يحضر الاتفاق النووي الإيراني والتطورات السورية كأبرز ملفّين يحملهما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في زيارته إلى طهران، غداً الثلاثاء، بدعوة من نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، مع توجّه الأنظار نحو فيينا التي تستضيف المفاوضات بين إيران والأوروبيين وبمشاركة أميركية غير مباشرة لإحياء الاتفاق النووي، وذلك في ظل انتظار توضح الرؤية الكاملة لإدارة الرئيس جو بايدن حيال مختلف الملفات الدولية. وبحسب وزارة الخارجية الروسية، فإن أجندة زيارة لافروف إلى طهران تشمل تبادلاً للآراء حول عدد من القضايا الملحّة، بما فيها الوضع حول خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الموقّع عام 2015)، والأوضاع في سورية وأفغانستان واليمن ومنطقة الخليج، والطيف الكامل من قضايا العلاقات الثنائية، وفي مقدمتها المشاريع الاقتصادية في مجالي الطاقة والنقل. ويختم لافروف بزيارته طهران، مجموعة من الزيارات إلى الدول الإسلامية سبقت بدء شهر رمضان، وشملت الهند وباكستان وكازاخستان ومصر. ومن اللافت أن زيارة لافروف إلى طهران تتزامن مع اقتراب اكتمال الـ100 يوم الأولى على تنصيب بايدن رئيساً، وترقّب تغيير في سياسته تجاه طهران وما إذا كان سيعود إلى العمل بالاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب.
وفي هذا الإطار، توقع الخبير في نادي "فالداي" الدولي للنقاشات، المحلل السياسي فرحات إبراهيموف، أن يتصدر ملفا سورية والنووي الإيراني أجندة مباحثات لافروف في طهران، في ظل أهميتهما لتحديد مستقبل إيران على المدى المتوسط. وقال إبراهيموف، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تنوي إيران الانسحاب من سورية، ولكنها تسعى لأن تعود الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وترفع العقوبات، أو الجزء الأكبر منها على الأقل. في المقابل، يبدو أن الأميركيين مستعدون للتوصل إلى حل وسط والعودة إلى الاتفاق النووي، ولكن من دون رفع العقوبات، وبشرط توسيع الاتفاق بما يشمل عدول إيران عن تطوير حتى البرنامج النووي السلمي، والتخلي عن مصالحها في الشرق الأوسط، لا سيما في سورية".
لا تنوي إيران الانسحاب من سورية، ولكنها تسعى لأن تعود الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة
ولفت إلى مجموعة من المؤشرات تكشف انعدام رؤية واضحة لدى إدارة بايدن لسياستها تجاه إيران، مضيفاً: "عندما تقول واشنطن شيئاً أو لا، ثم تفعل شيئاً آخر يسفر عن نتيجة مختلفة، فهذا لا يدل إلا على انعدام قرار محدد بشأن إيران. بايدن وإدارته أكدا ضرورة إقامة الحوار مع طهران، ثم مددا بعد نحو أسبوعين العقوبات لمدة عام، مما قد يزيد من صعوبة الحوار، على الرغم من أن الإيرانيين يسعون ألا يستجيبوا للتحريض ويحرصون على المفاوضات".
وفي ما يتعلق بالخيارات المتاحة أمام إيران للدفاع عن مصالحها ورفع العقوبات عنها، رأى إبراهيموف أن "طهران تراهن على موسكو وبكين اللتين تتبنيان المواقف الأكثر منطقية تجاه تسوية المشكلة النووية الإيرانية. كما يدرك الإيرانيون أن الاتحاد الأوروبي معني بتطبيع العلاقات مع طهران وزيادة إمدادات موارد الطاقة الإيرانية، فيسعون للضغط على بروكسل من دون تجاوز الخطوط الحمر".
وسبق للافروف أن أعرب، في نهاية مارس/آذار الماضي، عن اعتقاده بأن إدارة بايدن تُصدر إشارات مبشرة لمحاولة التوصل إلى حل وسط والخروج من المأزق حول الاتفاق النووي الإيراني، مؤكداً دعم موسكو لذلك. إلا أن هذه الآمال لم تتحقق بعد إعلان واشنطن عدم استعدادها لرفع جميع العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2017.
في سياق آخر، تتزامن زيارة لافروف إلى طهران مع تزايد الأنباء عن تعزيز إيران وجودها في سورية عن طريق نقل الأسلحة، وتأكيد عزمها مواصلة دعم النظام السوري، وإرسال ناقلات النفط لمواجهة أزمة نقص الوقود، مقابل تزايد الشكوك في استمرار الدعم الروسي لحليفها بشار الأسد، إلى ما لا نهاية.
مجموعة من التباينات بين مواقف روسيا وإيران تجاه سورية
وأشار إبراهيموف إلى مجموعة من التباينات بين مواقف روسيا وإيران تجاه سورية، قائلاً: "أولاً، قد لا تكون موسكو راضية عن النشاط الإيراني المكثف في سورية والاتفاقية العسكرية الجديدة بين دمشق وطهران الموقّعة في العام الماضي. ثانياً، هناك تباين بين مواقف موسكو وطهران منذ إبرام الاتفاق الروسي التركي لإخراج المدنيين والمسلحين من أحياء حلب الشرقية نهاية عام 2016، خلافاً لتطلع إيران للحل العسكري". وحول التباينات الروسية الإيرانية الأخرى حول سورية، أضاف: "سعت إيران لإقصاء الولايات المتحدة من محادثات أستانة، مقابل دعوة روسيا إلى مشاركة أميركية كمراقب، وانعقاد المحادثات الثنائية الروسية التركية حول مصير إدلب في سوتشي من دون مشاركة طهران، وأخيراً سعي إيران لبقاء الأسد لأطول فترة ممكنة، مقابل إدراك موسكو ضرورة تنحيه بعد الانتخابات".
يُذكر أن آخر لقاء للدول الضامنة لعملية أستانة (روسيا وتركيا وإيران) انعقد في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود جنوب روسيا يومي 16 و17 فبراير/شباط الماضي، وأسفر عن تأكيد الأطراف على وحدة أراضي سورية وسيادتها ومواصلة مكافحة الإرهاب، ولكن من دون تحديد موعد عقد لقاء جديد، وسط تباين الرؤى لمستقبل سورية بعد انتهاء المرحلة النشطة من العمليات العسكرية.