنكرت "الهيئة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية والحريات" تواصل توظيف القضاء والأجهزة الأمنية لاستهداف المعارضين والصحافيين، منددة بالتنكيل بالقاضي بشير العكرمي، ومؤكدة "دخول تونس في نفق مظلم بسبب ممارسات وخطاب الرئيس".
دولة الشخص الواحد
وفي بيان لها اليوم الخميس، دانت الهيئة "تواصل مسلسل توظيف السلطة السياسية، ممثلة في رئيس الدولة قيس سعيّد، للقضاء وللأجهزة الأمنية لاستهداف المعارضين، وآخرهم إيقاف أمين عام الحزب الجمهوري الأستاذ عصام الشابي والناشطة السياسية شيماء عيسى، في إطار ما يُسمّى ملف التآمر على الأمن الداخلي، الذي أثبتت أوراقه حجم خوائه وتهافته، وبأنه مجرّد شمّاعة، غايتها ليست فقط إسكات المعارضين السياسيين والحقوقيين، بل بالخصوص إشاعة مناخ من الخوف في المجال العام بما يضرب في الصميم الحريات السياسية والمدنية".
واعتبرت الهيئة أيضًا أن "إثارة تحقيق قضائي ضد نقيب الصحافيين محمد ياسين الجلاصي وعدد من الحقوقيين، على خلفية تظاهرة معارضة لاستفتاء 25 جويلية (يوليو/ تموز)، هي دليل إضافي على إمعان السلطة السياسية في استهداف الحريات العامة"، داعية بالخصوص جميع الصحافيين والصحافيات "للذود عن مبادئ مهنتهم والتصدي للمحاولات الممنهجة لتركيع الإعلام من سلطة لا تريد أن تسمع إلا نفسها". وتنتقد أطراف عديدة الإجراءات التي أطلقها الرئيس التونسي عام 2021، بعد إقدامه على حلّ البرلمان المنتخب في 2019، وإلغاء دستور 2014، وتمريره دستوراً جديداً في استفتاء 25 يوليو/تموز 2022.
واستنكرت الهيئة كذلك "قرار رئاسة الجمهورية طرد النقابية الأوروبية إستر لينش من تونس على خلفية مشاركتها في مسيرة نضالية نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل بصفاقس، وذلك في استهداف متجدّد للحق النقابي، وبالخصوص لمبدأ التضامن العمالي".
واعتبرت أن "الخطاب السيادوي لرئاسة الجمهورية لتبرير هذا القرار المهين لسمعة الدولة التونسية يهدف للتغطية على خيار واضح في اتجاه ضرب الحق النقابي، في سياق محاولة استعادة دولة الشخص الواحد".
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد ندد، الاثنين الماضي، بقرار الرئيس التونسي اعتبار الأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية، إستر لينش، شخصاً غير مرغوب فيه، طالباً منها مغادرة البلاد في ظرف 24 ساعة.
ووصف الاتحاد، في بيان، القرار بـ"الخطوة العدائية وغير المسبوقة"، معتبراً إياه "انتهاكاً صارخاً للحقّ النقابي ومواصلة في استهداف الاتحاد وضرب العمل النقابي".
وخلصت "الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية" إلى أن "تونس دخلت نفقاً مظلماً بسبب ممارسات وخطابات السلطة السياسية ممثلة في رئيس الدولة قيس سعيّد، الذي يعادي بشكل بيّن الحريات السياسية والمدنية، ويستهدف المعارضة والمنظمات الوطنية لمواصلة اختطافه الدولة منذ انقلاب 25 جويلية 2021 وتركيز نظام سلطوي وفاشي".
ودعت كل القوى السياسية والمدنية إلى "التجنّد لخوض المعارك النضالية اللازمة، وبكل الوسائل المشروعة، دفاعا عن الحرية وسيادة القانون، وذلك من أجل الحفاظ على مكتسبات الحد الأدنى واستعادة المسار الديمقراطي".
كما أصدرت أحزاب "التيار الديمقراطي" و"العمال" و"القطب" و"التكتل" بيانا مشتركاً، جاء فيه أن "سلطة الانقلاب تتخبط في مستنقع القمع، وتواصل سعيها المحموم لتكميم الأفواه وتفكيك أركان المجتمع المدني تمهيدا للجثوم أبدا على صدر الدولة والشعب".
وجاء في البيان كذلك: "لم يكتف رئيس سلطة الانقلاب بتقسيم التونسيات والتونسيين وهرسلة (قمع) من يعارضه منهم. إذ صدمنا وصدم العالم بخطاب عنصري يتنافى والقيم الإنسانية والمعاهدات الدولية التي كرسها دستور الثورة، ويحرض على ضيوف تونس بل ويهدد مكانة بلادنا في المحفل الأفريقي"، في إشارة إلى اجتماع عقده سعيّد وخُصّص للإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة المهاجرين غير النظاميين من "أفريقيا جنوب الصحراء"، والتي أدلى خلالها بتصريحات صادمة بحقهم.
وطالبت الأحزاب الأربعة السلطات بـ"احترام القانون التونسي الذي يجرم العنصرية، وبالكف عن خطاب الكراهية وإيجاد الحلول لتسوية وضعية الجنوب صحراويين الذي غادروا بلدانهم بسبب الفقر أو بسبب الظلم المسلط عليهم من حكامهم، كما تعبر عن رفضها تحويل تونس إلى شرطي لحماية الحدود الجنوبية للبلدان الأوروبية، وتؤكد أن خطاب العنصرية والكراهية يصب في خانة اليمين المتطرف الذي يشن حملات عنصرية على المهاجرين التونسيين وغيرهم"، بحسب البيان.
واعتبرت أيضا أن "اعتداءات السلطة المحمومة والعشوائية على كافة مكونات المجتمع المدني والإعلامي والسياسي وسياسات الإلهاء والتشويش والشعبوية، ليست إلا محاولات للتغطية على الاعتداء الأكبر على الشعب في قوته وفي حقوقه وفي كرامته بسبب عجز قيس سعيّد وأعوانه".