أكد سياسيون تونسيون أن البرلمان القادم (الانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل) سيكون فاقدا للصلاحيات وللشرعية وتحت سيطرة السلطة التنفيذية، مضيفين أن الشغورات الموجودة في بعض الدوائر ستزيد من إرباك المشهد السياسي الجديد، "فلا يكفي أن البرلمان سيكون بلا أحزاب ولا تمثيلية سياسية، بل سيتكون من نواب عن جهاتهم فقط".
وأعلن الحزب الدستوري الحر، اليوم الإثنين، أنه تقدم بقضية استعجالية أمام المحكمة الابتدائية في تونس ضد هيئة الانتخابات، لإيقاف مسار الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022، وتجميد كافة المبالغ المالية المرصودة لها.
وبيّن الحزب أنه تم تقديم القضية "أمام تعنت هيئة الانتخابات غير الشرعية، ومضيها قدما في إنجاز محطة 17 ديسمبر 2022 من دون استكمال الترشحات في كل الدوائر، في اعتداء صارخ إضافي على حق التونسيين في انتخابات قانونية ومطابقة للمعايير الدولية، فضلا عن إهدار المال العام".
وكذلك، أكدت حركة تونس إلى الأمام (مساندة لسعيّد) أن "التّزكيات وما انجرّ عنها من تسرّب المال المشبوه مثلت حاجزا أمام تعدّد الترشّحات التي غابت في بعض المناطق".
وأضافت الحركة، في بيان لها اليوم الإثنين، أن "الترشحات اقتصرت على ترشح واحد في بعض الدوائر وعلى مُرشّحَيْن في بعض الجهات، بينما تجاوز عدد المرشحين من رؤساء البلديات فيها سابقا 27 مرشحا"، مشيرة إلى أنها "كانت نبهت إلى ما تضمنه القانون الانتخابي من قرارات كان لها تأثير واضح على واقع الترشّحات، حيث غاب تمييز المرأة والشّباب طبقا لما نصّ عليه الدّستور".
وجاء في البيان أن "الحركة نبهت إلى التّأثيرات المحتملة لواقع الترشحات على نسب المشاركة في انتخابات 17 ديسمبر 2022"، معتبرة أن ذلك "يستدعي وبشكل ملح خطابا رسميّا، تفسيريّا لما يحدث، قائما على بلورة اَفاق تخلق الأمل في واقع أفضل وتضمن حلولا سريعة لبعض عوامل الاحتقان".
مكتب محلق برئاسة الجمهورية
وأكد القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "وجود دوائر من دون مرشحين سيزيد في إضعاف شرعية البرلمان القادم، إلى جانب العديد من الإخلالات الكبيرة التي شابت الترشحات"، مشيرا إلى أن "صلاحيات البرلمان محدودة، ما يجعله مجرد مكتب ملحق برئاسة الجمهورية".
وتابع الشعيبي أن" وجود الشغورات وعدم وجود مترشحين في بعض الدوائر دليل آخر على أن هذا البرلمان لا يمتلك الشخصية المعنوية، ولا يمثل السلطة التشريعية المطلوب إرساؤها في تونس"، مضيفا أن "القانون الانتخابي لا يقدم أي إجابة قانونية لسد الشغورات حتى لو كانت بانتخابات جزئية، وخاصة في مثل هذه الحالة، لأن المشرع لم يتطرق إلى تنظيم انتخابات تشريعية من دون مترشحين".
وأضاف أن "محاولة تجاوز الفراغ الآن لن تخلو من التعسف على القانون الانتخابي، وبالتالي لا أحد يعرف كيف سيكون التعاطي مع هذه الشغورات في غياب تنصيص واضح على هذه الحالة".
برلمان "فاقد" لكل الصلاحيات
من جانبه، قال القيادي في حزب العمال، جيلاني الهمامي، إن" البرلمان القادم قد يكون كل شيء إلا أنه برلمان، بمعنى أنه فاقد لكل الصلاحيات، ومجرد مؤسسة شكلية"، مضيفا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هيئة الانتخابات التي أشرفت على المسار الانتخابي لم تكن لها أي وظيفة سوى تسجيل الناخبين"، مبينا أن "الدور الرئيس سيكون بيد قيس سعيّد وليس البرلمان، الذي سيعمل على تبرير ما يشرعه الرئيس".
وأضاف الهمامي أن "طبيعة النظام الانتخابي الجديد، حسب قانون قيس سعيّد، حددت طبيعة الدوائر والترشحات، وهذا ما جعل أسس البرلمان غير موجودة، لأن البرلمان في الأصل مؤسسة تمثل الشعب التونسي ولا تمثل فقط الجهات، في حين أن هذا البرلمان يجمع ممثلي المحليات، فالنائب المنتخب يمثل الشعب من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، الأمر الذي لن يتوفر في البرلمان الحالي، إلى جانب عديد الثغرات والنقائص، والتي هي في الحقيقة مقصودة لتأسيس برلمان صوري لا وظيفة له، ليبقى سعيّد المشرع الحقيقي".
وبين المتحدث أن "عدم وجود مرشحين في 7 دوائر دليل على الإخلالات في القانون الانتخابي الذي وضعه سعيّد، فالانتخابات منذ البداية تشوبها عدة إشكالات".
لبديل ضد المنظومة الجديدة
بدوره، أكد عضو المكتب الوطني للتيار الديمقراطي سليم الميساوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التيار الديمقراطي، ومنذ البداية، كان ضد مسار 25 يوليو برمته، وهو ما تدعّم بعد صدور المرسوم 117، وخاصة أمام احتكار رئيس الجمهورية جميع السلطات التنفيذية والتشريعية".
وبين الميساوي أن "البرلمان في الديمقراطيات يكون دوره الطبيعي تشريعيا ورقابيا على السلطات، ولكن البرلمان الجديد سيكون مسلوب الإرادة والصلاحيات، وبالتالي هو برلمان صوري"، مؤكدا أن "من ضمن إخلالات القانون الانتخابي كيفية سد الشغورات، فهو لم يتطرق إلى هذا الاحتمال، أي عندما لا تكون هناك ترشحات في دوائر أو يوجد مترشح واحد، وهذا يدفع نحو الفراغ".
وتابع المتحدث أن "الطبيعة تأبى الفراغ، وهو ما دفعهم إلى تكوين تشكيلات مع عدة أطراف سياسية لإيجاد توازنات وطرح بدائل لهذا الوضع، ورغم أنهم كانوا ضد المنظومة التي حكمت طيلة 10سنوات، ولكن أمام عودة الدولة البوليسية وأمام الوضع الصعب والمرهق، لا بد من بديل ضد المنظومة الجديدة التي أتى بها سعيّد".
لإنجاح المحطة القادمة
في المقابل، يرى الكاتب العام الوطني لحراك 25 يوليو كمال الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنهم "كحراك داعم ومساند للرئيس، فهم ضد الفراغ الدستوري، لأن تأجيل الانتخابات وعدم احترام المواعيد سيقود إلى فراغ دستوري"، مبينا أن "موازنة الدولة مراقبة بآليات دستورية، والتي هي أساسا المجلس التشريعي، كما أن الاتفاقيات الدولية مع البنوك العالمية تفرض وجود البرلمان".
ولاحظ أنه "تشريعيا، قد يتم اللجوء إلى انتخابات جزئية في الدوائر التي حصلت فيها شغورات، وربما تمديد في الوقت للترشح، وبالتالي، المشرع التونسي قد يجد آليات للتعامل مع هذه المسألة".
وأضاف أنه "رغم مساندتهم الرئيس، إلا أنهم متخوفون من البرلمان القادم نظرا لغياب التعددية".
وفسر أن "غياب التمويل العمومي للمرشحين ربما كان وراء عدم الترشح، إلى جانب شرط توفير التزكيات (400 مقسمة بين الرجال والنساء) التي شكلت عائقا أمام المترشحين"، مشيرا إلى أنه "رغم ذلك، كان هناك مترشحون، ورغم أنه قد تكون هناك إشكالات في البرلمان القادم، لكن كان من الضروري إنجاح المحطة القادمة".