انشغل الوسط السياسي والاقتصادي في الجزائر خلال الأسبوعين الماضيين بسيدة الأعمال الجزائرية، سعيدة نغزة، بعدما وجهت رسالة جريئة إلى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، كسرت فيها حاجز الصمت وأحدثت هزة في البلاد، مجددة الحديث عن صراع أجنحة السلطة الجزائرية.
"أتحمل المسؤولية عن كل كلام أقوله، حتى لو كلفني السجن أو الاغتيال"، كان هذا تصريح لسيدة الأعمال الجزائرية ورئيسة كونفدرالية المؤسسات التي تمثل أرباب العمل ورجال الأعمال، وأدلت به في إبريل/نيسان 2022.
ويبرز التصريح السابق انحياز نغزة إلى خيار الصدام مع جزء من السلطة في الظروف التي تجد فيها نفسها مضطرة إلى ذلك، على الرغم من أن الصدام ليس خياراً مفضلاً في الغالب لرجال المال والأعمال، الذين يلجأون عادة إلى "الجبن" والمداهنة حماية لمشاريعهم وللنجاة من سيف السلطة.
وتبدي نغزة في بعض الأوقات قدراً من الشجاعة لقول ما يتجنب الآخرون قوله، ولكن ذلك لا يمكن تفسيره فقط بالجرأة، حيث إنها لا تنكر علاقاتها مع رجال في السلطة والجيش.
وتكاد تكون نغزة أكثر سيدات الأعمال، على قلتهن، بروزاً في المشهد والمجتمع الاقتصادي الجزائري، وهو مجتمع لم يطبّع بعد مع الحضور الاقتصادي للمرأة، ولسبب ما يبرز صوت نغزة وتخرج عن "العزف الجماعي" في لحظة يعتقد فيها البعض أن كل شيء على ما يرام.
في العاشر من سبتمبر/أيلول 2023، كُشف النقاب عن رسالة وجهتها نغزة، بصفتها رئيسة كونفدرالية المؤسسات الاقتصادية (هيئة تجمع رجال الأعمال والمشاريع)، إلى تبون، وكشفت فيها وجود مشاكل عميقة في إدارة القطاع الاقتصادي والبيروقراطية، وتعرّض رجال أعمال لضغوط كبيرة من قبل لجنة وزارية للتقييم الضريبي، وتحمل الرسالة انتقادات حادة لسياسات الحكومة وترسم صورة مغايرة تماماً للواقع الاقتصادي عن الصورة الرسمية.
ولا تعتبر نغزة معارضة سياسية، حيث شاركت في 19 أغسطس/آب الماضي في مبادرة التلاحم التي نظمتها كتلة الموالاة لدعم تبون وسياساته، قبل أن تفاجئ الجميع وتحدث رجة سياسية برسالتها الأخيرة.
وعلى الرغم من الرد الحاد الذي تلقته نغزة من السلطات في تقرير لوكالة الأنباء الجزائرية، إلا أن اللافت أن رسالتها حققت النتائج المطلوبة، حيث بادر تبون إلى لقاء هيئة رجال الأعمال (مجلس تجديد الاقتصاد الجزائري)، وقرر إلغاء لجنة التقييم الضريبي، وأعاد هذا الموقف تكريس صورة نغزة كسيدة أعمال مثيرة للجدل في مواقفها وفي جرأتها، التي لا تخلو من حسابات ودوافع متعددة، واتخاذها لمواقف معاكسة في لحظات بالغة الصعوبة.
ومن أبرز هذه المواقف ما حدث في بداية يوليو/تموز 2017 عندما استُدعيت نغزة من قبل جهات في الحكومة لحضور اجتماع لهيئات رجال الأعمال والنقابات العمالية الموالية للسلطة، بغرض التوقيع على بيان موجه إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان مغيبا تماماً بسبب مرضه، لدعوته إلى إقالة عبد المجيد تبون الذي كان استلم رئاسة الحكومة قبل شهر فقط. وكان تبون دخل في خلاف حاد مع "منتدى المؤسسات"، وهو هيئة لرجال الأعمال والذراع المالية لمحيط الرئيس بوتفليقة، يرأسه علي حداد ويسيطرعليه شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، لكن نغزة التي كانت في صراع مع الهيئة رفضت ذلك، برغم تهديدات طاولتها من مدير الديوان الرئاسي، أحمد أويحيى.
وعشية ذلك الاجتماع تحولت تلك التهديدات إلى واقع، إذ دفعت السلطات القضاء إلى إدانة نغزة والحكم عليها بالسجن لمدة عامين في قضية خلاف مالي مع شريك ومستثمر إسباني، ووُجهت إليها تهمة الاستيلاء على أموال خاصة، لكن نغزة لم تتراجع عن موقفها، وهاجمت بشدة عبر وسائل الإعلام منتدى المؤسسات ومحيطه السياسي.
وظل موقف نغزة الرافض لتوقيع لائحة ضد تبون في 2017 يحسب لها، وساهم في إعادة تطبيع علاقتها مع الرئاسة بعد اعتلاء تبون سدة الحكم نهاية عام 2019، إذ كانت نغزة ضمن رؤساء هيئات رجال الأعمال والمؤسسات التي استقبلها تبون في سياق مشاوراته حول القضايا الاقتصادية.
وربما كان ذلك هو ما أبعد نغزة عن الجدل والملاحقات القضائية التي طاولت عدداً كبيراً من رجال الأعمال من محيط الرئيس بوتفليقة خلال وفي أعقاب الحراك الشعبي، لكن ورغم علاقتها التي بدت جيدة مع تبون ودعمها لسياساته الاقتصادية الجديدة، خاصة ما يتعلق بدعمه للقطاع الخاص والاستثمارات الخاصة، عادت نغزة منذ إبريل/نيسان 2022 إلى مواقفها المتمردة، حيث انفجرت بغضب كبير عندما دفعت السلطة رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية لإنشاء "مجلس تجديد الاقتصاد الجزائري" كذراع للحكومة، التي منحتها الترخيص القانوني سريعاً، وحذرت من أن السلطة بصدد تكرار صناعة هيئة لرجال الأعمال حول السلطة بنفس القدر الذي كان في العهد السابق، وقالت حينها إنها "لا تعترض على تأسيس هيئات جديدة لرجال الأعمال، لكنها ستقف ضد أي مساع لخلق عصابة جديدة"، واتهمت رئيس المجلس الجديد لأرباب العمل، كمال مولى، بأنه كان ضمن ما تصفه "بالعصابة" التي نهبت المال في العهد السابق، واستنكرت محاولات الحكومة تجاهل الهيئة التي ترأسها "الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية".
وتدير نغزة مجموعة شركات خاصة، أنشأتها عام 1999، تعمل في مجال الإنشاءات والبناء والهياكل الفولاذية والسيراميك، كما توسع نشاطها إلى الاستيراد والتصدير وتكنولوجيا المعلومات، كما تدير استثمارات لها في غرب أفريقيا وخاصة في السنغال.
وتستفيد نغزة بشكل لافت من كونها أكثر رجال الأعمال الجزائريين حضوراً في المنتديات الاقتصادية في الخارج، وخاصة في غرب أفريقيا، وتعد هيئة أرباب العمل، التي تترأسها، الأكثر تمثيلاً للمستثمرين الجزائريين في الفعاليات الاقتصادية في الخارج.
وفي تسجيلها الصوتي المسرب الذي أرسلته إلى مدير وكالة الأنباء الجزائرية، سمير قايد، رداً على تقرير الوكالة الموجه ضدها، لا تنكر نغزة علاقاتها النافذة مع من تصفهم بـ"أصحاب القبعة"، وتقصد بهم العسكر والمؤسسة الأمنية، الأمر الذي كان معروفاً في الوسط السياسي ومجتمع رجال المال والأعمال، وتلك حقيقة جزائرية ملازمة لكل المراحل السياسية في البلاد.