تتصاعد حدة التوتر بين الجيش العراقي ومليشيات تابعة إلى حزب العمال الكردستاني في سنجار غرب الموصل، بعد سلسلة من الأحداث في المدينة خلال الأسبوعين الماضيين.
وتضمنت الأحداث ثلاث مواجهات مباشرة بين الجانبين، أسفرت عن إصابة 27 جندياً عراقياً، وخطف اثنين من قبل مليشيا "وحدات حماية سنجار"، المعروفة اختصاراً بـ"اليبشة"، وهي الذراع المحلية لحزب العمال الكردستاني في سنجار. كما أصيب ثلاثة مدنيين، بينهم طفل، خلال المواجهات.
انتشار واسع للجيش في سنجار
وتنفذ الفرقة 20 في الجيش العراقي عملية انتشار واسعة في سنجار وضواحيها، وأبرزها القحطانية وسنونو، ضمن توجه الحكومة في بغداد لاستعادة السيطرة على المدينة، التي تخضع لنفوذ وهيمنة مسلحي حزب العمال الكردستاني.
تحسين الخفاجي: القوات العراقية ستواجه بحزم أي قوة تحاول زعزعة استقرار سنجار
لكن عمليات إعادة الانتشار في المدينة، تواجه برفض من قبل مسلحي مليشيات تابعة إلى "العمال"، أبرزها "وحدات حماية سنجار"، وعناصر من "أيزيدي خان"، إلى جانب مسلحي الحزب أنفسهم، الذين يرفضون التخلي عن مواقعهم في جبل سنجار.
وبدأت حدة التوترات الأخيرة بين الجيش العراقي بالتصاعد منذ منتصف فبراير/شباط الماضي، عندما أمر قائد الفرقة 20 العميد أثير الربيعي بإنزال صور زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، من الساحات والتقاطعات العامة، واعتقال من يرفع "صور الإرهابي"، متوعداً بـ"دفن من يتجرأ على إنزال العلم العراقي مرة أخرى". وجاء تهديده بعد قيام عناصر الحزب بإنزال العلم العراقي من ساحة اليرموك، أكبر ساحات سنجار ورميه على الأرض.
تعزيزات للجيش إلى سنجار لفرض الأمن
ووفقاً لجنرال في قيادة عمليات نينوى، فإن قيادة العمليات المشتركة في بغداد سترسل تعزيزات للجيش إلى سنجار خلال الفترة المقبلة، لفرض الأمن والنظام بالمدينة. ولفت إلى أن "الجيش سيدخل أي مكان أو بقعة في العراق، متى قرر ذلك، وعلى الجميع أن يفهم هذا الأمر".
وكشف أنه عُقدت، خلال الأيام الأخيرة، اجتماعات مكثفة بين قادة في الجيش وعدد من ممثلي مليشيات مرتبطة بـ"العمال"، من دون التوصل إلى اتفاق، "بسبب إصرار المليشيات على الانتشار في مناطق متعددة داخل سنجار، وفرض سيطرتها عليها، وهذا ما رفضه القادة العسكريون".
وتحدث عن "قرب بدء عملية عسكرية لفرض القانون والنظام في المدينة وضواحيها، وصولاً إلى الحدود مع سورية، تتضمن أيضاً قطع طرق تسلل مسلحي حزب العمال الكردستاني من سورية إلى العراق".
وكان وفد أمني رفيع المستوى، برئاسة رئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري، ورئيس أركان الجيش الفريق الأول الركن عبد الأمير يارالله، ونائب العمليات المشتركة الفريق الأول الركن عبد الأمير الشمري وعدد من القادة الأمنيين، وصل إلى مدينة سنجار، الخميس الماضي، لمتابعة الملف الأمني في المدينة، بعد التوتر الأمني فيها.
نوري الدحل: بقاء الوضع الأمني دون حلول حقيقية سيؤدي إلى كوارث مستقبلاً
واستمرت الزيارة عدة ساعات من دون الإعلان عن نتائج ما تم التوصل إليه، في ظل تأكيدات عن استمرار الجيش بنشر وحداته في المدينة، مع الإبقاء على حالة التأهب، رغم إطلاق مليشيا "اليبشة" سراح الجنديين اللذين اختطفتهما في القحطانية غرب سنجار.
لا تواجد مسلحاً في سنجار خارج سيطرة الدولة
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، إن "القطعات العسكرية في المدينة لم ولن تسمح بأي تواجد مسلح خارج سيطرة الدولة".
وأكد أن هذه الجماعات "ستواجه وفق القانون، ولا يمكن لأي قوة السيطرة على الملف الأمني في أي مدينة عراقية، فهذا الملف حصراً بيد القوات العراقية الرسمية".
وأشار الخفاجي إلى أن "القوات العراقية تواصل عملية فرض السيطرة الأمنية الكاملة على سنجار، ولن تسمح لأي قوة بزعزعة أمن واستقرار المدينة، وأي عناصر تسعى إلى ذلك ستواجه بقوة وحزم من قبل القوات العراقية الماسكة للأرض هناك".
وتعثرت الحكومة العراقية في تنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار، والموقعة مع حكومة إقليم كردستان العراق، بسبب رفض مسلحي حزب العمال الكردستاني الانسحاب، مع تلقيهم دعماً من قبل فصائل مسلحة حليفة لإيران.
ويقضي الاتفاق، الذي أبرم في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بتطبيع الأوضاع في المدينة المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، وإخراج الجماعات المسلحة منها، تمهيداً لعودة النازحين. إلا أن رفض تلك الجماعات هذا الأمر، حال دون تنفيذه.
توتر كبير في سنجار
ووصف رئيس مجلس العشائر العربية في سنجار نوري الدحل، في حديث مع "العربي الجديد"، الوضع الأمني في المدينة بأنه "غير مستقر، وهناك توتر كبير، تطور إلى مواجهات بين الجيش العراقي ومليشيات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، خصوصاً أنها ما زالت تسيطر على مناطق متعددة، وترفض دخول الجيش لها".
ولفت إلى أن "الشارع في سنجار مؤيد للجيش. المليشيات متورطة بأعمال خطف وابتزاز كبيرة، وهذا ما يدفع الحكومة العراقية إلى فرض سيطرتها الأمنية في سنجار بشكل كامل، ومنع أي تواجد لهذه العناصر المسلحة، التي تسعى إلى فرض سيطرتها، بهدف إكمال عمليات التهريب مع سورية، وممارسة أنشطة معادية داخل الأراضي العراقية".
أحمد الشريفي: التوتر الحالي في سنجار هو الأخطر
وأكد الدحل أن "أهالي سنجار يدعمون (حصول) عمليات أمنية كبرى وواسعة في المدينة من أجل فرض سيطرة القوات العراقية الرسمية عليها بشكل كامل، ومنع أي تواجد مسلح خارج القوات الأمنية. إن بقاء الوضع الأمني هكذا دون حلول حقيقية سيؤدي إلى كوارث أمنية مستقبلاً".
مخاوف من مواجهات في سنجار
من جانبه، قال النائب عن محافظة نينوى (التي تتبع إليها سنجار) محما خليل، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك مخاوف كبيرة في سنجار من مواجهات، خلال المرحلة المقبلة، بين الجيش العراقي وهذه الجماعات الخارجة عن القانون".
وشدد خليل على أن "الحكومة العراقية، مطالبة بشكل عاجل، بإطلاق عمليات أمنية كبرى في مدينة سنجار، لفرض الأمن فيها، وسيطرة قوات الجيش العراقي عليها، ومنع أي انتشار مسلح فيها من قبل أي جهة خارج سيطرة الدولة".
وبيّن محما خليل، النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن "تواجد مليشيات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني في مدينة سنجار، هو الذي يمنع تطبيق الاتفاق بين بغداد وأربيل، بخصوص تطبيع الأوضاع في المدينة، وإعادة إعمارها وعودة النازحين إليها".
وأوضح أن "عناصر هذه المليشيات المسلحة ما زالت تنتشر في المدينة، مع أسلحتها المتوسطة والثقيلة، وهذا ما يؤدي إلى استمرار التوتر الأمني وعدم استقراره في عموم سنجار والمناطق القريبة منها".
التوتر الحالي الأخطر في سنجار
من جهته، قال الخبير الأمني العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "التوتر في سنجار متكرر وليس بالجديد، ويرتفع بين فترة وأخرى، لكنه حالياً الأخطر، كون عناصر مسلحة من حزب العمال الكردستاني تتمسك بالسيطرة على مناطق في المدينة، وترفض أن يكون للجيش دور فيها".
وحذر من أن "إصرار حزب العمال الكردستاني على انتشار العناصر المسلحة في مناطق متعددة من سنجار، سوف يدفع إلى تطور المواجهات بين تلك العناصر وقوات الجيش العراقي، التي تعمل على فرض كامل سيطرتها على المدينة، ومنع أي مظاهر مسلحة خلال الفترة المقبلة".
وتحدث الشريفي عن "عملية تفاوض بين قيادات أمنية وعسكرية وبين قيادات تابعة لقوات اليبشة، من أجل سحب العناصر المسلحة وفق اتفاق بين الطرفين".
وأضاف: "لكن وفق المعلومات، فإنه لا اتفاق بين الطرفين حتى الآن، وهذا ما ينذر بتطور المواجهات المسلحة، خصوصاً أن هناك أطرافا داخلية تدعم هذا التواجد وفق أجندات خاصة بها، ولهذا فإن الوضع ينذر بتطورات أمنية كبيرة وخطيرة خلال المرحلة المقبلة".
وكان ممثل حكومة إقليم كردستان في غرفة العمليات العراقية المشتركة اللواء عبد الخالق طلعت أكد، الخميس الماضي، أن الأوضاع لن تهدأ في سنجار لحين خروج كل الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني منها.
وأشار طلعت، في تصريحات صحافية، إلى أنه "لم يتم تنفيذ أي فقرة من الاتفاق المبرم بين حكومتي إقليم كردستان وبغداد بخصوص تطبيع الأوضاع في سنجار لغاية الآن".
ولفت إلى أن "طرد هذه الجماعات المسلحة بالقوة من قبل الجيش العراقي أمر سهل، لكن الوضع سيزداد تعقيداً، لذلك على هذه الجماعات المسلحة أن تنسحب من المنطقة من تلقاء نفسها بدل إخراجها بالقوة".
وأوضح أنه "في حال انسحاب هذه الجماعات من هذه المناطق، سيتمكن جميع المهجرين من العودة إلى منازلهم، وسيتم تشكيل إدارة جديدة مع تشكيل قوة أمنية لحماية المواطنين في المدينة". واعتبر أنه "إذا لم تخرج مجاميع حزب العمال الكردستاني المسلحة، وغير القانونية من سنجار بسلام، فإن هناك احتمالا كبيرا لوقوع صدامات بينها وبين الجيش العراقي".
يشار إلى أن مسلحي "العمال" ينتشرون في مناطق جبل سنجار ووسط المدينة، ضمن تفاهمات تم التوصل إليها مع فصائل مسلحة حليفة لإيران في المنطقة، أبرزها مليشيات "النجباء"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"حشد الشبك".