سعيد يتحدث عن قانون منظم للسلطات: دستور مؤقت أم بالون اختبار ثان؟

15 سبتمبر 2021
مناورة ثانية يلجأ إليها سعيد بعد الرفض السياسي الواسع لفكرة تعديل الدستور (Getty)
+ الخط -

دخلت حالة الاستثناء في تونس أسبوعها الثامن دون أن يكشف الرئيس قيس سعيد عن برنامجه لتجاوز الأزمة. 53 يوما عاشتها البلاد بلا رئيس وزراء، وارتباك في العمل الحكومي، بينما لا يزال البرلمان معطلا. وبعدما أحدثته تصريحات تعليق الدستور وتعديله من رفض ومعارضة، تحدث سعيد، أمس الثلاثاء، بطريقة عرضية عن قانون منظم للسلطات العمومية، ليزيد من التناقض والغموض الذي يحف المستقبل.  

وأعلن الرئيس، أمس، بشكل مستعجل في معرض لقائه مع خبراء القانون الدستوري، امتلاكه لقانون منظم للسلطات العمومية، أي دستور مؤقت لتنظيم السلطات، يعوض الدستور الأصلي في حال إيقاف العمل به حتى إصدار دستور جديد.

وقال سعيد، في فيديو نشرته صفحة الرئاسة متوجها للخبراء: "اليوم التنظيم المؤقت موجود، وعندي من النصوص ما لا يعرفون..". 

وانتقد الرئيس دستور 2014، قائلا إن "الدستور كله أقفال، وفي خدمة المافيا التي تحكم تونس في السر، ولإضفاء مشروعية وهمية على نص غير مشروع"، متسائلا "ألا يتغير الدستور؟"، معتبرا أن "كاتبي دستور سنة 59 قالوا إنه قابل للتطور بتطور الزمان".

يمكن اعتبار "القانون المنظم للسلطات" بالون اختبار ثان، بعدما جس سعيد نبض الشارع والأحزاب والمجتمع الدولي وتبين أن تعديل الدستور مباشرة أو إلغاءه محل معارضة شديدة

وعرفت تونس بعد ثورة 2011 إصدار الرئيس المؤقت فؤاد المبزع مرسوم قانون منظم للسلطات العمومية بعد إيقاف العمل بدستور 1959 ليكون بمثابة الدستور المؤقت، وقد تم سنه من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي ترأسها أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور. 

وتعد هذه الهيئة مجلسا ثوريا شبه تشريعي، تأسست في 15 مارس/آذار 2011 بعد أسابيع من الثورة التونسية، بعد اندماج لجنة حماية الثورة واللجنة العليا للإصلاح السياسي والدستوري، وتضم نحو 155 شخصية ممثلة لغالبية الطيف السياسي والحزبي والنقابي والمجتمع المدني ولعائلات شهداء وجرحى الثورة وخبراء القانون، وسنت قانون الانتخابات وقانون الإعلام وقوانين أخرى مكنت من إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الذي صادق على دستور 2014، وبذلك تم إنهاء العمل بالنظام المؤقت للسلط الذي نظم المرحلة الانتقالية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وقال أمين عام حركة الشعب (المساندة للرئيس)، زهير المغزاوي، إنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد انطلق في توضيح رؤيته المستقبليّة بتطرّقه إلى مسألة النظام المؤقّت للسلطات العمومية، وهو مطالب اليوم بالمبادرة بتشكيل الحكومة والإعلان عنها في أسرع وقت ممكن لإنهاء المرحلة الاستثنائيّة وعودة مؤسسات الدولة إلى عملها.

وبيّن المغزاوي، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، اليوم الأربعاء، أنّ على الرئيس إعلان الخطوة القادمة بعدما بدأت تتضح ملامحها بحديثه، مساء أمس، عن النظام المؤقّت للسلطات العمومية والذي يعني تعليق العمل بالدستور.

واعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "من يعتقد أن الرئيس سعيد لا يمتلك خطة وبرنامجا فهو مخطئ"، مشيرا إلى أن "سعيد يمتلك مجموعة خيارات ولكنه يعد لها الرأي العام ويمهد لها الدعم الشعبي قبل أن يخطوها".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وبيّن أن "حديثه عن قانون منظم للسلطات العمومية ليس اعتباطا، بل هو تعبيد للطريق قبل الذهاب في تعليق العمل بالدستور وإعلان الدستور الصغير، وبالتالي يمكن اعتباره بالون اختبار ثان، بعدما جس نبض الشارع والأحزاب والمجتمع الدولي وتبين أن تعديل الدستور مباشرة أو إلغاءه محل معارضة شديدة، ألبت عليه الداخل والخارج وتنذر بتشكل جبهة قوية".

وتابع قائلا "تراجع سعيد خطوة إلى الوراء باستفتاء الرأي العام حول دستور مؤقت يمكنه من مزيد التمترس وتعبيد الطريق قبل الذهاب في تعديل دستوري واستفتاء شعبي".

وبيّن أن "المتابع يشعر بتناقض في تصورات الرئيس بين الحفاظ على الشرعية الدستورية والانطلاق منها لتعليق الدستور الذي ينتقده بشدة"، موضحا أن "هذا يفسر بعاملين؛ أولهما قراءة الرئيس للدستور المختلفة عن قراءة غالبية فقهاء القانون الدستوري خصوصا في تأويل الشرعية والمشروعية، ثم ثانيهما انتهاجه لسياسة الكر والفر، بالتصعيد والوعيد تارة والطمأنة والتفسير طورا".

ولفت إلى أن "سعيد وضع نفسه بين مطرقة الآليات الدستورية لتغيير منظومة ما قبل 25 يوليو، وسندان الأقفال الدستورية التي تمنع ذلك كما يسميها".

واعتبر المحلل أن "دستور 2014 أثبت صلابة لا مثيل لها، فقد ثبتت صعوبات الخروج عنه وتبديل هيئة النظام السياسي من داخل أبوابه وفصوله، في وقت استغرق الرئيس قرابة الشهرين في البحث عن مرونة ونوافذ لتطويعها".

وبين المؤدب أن "طرح دستور مؤقت سيلقى نفس المعارضة والمعارضين الرافضين للمنهج الفردي الأحادي في صياغة حل دون تشريكهم، ومناهضة لآليات إضفاء الشرعية على هذا القرار من خارج الدستور".

وفي السياق، علق أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلا "لم أسمع رئيس دولة يتهكم على دستور بلاده ويستهزئ به وينسبه للآخرين (دستورهم)، وهو الذي أقسم على احترامه والعمل بمقتضى أحكامه".

وأضاف الشابي: "يمكن للمرء أن يستشهد بمواقف الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في مواطن كثيرة، إلا في مادة احترام الدستور والعمل وفق أحكامه، فهو الذي طوعه لإرادته الشخصية حتى أجاز له رئاسة البلاد مدى الحياة.. وبقية القصة معلومة من الجميع".

وختم، معبرًا عن تخوفاته: "ما أخشاه هو أننا دخلنا مرحلة العودة إلى الماضي تحت شعار: لا رجوع إلى الوراء".

وأعربت خمسة أحزاب تونسية، أمس، في بيان مشترك، عن رفضها المطلق لـ"دعوات تعليق الدستور" و"حالة الجمع بين السلطة والانفراد بالقرار"، مستغربة "استمرار الفراغ الحكومي".

وطالبت الأحزاب الخمسة الرئيس "بالالتزام بتعهداته للتونسيات والتونسيين باحترام الدستور وباليمين التي أداها قبل تولي مهامه على رأس الدولة".

دلالات