أكد سياسيون تونسيون، اليوم الثلاثاء، أن الهدف من إيقاف رئيس "حركة النّهضة" راشد الغنوشي، قبل أيام قليلة من عيد الفطر، هو التنكيل به وبالحركة، معتبرين أن السلطة، وفي ظل استفحال الأزمة التي تمر بها البلاد، مرت إلى السرعة القصوى في الاعتقالات، وفي استهداف قادة "حركة النهضة".
وأجمع غالبية السياسيين مباشرة بعد اعتقال الغنوشي في وقت متأخر من مساء الإثنين، على أن السبب قد يكون، بحسب رأيهم، هو تصريح له في اعتصام لـ"جبهة الخلاص"، مساء أمس الأحد.
وكان مصدر مسؤول بوزارة الداخلية قد قال لوكالة الأنباء التونسية إن "الغنوشي سيبقى على ذمة الأبحاث في قضية تتعلق بتصريحات تحريضية كان قد أدلى بها، إلى حين اتخاذ الإجراءات بخصوصه".
وقال مستشار رئيس "حركة النهضة"، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة بلقاسم حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه تم اقتحام منزل الغنوشي وتفتيشه، ثم اقتياده إلى العوينة دون توضيح أسباب الاعتقال، مؤكداً أن هناك تعبئة اليوم ضد رئيس "حركة النهضة"، ويبدو أن الأمر يتعلق بتصريح له أمس في اعتصام "جبهة الخلاص".
ولفت إلى أن "الغنوشي تحدث عن خطورة الإقصاء والاستئصال وتداعيات ذلك، وهذا يدفع الناس إلى الحرب الأهلية والاقتتال، وتم اعتبار ذلك كأنه دعوة لذلك، في حين أن الغنوشي حذر منه، مبيناً أن هذا يندرج في إطار التعسف والاستعداء".
وبالعودة إلى التصريح الذي يبدو أنه سبب إيقاف الغنوشي، فقد قال فيه إن "النهضة"، عندما كانت في السلطة، تكونت جبهة أيديولوجية ضدها، وهو ما أدى لاحقاً إلى الانقلاب، لافتاً إلى أن "عمل الجبهة الوطنية للخلاص كمشروع وطني، مثل تطويراً حقيقياً في عمل المعارضة"، مؤكداً أن "تونس دون هذا الطرف أو ذاك، أي دون يسار، أو دون نهضة، ودون إسلام سياسي، أو أي مكون من المكونات، هي تؤسس للحرب الأهلية".
وبيّن أن "ما يجمع السياسيين المعتقلين اليوم هو الدفاع عن الحرية، ومحاكمتهم علامة انتصار، فقد تجاوزوا المعارك الأيديولوجية، وهم مجتمعون حول الحرية"، معتبراً أن "من يحاكمون من الثورة المضادة في دوائر العدالة الانتقالية جرائمهم ثابتة، ويحاكمون خارج السجن، بينما رموز الثورة يحاكمون داخل السجن".
من جهتها، قالت الأمينة العامة لحزب "حراك تونس الإرادة"، المحامية لمياء الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الإيقاف مواصلة للإيقافات التي سبق وشملت سياسيين ومحامين، وأغلبها على خلفية آراء وتصريحات وقراءات ورؤى"، مبينة أن "هذه الآراء تندرج ضمن تحذيرات من أوضاع قد تصل إليها البلاد في صورة تفاقم الأزمة".
وأوضحت الخميري أن "أغلب المحامين ظلوا خارج ثكنة العوينة مباشرة بعد إيقاف الغنوشي، حيث لم يتم تحديد أسباب الإيقاف، ولكن أغلب الآراء ذهبت إلى التصريح الذي حذر فيه من الوصول إلى حرب أهلية إذا غابت الديمقراطية وعدم قبول الآخر، وهذا تحليل وقراءة للوضع".
ولفتت إلى أن "إيقاف الغنوشي كان مفاجئاً، رغم أنه بعد إيقاف أمناء أحزاب وقادة سياسيين لم يعد الأمر مستغرباً، ولكن مداهمة بيت الغنوشي تمت مع أذان المغرب، وفي شهر فضيل وهو شهر رمضان، وقبيل مناسبة عيد الفطر، وهذا أمر غير مقبول لأنه حتى في القانون عادة لا يتم تنفيذ الأحكام في أعياد دينية، لا مسيحية، ولا يهودية، ولا إسلامية"، مشيرة إلى أن "اعتقال الغنوشي (80 عاماً)، غير مقبول، فهو مسنّ، ولا بد من مراعاة الظرف الصحي للرجل، وهو يُعتبر ظرف تخفيف"، وبينت أن "الأصل هو الحرية، ولكن للأسف، تم ترك القانون جانباً لأن الهدف هو التنكيل".
وفي تفاعل مع هذه التطورات، كتب الرئيس الأسبق منصف المرزوقي على صفحته في "فيسبوك": "من بين القواعد التي عبث بها المنقلب، قاعدة حفظ المقامات، هي تحفظ للصراع السياسي الحدّ الأدنى من التحضر، مانعة الانتقال من العنف الرمزي المتمثل في الصراع بالكلمات والأفكار، إلى العنف بكل تبعاته".
وأضاف: "عودوا إلى رشدكم، فلو دامت لغيركم لما أتتكم. عاملوا راشد الغنوشي بما يتطلبه عمره ومكانته بكل احترام، وكفوا عن كل أشكال الهرسلة والشيطنة والتخوين. ما هكذا تساس المجتمعات المتحضرة والخلافات السياسية داخلها"، وأضاف: "أطلقوا سراح الشيخ هو وبقية الرهائن السياسيين، هذا إن أردتم الخير لأنفسكم وليس فقط لهذا الوطن المنكوب".
إلى ذلك، علّق الناشط السياسي وعضو "جبهة الخلاص الوطني" عز الدين الحزقي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على توقيف الغنوشي قائلاً إن "هذا دليل على الفشل، فالبلاد للأسف في فوضى"، مبيناً أن "ما يحصل هوس، وما حصل في حق رئيس البرلمان الشرعي جريمة".
وأوضح الحزقي أن "الإيقاف مع أذان المغرب يكشف عن حقد دفين وتشف، ومن الناحية السياسية والأخلاقية والإنسانية فهو جريمة"، مشيراً إلى أن "هذا يكشف الانقلاب أكثر فأكثر".
وبيّن أن "الأوراق تسقط يوماً بعد يوم، وللأسف الفشل يجعل الانقلاب يمرّ إلى السرعة القصوى، واستهداف خصومه، فهو يخشى الكلمة، ويبدو أن الإيقاف أتى على خلفية تصريح للغنوشي"، معتبراً أن "الأجيال المقبلة ستبني مستقبلها على أنقاض هذه الأخطاء وهذه الفوضى".