لا يمكن محو الوقائع الموثقة عن التقاطع بين معسكر الثورات المضادة للربيع العربي وواشنطن، تحت قصف ما سُمي "التحالف الدولي لمحاربة داعش"، هذا عدا عن أنّ الجنرال العربي المماثل لسليماني لن تقبل به أي من جماعات إيران ما دام الحبل السري غير موصول عقائدياً بمكتب المرشد في طهران. فبعد أسبوع من اغتيال سليماني في بغداد، وصعود خطابات الثأر، وبمعزل عن سياسات ارتجالية لدول خليجية في مناكفة فارغة لطهران، ستعود أسئلة الشارع العربي ذاتها التي كانت مطروحة قبل الاغتيال، وخصوصاً عن مبررات خلق حالة ما فوق "وطنية عربية" في دولنا، وترسيخ جماعات عابرة للحدود، إلا حدود القدس، والاستهتار بقيمة دول وسيادة شعوب العرب، ومقاومة قرارهم بحريتهم، بتسليط تهمة العمالة عليهم وطلب سحقهم، كما في حراكي الشارعين اللبناني والعراقي.
الوقائع موثقة، ولا حاجة لمعاملة الشعوب كتلاميذ غير راشدين وغير مدركين للإجرام الأميركي، الذي صفق له البعض ومكّنه في غزو العراق في 2003، وهي ستظلّ تفتح الأسئلة عن البنى التي أسس لها سليماني، ليس لأجل سواد عيون العرب، ولا لإنقاذ خيري.
يصعب تأريخاً ومنطقاً (أقله في المشهدين السوري والعراقي)، تسويق أنّ القصة تتعلق بالسيادة، أو أنّ "محور الممانعة" قادر على الجمع تحت مسماه بين الأوليغارشية الروسية الداعمة لمرتزقة "فاغنر"، التي لا تقلّ قذارة عن "بلاك ووتر"، ومليشيات استوردت من آسيا والمنطقة لمحاربة السوريين وتهجيرهم طائفياً بجرعة إجرام مُتفاخر به دعماً لديكتاتور دمشق. فهل المطلوب تصديق أنّ هؤلاء أعينهم على تحرير القدس ومحو حيفا وتل أبيب بدقائق؟ فيما الموت ينتشر بين العرب، من اليمن إلى ليبيا.