بينما تتواصل المواجهات العسكرية في ناغورنو كاراباخ بين الجيش الأذربيجاني وقوات أرمينية، دخل الصراع مرحلة التراشق الإعلامي بين الدول المعنية بما يجري لجهة تبادل الاتهامات بإرسال مرتزقة أجانب لمساندة طرف على حساب الآخر، فما حقيقة وجود مقاتلين سوريين ولبنانيين على جبهات القتال المضادة في الإقليم المتنازع عليه؟
اختارت أذربيجان الردّ على الاتهامات بتلقيها دعماً عسكرياً من تركيا واستقدامها مقاتلين أجانب من سورية بتوجيه اتهامات إلى أرمينيا بالاستعانة بمرتزقة أرمن في القتال، لا سيما من لبنان وسورية.
وقال مساعد الرئيس الأذربيجاني، حكمت حاجييف، خلال مؤتمر صحافي أمس الجمعة: "نرى أن الجانب الأرميني يحاول جلب مرتزقة أجانب، خصوصاً من أصل أرميني، من دول ثالثة إلى أرمينيا للقتال ضد أذربيجان".
وأضاف أن "أرمن من سورية ولبنان ينتشرون حالياً في أرمينيا وهم في صفوف القوات المسلحة الأرمينية التي تقاتل ضد أذربيجان". وهو ما أورده كذلك "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، بعدما أكد توجّه بضع مئات من الأرمن السوريين إلى أرمينيا للمشاركة في القتال.
وخلال مقابلة مع قناة "الجزيرة" أمس اعترف الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان بوجود مقاتلين أجانب بين القوات الأرمنية، معتبراً وجودهم "أمراً طبيعياً" في الصراع المسلح مع أذربيجان. وقال: "من حق أي أرميني أن يقاتل إلى جانب أرمينيا، لا عيب في أن يساعد الأرمن أشقاءهم".
من جهته، قال النائب هاغوب بقرادونيان، الأمين العام لحزب "الطاشناق"، أكبر الأحزاب الأرمينية في لبنان، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، إن أرمينيا "ليست بحاجة إلى شباب من دول يوجد فيها الأرمن للتوجه إليها والتطوع في الجيش"، مضيفاً أنه "لا نيّة لدى الأحزاب الأرمينية بإرسال شبان، ولا يحصل أي عمل تنظيمي في هذا السياق" إلا أنه لفت في الوقت ذاته إلى توجّه شبان بمبادرة فردية.
كذلك أورد عنه موقع "مرصد نيوز" الإخباري قوله إن "اللبنانيين الأرمن متعاطفون ككل الديسبورا الأرمنية مع إخوتهم في كاراباخ"، مؤكداً أن "هناك حماساً كبيراً في أوساط الشباب الأرمن للتوجّه الى هناك والقتال دفاعاً عن الأرض والحق".
وتابع قائلاً "في حرب 1988 كانت الأحزاب الأرمينية تتولى إرسال المقاتلين من لبنان الى أرمينيا، أما اليوم فييريفان ليست بحاجة لمقاتلين. ندعو شبابنا الى البقاء في لبنان ودعم القضية سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً وحتى مادياً رغم الوضع الصعب". واستدرك بالقول "لكن لا نستطيع منعهم من الذهاب وقد أصبح قسم منهم اليوم على الجبهات. لم نرسل مجموعات منظّمةـ إذ نحن بحاجة الى شبابنا في لبنان، ويمكن للأرمن في دول أخرى أن يرسلوا مجموعات للقتال".
أما رئيس حزب "الرامغافار" الأرميني، سيفاك اكوبيان، فقال، وفق المصدر نفسه، إن "الحرب اليوم تندرج في حق شعب بتقرير مصيره"، معتبراً العامل القومي أقوى من العامل الديني.
ووفق ما أورده "مرصد نيوز" أكد أكوبيان أنهم لم يبعثوا أي شبان للقتال، لكنه لم ينف توجه اللبنانيين الأرمن بشكل فردي للقتال في ناغورنو كاراباخ. وأوضح أن قسماً كبيراً من اللبنانيين الأرمن استعادوا جنسيتهم الأرمنية وأدوا الخدمة العسكرية هناك، ما يحتم وفق تصريح التحاقهم بالجيش للقتال "لأنه تم إعلان التعبئة العامة وكل من يبلغ من العمر 50 سنة وما دون وهو في الاحتياط ملزم الالتحاق بالقوى العسكرية الأرمينية".
سوريون يقاتلون في أذربيجان؟
في المقابل، تتهم يريفان تركيا بإرسال مرتزقة من شمال سورية لدعم الجيش الأذربيجاني، وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، أمس الجمعة، إن أنقرة تتدخل عسكرياً في المعارك إلى جانب أذربيجان عبر نقل مقاتلين من شمال سورية.
وأمس أعلن الكرملين أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وباشينيان، عبرا عن قلقهما البالغ من مشاركة ما وصفه الكرملين بـ"جماعات مسلحة غير شرعية من الشرق الأوسط في القتال"، وذلك في اتصال هاتفي هو الثالث منذ اندلاع القتال في الإقليم.
ونفى الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، وجود مقاتلين سوريين في بلاده يشاركون في المعارك الدائرة على حدود إقليم ناغورنو كاراباخ، كما ادعى الجانب الأرميني.
وقال علييف، في تصريحات لقناة "الجزيرة"، إنّ "الأنباء التي ذكرتها أرمينيا بشأن نقل مقاتلين سوريين إلى أذربيجان كاذبة". وأضاف الرئيس الأذربيجاني أنّ "السبب الرئيسي للأزمة أنّ أرمينيا لا تريد السلام... غياب الضغوط على أرمينيا لبدء تنفيذ قرارات مجلس الأمن سبب آخر للأزمة... أرمينيا تريد احتلال أراضينا للأبد، لذا الأزمة مستمرة منذ فترة طويلة".
وقال مساعده حاجييف إن بلاده "ليست بحاجة إلى أي مقاتلين أجانب، لأنه لدينا قوات مسلحة محترفة ولدينا أيضاً قوات احتياط كافية".
إلى ذلك، ذكرت وكالة "فرانس برس"، نقلاً عن "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن أكثر من 850 مقاتلاً من فصائل سورية موالية لأنقرة وصلوا إلى ناغورنو كاراباخ منذ الأسبوع الماضي، بعد انتقالهم من شمال سورية إلى تركيا ومنها جواً إلى المنطقة المتنازع عليها. ووصلت الدفعة الأولى المؤلفة من 300 مقاتل قبل اندلاع الاشتباكات، ثم الدفعة الثانية خلال الأسبوع الحالي، فيما أحصى "المرصد" مقتل 28 منهم على الأقل منذ بدء الاشتباكات.
كذلك أوردت "فرانس برس" أنها تواصلت أمس الجمعة مع مقاتل سوري، لم تذكر اسمه، قالت إنه أكد وجوده في أذربيجان، مضيفة أنها تحققت من تبلّغ عائلات ثلاثة مقاتلين على الأقل بمصرعهم خلال المعارك.
وبحسب "المرصد" ينتمي المقاتلون إلى فصائل موالية لأنقرة تنشط خصوصاً في منطقة عفرين، التي سيطرت عليها القوات التركية عام 2018 بعد هجوم واسع استهدف المقاتلين الأكراد.
وأوضح مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، في تصريح لـ "فرانس برس"، أن غالبية المقاتلين الذين غادروا ينتمون إلى المكون التركماني وينضوون في صفوف الفصائل التي شاركت إلى جانب تركيا في هجمات عدة شنتها في شمال وشمال شرق سورية.
وقال الباحث المتخصص في التنظيمات الجهادية أيمن التميمي لـ "فرانس برس" إن المقاتلين هم "خليط من مقاتلي المعارضة القدامى أو المجندين الجدد من الشباب" يعملون بـ"إمرة" تركيا، مضيفاً أنه قد سبق لبعضهم أن تلقّى دعماً غربياً خلال سنوات الثورة السورية.
إلا أن المتحدث باسم "الجيش الوطني"، الجناح العسكري للمعارضة السورية، الرائد يوسف حمود، نفى في حديث لـ "فرانس برس" توجّه "أي مقاتل تابع للجيش الوطني أو باسم الجيش الوطني الى أذربيجان"، موضحاً أن الموضوع برمّته "حملة إعلامية بدأتها الحكومة الأرمينية" ونفتها باكو. وأضاف "إنّها حملة إعلامية لتشويه سمعة الجيش الوطني".