بدأ سلاح الجو في جيش الاحتلال الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، خطوات تهدف إلى إعادة بعض الطيارين والملاحين الذين توقّفوا عن الخدمة، في إطار احتجاجهم على خطة "التعديلات القضائية" التي تحاول حكومة بنيامين نتنياهو تمريرها، وتلاقي مقاومة داخلية شديدة، بسبب مخاوف من "إضعاف القضاء".
وذكرت صحيفة "هآرتس"، اليوم الجمعة، أن قادة أسراب طياري الاحتياط بدأوا بالاتصال شخصياً برافضي خطة نتنياهو ومطالبتهم بالعودة، معتبرين أن استمرار عدم الامتثال للخدمة يؤدي إلى تآكل قدرتهم على الطيران العملياتي تدريجياً، وقد يصلون إلى نقطة اللاعودة في نهاية العام الحالي.
وفي الأسبوع الماضي أفادت الصحيفة أن بعض الطيارين والملاحين الذين توقّفوا عن الطيران في شهر يوليو/ تموز من هذا العام، احتجاجاً على تشريع قانون إلغاء "حجة المعقولية"، الذي يمنع المحاكم من التدخل في قرارات الحكومة ومنتخبي الجمهور، عادوا إلى التدريب هذا الشهر.
وتبيّن أنه في ذروة الاحتجاجات، توقف نحو 230 طياراً وملاحاً في قوات الاحتياط عن الطيران، وهي نسبة كبيرة نسبياً من فرق سلاح الجو، في حين يحظر جيش الاحتلال نشر العدد الدقيق للأعضاء النشطين في الفرق الجوية.
ويشير الجيش الإسرائيلي إلى وجود تجاوب من قبل طياري الاحتياط مع الدعوة للعودة إلى التدريبات والخدمة، وسيتم اختبار نتائجها منتصف الشهر المقبل.
وعادة ما يشارك عناصر سلاح الجو في قوات الاحتياط بتدريب واحد على الأقل في الأسبوع، كما "يشارك العديد منهم أيضاً في أنشطة عملياتية متكررة، مثل الضربات الجوية في سورية"، بحسب الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن عدم الامتثال منذ شهرين من قبل عدد من العناصر، وفي حالات أخرى قبل ذلك، يعني استمرار التآكل الخطير للقدرات العملياتية، وبالتالي فإن الطيار الذي لم يتدرب لمثل هذه الفترة قد يفقد القدرة العملياتية للطيران الليلي، وسيحتاج إلى طلعات تدريبية أخرى قبل أن يصبح مؤهلاً من جديد للمشاركة في طلعات جوية ليلية.
واعترف قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار منتصف أغسطس/ آب الماضي، في محادثة مع جنود الاحتياط، أنه بمرور الوقت هناك ضرر حقيقي لقدرة القوات الجوية، أيضاً بسبب عدم امتثال المئات من أفراد الاحتياط من المقر العملياتي، الذين يُعتبر نشاطهم ضرورياً لعمل سلاح الجو.
مع ذلك، يقول ضباط كبار في سلاح الجو، بحسب ما نقلته الصحيفة، إن سلاح الجو تعلّم تدريجياً العمل في ظل القيود الجديدة المفروضة عليه، وأنه قادر على تلبية معظم مهامه في هذه الأثناء، بفضل التخطيط الدقيق، وتحويل الجنود الدائمين إلى المهام التي قام بها سابقاً جنود الاحتياط الذين توقفوا عن الخدمة.
وإلى جانب من توقفوا عن الامتثال للخدمة، هناك من قرروا تقليص حضورهم في الاحتياط، بسبب "التعديلات القضائية"، لكنهم لم يعلنوا رسمياً التوقف عن الخدمة.
وأشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، إلى أنه "سيتوجب على سلاح الجو، عشية عام 2024، تقدير عدد أفراد سلاح الجو الموجودين تحت تصرفه بشكل أكثر دقة، والتخطيط لمهامه وفقاً لذلك"، كما أشار إلى وجود فرصة صغيرة لإعادة المتقاعدين إلى العمل.
ولفت هارئيل إلى وجود "شعور متزايد في هيئة الأركان العامة بأنه على خلفية الأزمة السياسية المستمرة والمتصاعدة، أصبح الجيش بمثابة كيس ملاكمة للسياسيين، حتى أكثر مما حدث في فترات مشحونة سابقة. وهذه الظاهرة تظهر بشكل خاص من الجهة اليمينية من الخريطة السياسية.. من قبل وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف".
كما يشعر الجيش الإسرائيلي بالقلق إزاء نية الائتلاف الحاكم تمرير قانون يضمن الإعفاء من التجنيد لشباب المتدينين اليهود من "الحريديم"، في الشهر المقبل، بطلب من قبل حزبي "يهدوت هتوراة" و "شاس".
ويرى هارئيل أن "تجدد الجدل حول قانون التجنيد، قد يكون له تأثير سلبي على الامتثال للخدمة العسكرية من قبل جنود الاحتياط، وعلى المدى الطويل أيضاً على دافعية المجندين الشباب للخدمة في المهام الجدية في الجيش".
"العواقب المدمّرة للاستقطاب"
في سياق متصل، قال رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هيرتسي هليفي، خلال خطاب ألقاه، الأربعاء، بمناسبة حرب أكتوبر 1973، إن الجيش الإسرائيلي ليس محصناً من تأثير الجدل الدائر حول خطة التعديلات القضائية، معتبراً أن "القدرة على إدارة الخلافات هي إحدى علامات المجتمع السليم، لكن الجدل الذي يعمّق الاستقطاب والانقسام في المجتمع الإسرائيلي هو أمر خطير (..) والافتراض بأن الجيش الإسرائيلي محصّن من العواقب المدمّرة للاستقطاب هو أمر خطير".
وبحسب هاليفي فإنه "يُسمح بتوجيه انتقادات للجيش الإسرائيلي. ونحن أيضاً نتحمّل مسؤولية أخطائنا. لكن لا يجوز الإساءة للجنود الذين يعملون من أجل أمن البلاد منذ سنوات طويلة. هذا أمر غير مسؤول. إن دعوة جيل الشباب إلى عدم الالتحاق بالمهام القتالية والمهمة في الجيش، هو أمر خطير. الدعوات لعدم الامتثال للمهام الأمنية في قوات الاحتياط تضر بالأمن والجيش الإسرائيلي".
وحذّر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وعدد من كبار الضباط من عواقب منح إعفاء شامل للحريديم، ومن سن قانون آخر يساوي بين مكانة من يتعلمون التوراة ومن يؤدون الخدمة العسكرية.
ويبحث الائتلاف الحكومي في الوقت الراهن عن سبل لتخفيف قانون الإعفاء من التجنيد للحريديم، في ضوء الانتقادات المتزايدة في الشارع الإسرائيلي، والافتراض بأن تمرير القانون بصيغته المقترحة سيمنح زخماً جديداً للحركات الاحتجاجية ضد خطة "التعديلات القضائية".