أثار إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد مساء أمس الجمعة نيته إدخال تعديلات على المرسوم الانتخابي هواجس الأحزاب والمشاركين والمهتمين بالشأن الانتخابي في تونس، معتبرين أنه توجه نحو مزيد من التعقيد في مسار وإجراءات الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وتنطلق عملية قبول الترشح يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي وتتواصل أسبوعاً فقط، فيما تبدأ الحملة الانتخابية يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل لتتواصل إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وأكد الرئيس سعيد خلال لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن أمس توجهه نحو تعديل مرسوم الانتخابات، الذي أصدره منذ نحو شهر تقريباً.
وتعرض اللقاء بحسب بيان للرئاسة إلى "مسألة التلاعب بالتزكيات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، حيث أكد رئيس الجمهورية على ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة ووضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات، خاصة بعد أن تبين أن عدداً من أعضاء المجالس المحلية لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانوناً وصارت التزكيات سوقاً تباع فيها الذمم وتُشترى".
وأكد سعيد بحسب نفس البيان أنه "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة".
عدم احترام المعايير الدولية
ويرى رئيس "المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات" (عتيد)، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "توقيت تعديل قواعد اللعبة الانتخابية لا يحترم المعايير الدولية للشأن الانتخابي والتنقيح خلال العملية الانتخابية، وهو تنقيح غير مقبول وغير معقول لأنه يغيّر قواعد اللعبة أثناء المسار".
وتابع معطر "من المعلوم اليوم أن تجميع التزكيات أمر صعب جداً، سواء أمام المعارضين أو المساندين لرئيس الجمهورية، ومن ناحية أخرى ما تحدث عنه الناطق الرسمي لهيئة الانتخابات من محاولات شراء الذمم للتزكية لبعض أعوان البلديات هو إعلان غير واضح وغير شفاف ولا يكشف كل المعطيات اللازمة، بل وفيه تضارب للمعطيات".
وتساءل المصدر ذاته "هل سيشمل التعديل فقط مسألة التقليص من عدد التزكيات أم سيذهب لما تروجه بعض الأطراف ودعوتها إقصاء أعضاء المجالس البلدية والمحليات، حتى يتم منعهم من الترشح لمجلس نواب الشعب".
وبيّن أن" تحميل المسؤولية في بلاغ الرئاسة لأعضاء المحليات ليس فيه معطيات واضحة، وهو اتهام عام ولكن يمكن ربطه بعديد من الدعوات التي تطالب بإقصاء أعضاء البلديات وخصوصاً رؤساء البلديات... فالمطلب كان سابقاً واليوم الحديث عن الظروف لتبرير القرار".
تكريس للحكم الفردي
من جانبه، أكد نائب رئيس حزب العمل والإنجاز (عضو جبهة الخلاص) الدكتور أحمد النفاتي، لـ"العربي الجديد" أن توجه سعيد لتعديل المرسوم الانتخابي "يؤكد سلامة وصواب قرار مقاطعة هذه الانتخابات، ويؤكد أن هذه الروزنامة الانتخابية تكريس للحكم الفردي".
وتابع النفاتي أن "قرارات الرئيس ارتجالية، وهذا الرئيس الذي لا يؤمن بالحوار ولا يتفق مع أحد، وفي كل المحطات أكد أنه لا يتفق مع نفسه"، مشدداً على أن "أول متضرر من الحواجز التي وضعها سعيد في المرسوم الانتخابي هم أنصاره".
واستغرب عضو جبهة الخلاص المعارضة تحميل المسؤولية للمحليات المنتخبة التي اعتبرها "آخر المؤسسات المنبثقة من الانتخابات ومن قلعة الديمقراطية".
وقال النفاتي إن "سعيد أجهض التجربة وحل البرلمان المنتخب وألغى الدستور، وكل هذه المحاولات تندرج في سياق تحضيره لحل البلديات وضرب هذه التجربة"، متسائلاً "عن دخل المحليات في إفشال الانتخابات وعثرات جمع التزكيات".
"لا بديل" عن التزكيات الإلكترونية
في المقابل، بين المتحدث الرسمي باسم حزب حركة الشعب (داعمة للرئيس)، أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التوجه نحو تعديل المرسوم الانتخابي لا يمكن الحكم عليه قبل الاطلاع على محتواه، باعتبار أنه يمكن أن يكون أكثر تعقيداً من النص الأول، ولكن ما يجب تأكيده أن التعريف بالإمضاء للتزكيات لا يناسب إلا أصحاب المال، وهذا قد تبين خلال حملة جمع التزكيات".
وأضاف عويدات: "نحن نلاحظ الصعوبات أمام من يبحث بنزاهة وجدية للترشح، مقابل هؤلاء الذين يعتبرون البرلمان مجرد صهوة للصعود فالأمر يسير وسهل أمامهم".
وشدد عويدات على أن "الحزب ينتظر أن تكون التعديلات مستجيبة لما طالبنا به، ولذلك إذا أردنا النجاعة فلا بديل عن التزكيات الإلكترونية".
في غضون ذلك، دوّن عضو حراك مواطنون ضد الانقلاب الحبيب بوعجيلة على صفحته في فيسبوك قائلاً إنه "من الواضح أن النظام أدرك أن القانون الانتخابي جعل أنصاره والأحزاب الوظيفية المساندة له في وضع عجز عن المشاركة فضلاً عن التقسيم غير العقلاني للدوائر.. ما يروج عن سوق التزكيات والمال الفاسد التي أكدها قيس سعيد اليوم في حديثه مع بودن هو مجرد ذريعة سهلة لتبرير تعديل القانون".
كما كتب القيادي بحزب التيار الديمقراطي محمد العربي الجلاصي ساخراً "قيس سعيد ينوي إعادة تغيير القانون الانتخابي الذي كتبه بمفرده والذي خرق به الدستور الذي كتبه بمفرده وأصلح أخطاءه بمفرده أيضاً. بالله عيّن النواب بنفسك ودعنا من حديث الانتخابات... قوس وسيغلق وسندفع جميعنا ثمنه، المعارضون والمساندون".
وسيكون الاقتراع لانتخابات مجلس نواب الشعب داخل البلاد يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل بينما يبدأ بالخارج أيام 15 و16 و17 ديسمبر/ كانون الأول، في حين سيكون يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول هو يوم الصمت الانتخابي في تونس.
وسيجرى الإعلان عن النتائج الأوّلية ما بين 18 و20 ديسمبر/ كانون الأول في حين سيكون الإعلان عن النتائجّ النهائية يوم 19 يناير/ كانون الثاني 2023، إثر الانتهاء من النظر في الطعون والبتّ فيها.