يتزامن إحياء الذكرى الـ67 لعيد استقلال تونس هذا العام مع مرور سنة على انتهاء "الاستشارة الإلكترونية"، التي تعتبر أولى محطات أجندة الرئيس التونسي قيس سعيد التي غيّر بموجبها نظام الحكم في البلاد. وبينما يحتفي أنصار الرئيس سعيد بـ"احترامه المواعيد المعلنة"، يعتبر معارضوه أنه أخفق في امتحان الديمقراطية، وفي إقناع غالبية التونسيين بسبب عزوفهم عن كل المحطات.
ويحتفل الشعب التونسي في 20 مارس/ آذار من كل عام بذكرى استقلال البلاد من الاستعمار الفرنسي.
وتمر اليوم سنة على الاستشارة الإلكترونية (استفتاء رقمي عن بعد) حول الدستور والنظام السياسي والاقتصادي الجديد، بعدما أطلقها قيس سعيد منتصف يناير/ كانون الثاني 2022، وانتهت في 20 مارس/ آذار من العام ذاته، وكانت أول محطة في مشروعه الذي طرحه بديلاً عمّا كان يصفه بـ"العشرية السوداء"، لكن المسار الذي سار فيه اصطدم منذ بداياته بضعف الإقبال الشعبي.
ورغم ضعف الإقبال، واصل سعيد تنفيذ أجندته السياسية بحلّ البرلمان في 30 مارس/آذار 2022 بشكل نهائي، بعد عقد جلسة عامة وقتها أقرّت إبطال العمل بالتدابير الاستثنائية، ورفض أجندة الرئيس السياسية.
بينما يحتفي أنصار الرئيس سعيد بـ"احترامه المواعيد المعلنة"، يعتبر معارضوه أنه أخفق في امتحان الديمقراطية وفي إقناع غالبية التونسيين بسبب عزوفهم عن كل المحطات
ولاستكمال مشروعه، أقدم قيس سعيد على حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إبريل/ نيسان 2022، وعدّل قانونها بمرسوم رئاسي، ليعيّن سبعةَ أعضاء محل الهيئة الدستورية المنتخبة لتسييرها وإنجاز الانتخابات المرتقبة.
وفي 30 يونيو/ حزيران، أعلن الرئيس التونسي عن مسودة دستور صاغها بمفرده، رغم تقديم لجنة الصياغة التابعة للحوار وقتها، برئاسة العميد صادق بلعيد، مشروع دستور جديد.
وأوفى سعيد بالموعد الذي أعلنه عبر تنظيم استفتاء دستوري في 25 يوليو/تموز 2022، حيث عرضت مسودة الدستور على التصويت، ليجري اعتماده بنسبة مشاركة بلغت 27.54 بالمائة وسط مقاطعة حزبية ومدنية واسعة.
وأصدر سعيد في 15 سبتمبر/ أيلول مرسوماً رئاسياً عدّل به القانون الانتخابي بفرض نظام الاقتراع على الأفراد بدل القوائم، مع خفض عدد مقاعد البرلمان إلى 161 نائباً، وباشتراط 400 تزكية على الأقل لقبول الترشح.
وأجريت الانتخابات التشريعية في موعدها يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول في جولتها الأولى، كما تعهد الرئيس سعيد في أجندته السياسية، وأفضت إلى جولة إعادة في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، بنسب مشاركة بلغت 11.22 بالمائة، وهي أضعف نسب إقبال عرفتها انتخابات برلمانية في تونس.
وفي 9 مارس/ آذار أصدر سعيد قراراً بحل جميع البلديات المنتخبة (7200 مستشار منتخب في 350 بلدية)، وعدل قانون الانتخابات، وسنّ مرسوماً لتنظيم انتخاب المجالس الجهوية والمحلية ومجلس الأقاليم والجهات (غرفة تشريعية ثانية منصوص عليها في دستور 2022)، في وقت اعتبر المعارضون هذه الخطوة "نسفاً لآخر المؤسسات الديمقراطية المنبثقة عن دستور 2014، وإعلان نهاية تجربة اللامركزية والحكم المحلي".
وتصاعدت الأزمة الداخلية في تونس منذ إطلاق حملة اعتقالات واسعة في 11 فبراير/ شباط الماضي، شملت قيادات معارضة من رموز جبهة الخلاص وحزب النهضة والكرامة والجمهوري والتيار الديمقراطي وتحيا تونس، ومن مرجعيات مختلفة، ولحقت إعلاميين ومحامين وقضاة وبرلمانيين.
وقال عضو جبهة الخلاص والمستشار السياسي لرئيس حزب النهضة، رياض الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد الانتخابات الأخيرة برزت للسطح أزمة شرعية عميقة عند السلطة، بسبب نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات، وعكَس ذلك عدم التفاف شعبي حول المسار الذي أطلقه الرئيس، ولذلك لجأت السلطة إلى توسيع حملة الاعتقالات ورفع شعارات شعبوية، على غرار مقاومة الفساد والمحاسبة، في إطار التغطية على محدودية المشروعية الشعبية".
وتابع الشعيبي أن "الاعتقالات حاولت أن تعمي وتغطي ما يحصل من انحراف بالمسار السياسي للبلاد، ومن انتهاك لحقوق الإنسان ومحاصرة لكل الأصوات الديمقراطية والحرة، فالمتضرر من هذه الاعتقالات الأخيرة هو الحركة الديمقراطية وليس الفاسدين والمتهمين في قضايا مالية".
وبين عضو جبهة الخلاص أن "الحديث عن نجاح أجندة الرئيس في احترام مواعيدها هي مسألة شكلية، لأن احترام المواعيد ليس هدفاً في حد ذاته، بقدر احترام القيم الديمقراطية التي قامت عليها التجربة التونسية وحقوق الإنسان والحريات والشفافية، فكل المسار السياسي الذي انطلق في 25 يوليو/تموز ألغى هذه القيم، وبعد أن كنا نعيش ديمقراطية ناشئة أصبحنا نعيش في مناخات ديكتاتورية ناشئة بتمركز السلطة في يد رئيس الدولة، وبتفكيك المؤسسات بداية من البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء والبلديات، وهذا يعكس فشل المسار الذي يقيّم باحترامه للديمقراطية، ثم المنجز الاجتماعي والاقتصادي، في وقت نعيش فيه الوضع الأسوأ بشهادة الجميع".
تصاعدت الأزمة الداخلية في تونس منذ إطلاق حملة اعتقالات واسعة في 11 فبراير/ شباط الماضي، شملت قيادات معارضة، ولحقت إعلاميين ومحامين وقضاة وبرلمانيين
من جانبه، ذكر عضو تنسيقية الأحزاب الديمقراطية وأمين عام حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الجمهورية يمتلك جميع أجهزة الدولة، وبالتالي يمكنه تنفيذ الأجندة السياسية والانتخابية التي يراها، ولكن مدى نجاح هذه المواعيد الانتخابية على المستوى السياسي والانتخابي مسألة فيها نظر"، مشيراً إلى أن "المقاطعة والعزوف الانتخابي دليل على عدم نجاح الرئيس في إقناع الشعب بالمشاركة في العملية الانتخابية".
وأضاف الزاوية: "هذا يعمق الأزمة السياسية ويدفعها إلى مزيد من التأزم في ظرف أزمة اقتصادية حادة، وعدم قدرة الحكومة على صياغة اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ويجعل مشروع قيس سعيد يعيش على وقع تعثرات كبرى ازدادت بفعل العزلة السياسية على المستوى الدولي التي تعيشها البلاد".
وأشار إلى أن "من يصيغ دستوراً بمفرده يستطيع أن يفي بالمواعيد باعتبار أنه لم يشرك أحداً، ولم يستشر أي طرف، وحتى النسخة الأولى التي صاغها بمفرده تضمنت 40 خطأ استوجب إصلاحها".
وأضاف الزاوية أن "تونس تعيش عزلة دبلوماسية مع الجيران ومع الأصدقاء، وخلافات مع الاتحاد الأوروبي، ووضعاً صعباً مع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وخلافاً مع المغرب، وخلافاً جديداً مع السلطات الليبية، وهو دليل أن المشروع السياسي للرئيس في مأزق كبير".
في مقابل ذلك، اعتبر رئيس المكتب السياسي لـ"حراك 25 يوليو"، عبد الرزاق الخلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن رأيه مختلف تماماً عن المعارضين لمسار الرئيس، "لأن البلاد اليوم في سياق بناء جديد، وهو ما يطلق عليه رئيس الجمهورية "حرب التحرير الوطني"، وهي تقتضي فترة التأسيس لجمهورية جديدة، ومن الطبيعي حدوث اضطرابات ونوع من الفوضى في هذا المسار، وبالتالي لن تكون العلاقات الدبلوماسية عادية كما في وقت الاستقرار وفي غياب صراعات سياسية"، بحسب قوله.
وشدد الخلولي على أن "المسار نجح في تحقيق الأهداف التي جاء من أجلها، وأولها الانطلاق في تحرير الوطن مما يسمى بمنظومة الأحزاب التي فشلت في تحقيق الرفاه والتنمية للشعب، وارتبطت بمصالح لوبيات فساد مشتركة، ولم تفكر في الإصلاح والبناء يوماً". وأضاف أن "قيس سعيد قطع شوطاً مهماً في هذا المسار عبر كشف حجم الفساد الكبير، الذي تقف وراءه لوبيات أحزاب وفساد في شراكة وبدعم من أطراف أجنبية".
وذكر المتحدث أن "تقييم نجاح المسار أو فشله ما زال مبكراً، وما يجب القيام به قام به سعيد، ولكن الطريق ما زال طويلاً، وهناك مخاطر تتربص به ككل حركات الإصلاح التي تتربص بها قوى الصد والممانعة والضد، ولكن هناك إرادة سياسية من الرئيس سعيد لمواصلة هذا المسار".
إلى ذلك، اعتبر رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية وأستاذ القانون الدستوري، شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سعيد من حيث تحقيق ما وعد به نجح نجاحاً باهراً إلى الحد الذي حوّل فيه الدولة إلى ما يشبه مزرعته الخاصة". واستدرك قائلاً: "إنما السؤال بأي طريقة نجح في تحقيق ذلك؟ الحقيقة أنه لم ينجح في تحقيق وعوده إلا عبر الانفراد بالرأي والاستفراد بالبلاد، ورمي خصومه في السجون، والعبث بكل القواعد المتعارف عليها في تسيير شؤون البلاد".
وتابع متسائلاً: "مع ذلك يبقى السؤال الأهم: هل نجح في إخراج البلاد من أزمتها؟ وهل عزز من مكانتها الدولية، وهل حقق حوله إجماعاً وطنياً؟ وهل حافظ على الانتقال الديمقراطي الذي انخرطت فيه البلاد منذ الثورة؟ وهل حققت البلاد نموها الاقتصادي المرتقب؟ لا شيء من هذا حصل".
وشدد الحوكي على أن "تونس التي كانت تذكر ضمن كوكبة الدول الديمقراطية في العالم، أصبحت تذكر بجانب النظام الكوري الشمالي، ونظام بشار الأسد في سورية، هذا هو نجاح قيس سعيد الذي حققه بامتياز".